من يريد أن يصبح نجما صحفيا أو تليفزيونيا في لمح البصر فما عليه سوي التوجه لأي من برامج (التوك شو) في أي قناة فضائية مصرية خاصة أو يتوجه لأي صحيفة مصرية خاصة ويصب فيهما جام غضبه وسخريته وتهجمه علي المظاهر الدينية للمسلمين (الحجاب، النقاب، اللحية) وازدراء بعض المعتقدات الإسلامية ك (إنكار السنة، الطعن في البخاري وكتب السنة والتراث الإسلامي، إنكار عذاب القبر) وغيرها من المعتقدات، وبعدها وبقدرة قادر سيتحول بين غفوة عين وانتباهتها إلي نجم تليفزيوني كبير تتهافت عليه جميع برامج (التوك شو) والبرامج الحوارية في القنوات والصحف الخاصة. أنا أجزم وأقطع بأن تسعة وتسعين بالمائة من هؤلاء الذين يخوضون في عقائد المسلمين في الصحف وفي البرامج دون علم أو وعي بخطورة ما يفعلون خاصة من يسمون أنفسهم بمفكرين إسلاميين مستنيرين لا يجيدون تلاوة النصوص القرآنية تلاوة سليمة، وأتحداهم أن يخرج واحد منهم في أي برنامج تليفزيوني ويمسك بالمصحف الشريف ويتلو منه بضع آيات قليلة تلاوة صحيحة أمام الجمهور، أو يمسك بكتاب من كتب التراث الإسلامي ويقرأ منه صفحة واحدة قراءة سليمة، فإن كان هذا لن يحدث ولن يفعلوا، وإذا كانوا لا يجيدون حتي التحدث باللغة التي نزل بها النص الديني، فكيف بهم ينَصبون أنفسهم مصلحين ومنتقدين لفهم النص الديني وهم لا يجيدون حتي تلاوته؟ إن المتابع المنصف لوسائل الإعلام المصرية الخاصة، وما تقوم ببثه عقب أي حادث طائفي يحدث في مصر بين المسيحيين والمسلمين وكذلك المتابع لكيفية تعاطي الإعلام الخاص مع هذا الملف الخطير في الأوقات التي ليس فيها أحداث عنف طائفي لا يمكن أن يخفي عليه ولو للحظة واحدة مدي تسابق وتنافس عدد كبير من الإعلاميين والكتاب والصحفيين والمثقفين إلي الإشارة بإصبع الاتهام إلي التزام أغلبية الشعب المصري بمعتقدات وشعائر الدين الإسلامي ومظاهره الشكلية، وكأنها أي المعتقدات والشعائر والمظاهر الدينية للمسلمين هي السبب المباشر أو غير المباشر وراء ما يحدث في مصر من أحداث عنف طائفي، مما جعل جموع المصريين المسلمين يشعرون بأن دينهم الإسلامي بمعتقداته وشعائره ومظاهره الشكلية قد أصبحوا جميعا في قفص الاتهام من قبل هذه الفئة التي تحتكر وتحتل وتسيطر علي وسائل الإعلام الخاص، وكذلك من قبل الفئة المحددة بعينها التي لا تتغير من ضيوف البرامج الحوارية التي يتم فرضها وفرض آرائها بقوة الأمر الواقع رغم أنف المصريين جميعا. ومن البراهين الدامغة التي تثبت صدق هذه الحقيقة الواضحة خروج الآلاف من المصريين المسلمين لمواساة ومؤازرة إخوانهم المصريين المسيحيين عقب تفجيرات الإسكندرية غير الأخيرة، هذا الخروج غير المسبوق الذي حاول الإعلام أن يصوره للناس علي أنه تعاطف ومواساة ورفض للعنف فحسب، بل لم يدركوا أن الدافع الحقيقي وراء هذا الخروج المكثف من المسلمين ليس سببه التعاطف والمؤازرة ورفض العنف فحسب، بل كان الدافع الرئيسي هو ذلك الشعور الجماعي الذي ولده الإعلام في السنوات القليلة الماضية لدي المسلمين المصريين بالذنب الذي لم يقترفوه ولم يشاركوا فيه، ولشعورهم بأن الدين الذي ينتمون إليه بمعتقداته وشعائره ومظاهره قد نجح الإعلام سواء عن قصد أو عن غير قصد في وضعه في قفص الاتهام، فخرجوا ليتبرأوا من ذنب لم يقترفوه، ولينفوا عن دينهم تهمة ليست فيه، هذا هو الدافع الرئيسي وراء خروج آلاف المصريين المسلمين لمواساة ومؤازرة إخوانهم في الوطن. ففي اليوم الأول لحادث الإسكندرية قامت قناة (ONTV) بتغطية إخبارية للحادث الإجرامي طوال اليوم، وكان الأستاذ (نبيل شرف الدين) أحد الضيوف الذين شاركوا في تغطية الحدث علي هذه القناة، حيث قام بصب جام غضبه علي الحجاب والنقاب وعلي الرجال والنساء المسلمين والمسلمات الذين يقرؤون القرآن ويرددون الأذكار الدينية داخل عربات مترو الأنفاق، في إقدام فج منه علي جرح الملايين من المحجبات المسلمات في مشاعرهن الدينية وهن لا ناقة لهن في الأمر ولا جمل. وكذلك في ليلة الاثنين التي أعقبت الحادث كان الدكتور (توفيق عكاشة) رئيس قناة (الفراعين) في برنامجه (مصر اليوم) هو وأحد الضيوف يصبون جام غضبهم وسخريتهم واستهزائهم علي عقيدة (عذاب القبر) التي يعتنقها عشرات الملايين من أبناء المسلمين المصريين، في تغافل تام عن التأثيرات النفسية السيئة التي ستتركها هذه السخرية وهذا الازدراء علي معتنقي هذه العقائد من المسلمين ما يجعل القلوب تمتلئ احتقاناً يدفع بأصحابها إلي الاتجاه الخاطئ. هذان مثلان صغيران من مئات الأمثلة التي تعج بها معظم وسائل الإعلام الخاصة التي دائما ما تحرص علي أن تكون أسباب المرض كامنة في معتقدات وشعائر ومظاهر المسلمين الدينية فحسب، حتي تولّد شعور عام لدي المسلمين المصريين مفاده أن الانتساب إلي الإسلام أصبح سبة في نظر كثير من الإعلاميين والكتاب، وأن الالتزام بشعائر ومظاهر ومعتقدات الإسلام أصبح عارا يجب علي المسلمين أن يغسلوا أيديهم منه عقب كل حادث طائفي وأن يعلنوا في كل مرة: (براءة الإسلام من دم المسيحيين المصريين). يحدث هذا علي مرأي ومسمع من المسئولين في الدولة دون أن ينتبهوا لخطورة تحريض الإعلام الخاص وبعض الإعلام الحكومي علي الفتنة الطائفية بازدرائهم لما يعتقده ملايين المسلمين المصريين أنها مظاهر وشعائر دينية لديهم حتي ولو كانت ليست من أصل الدين ما يدفعهم إلي الاحتقان والشعور بالاستهداف في دينهم فيندفعوا شعوريا للاتجاه الخاطئ.