- الثورة.. والغضب.. وردود الفعل الساخنة تجاه عقوبات مباراة المصري والأهلى، التى أقيمت فى بورسعيد بداية فبراير الماضى، وشهدت سقوط 74 ضحية من الشباب والصبية، نتيجة لاعتداء تعرضوا له من جانب نفر من جماهير المصرى، كانت متوقعة تمامًا بالنسبة لى، وقد كنت على يقين كامل بحدوثها، وكما جرت بالفعل من الجانبين.. المصرى والأهلى.. سواء فى بورسعيد، أو القاهرة، وذلك فور إعلان العقوبات مساء يوم الجمعة الماضى! هل كنت أخمن؟ هل كنت أتوقع كما نفعل فى كثير من المواقف؟ أم أننى كنت أقرأ الغيب والعياذ بالله؟ هل حدث وسألت من أعلنوا غضبهم.. أو أجريت استطلاعًا للرأى عن ردود فعلهم المتوقعة حين تصدر العقوبات ولهذا كنت أعرف ما سيحدث؟ هل كان لدى معلومات تسمح لى بهذه الرؤية الواضحة؟ والحقيقة أننى لم أفعل لا هذا.. ولا ذاك.. ولا غيره، كل ما فى الأمر أننى تأملت كثيرًا مما حدث فى مواقف عديدة، فى الكرة والرياضة وغيرها.. ودققت فى ردود الفعل، ودرست ما جرى جيدًا، ولهذا بات من السهل جدًا أن أتوقع ردود فعل كثير من الناس فى مصر، حيال العديد من المواقف، والقضايا، والموضوعات، التى تحدث فى حياتنا على كل المستويات، وفى كل الاتجاهات.. ومنها بالطبع الرياضة بشكل عام، وكرة القدم على وجه الخصوص! ولكن ما هو هذا الذى حدث من قبل؟ وماذا كانت ردود الفعل السابقة فى قضايا.. وموضوعات أخرى؟ وما هى الأفكار والمنطلقات التى كانت تحكم ردود الفعل؟ وكيف كان شكل التعبير عن ردود الفعل بشكل عام؟ من المهم أن أقول هنا.. إن هناك اعتقادًا راسخًا، عند قطاع غير قليل من المجتمع، بأنه لا يعيش فى دولة، والدولة التى يفهمها.. ويعرفها، هى الدولة التى بناها هو فى داخله، فهو فى قرارة نفسه دولة بمفرده، وهو من القوة والسطوة التى تدفعه إلى الاعتقاد بأنه خارج أى حساب، وفوق كل قانون، وأن ما يراه هو الصواب بعينه، وأنه يملك مطلق الحرية فى تصرفاته.. بلا رقيب ولا حسيب ولا حتى مراجعة، ووصل الأمر إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير.. مثل القناعة بأنه لا ينبغى أن يكون هناك حساب من الأصل، لأن من يحاول ترسيخ فكرة الحساب، هو خائن، وعميل، ويتلقى تمويلاً من الخارج.. والمضحك المؤسف، أن ذات الشخص، هو نفسه، الذى يريد أن يتم تطبيق القانون على الآخرين بكل قوة.. وشدة.. وعنف، عقابًا على وقائع، ارتكبها هو من قبل.. أى أن يتم الكيل بمكيالين، وأحيانًا بثلاثة مكاييل.. ودون أن تهتز له شعرة، أو تطرف له عين، أو يندى له جبين، أو حتى تتبدى على وجهه حمرة خجل!! وصل بنا الحال أيضًا - وبكل أسف - أن كل من يتصور أن له حقًا، وهو قد لا يكون حقًا بالمرة، يقرر أن يحصل عليه بالطريقة التى يراها، ليس مهما ما هى هذه الطريقة، ومدى بشاعتها، أو عبثيتها، ولنا فى النماذج والأمثلة، التى جرت حولنا ما يجعلنا ندرك جيدًا، أن البعض لم يعد يعرف معنى أنه يعيش فى دولة، ولا مدى توافق ما يفعله مع فكرة الوطن، الذى تحكمه قواعد، وقوانين، وآليات محددة، ولكن الواضح أن الأهم فقط عند مثل هؤلاء، هو أن يحصل على ما يريد.. ما معنى أن يقوم سائقو هيئة النقل العام باعتصام من أجل الحصول على مطالب مادية معينة، ثم يكون القرار هو التهديد بالخروج فى مظاهرات بالأوتوبيسات أمام مقر مجلس الوزراء؟ هل يتصور كل واحد فيهم أن البلد كله لا يكفيه ولا يردعه عن التفكير فى مثل هذه الخطوة؟ هل وصل دهس كل الأشياء إلى الدرجة التى يفكر البعض فيها بارتكاب ما يندرج تحت بند المستحيلات؟ هل اعتقد من تكلموا بهذا الأمر أن الأوتوبيس ملك لهم أو أنه من ميراث السيد الوالد أو تركة جده الكبير؟ إنه التهريج بعينه ولا شىء سواه، وهو نفس التهريج، الذى تكرر بنفس الصورة، مع اختلاف التفاصيل عقب صدور قرارات اتحاد الكرة بشأن مباراة المصرى والأهلى.. فقد تعالت صيحات الغضب من كلا الجانبين، وتسابق كل طرف فى الإعلان عن غضبه، ورفضه لما تم التوصل إليه، ولم يفت هذا ولا ذاك أن يهدد، ويتوعد، باعتبار أن كل شىء مباح، حتى لو كان الخروج عن المألوف، أو ترسيخ مفهوم شريعة الغاب!! من المهم أن أتوقف هنا عند العقوبات وأسرد هذه الملاحظات: أولاً: على أى أساس رأى الغاضبون فى المصرى أن هذه العقوبات قاسية جدًا؟ وما هو المقياس الذى رأوا من خلاله أنها ظالمة أو مجحفة؟ بالطبع لا توجد قاعدة، إنما هو التعبير عن الغضب تطبيقًا لقاعدة سائدة فى الثقافة المصرية، ونمارسها كل يوم فى حياتنا.. وحتى فى البيع والشراء، وهى قاعدة الفصال.. فيقول البائع إن السلعة سعرها مائة، فيرد المشترى بأنه سيأخذها بعشرة فقط.. وهكذا نفعل فى العقوبات. ثانيًا: بنفس المنطق كيف رأى الألتراس أن العقوبة ضعيفة وهزيلة؟ وما الذى احتكموا إليه حتى يعتقدوا مثل هذا الاعتقاد؟ على أى أساس بنوا ثورتهم وتهديداتهم بعد أن نفد صبرهم كما أعلنوا فى بيانهم؟ هل كانت هناك حادثة مماثلة وقعت من قبل، وراح ضحيتها 15 شخصًا، وحصل على عقوبة بعينها، وبالتالى يتعين على اتحاد الكرة، أن يتخذ العقوبة مضروبة فى خمسة أضعاف، باعتبار أن الضحايا فى بورسعيد بلغوا 74 ضحية؟!! لم يحدث، ولذلك لا توجد منطقية فى الغضب، ولا وجاهة التصعيد. ثالثًا: أين أصحاب المصلحة الحقيقية فى الموضوع وهم أسر الضحايا؟ لماذا لا يعلو صوتهم ويقولون ما يقوله غيرهم لو كانوا يريدون ذلك؟ حتى يأتى الغضب من أصحاب المصلحة الحقيقيين؟ مجرد سؤال برىء. رابعًا: ما هى الحكمة فى ترسيخ هذه النماذج المنفلتة من السلوك؟ لماذا الحل الأقرب والأسهل هو الاعتصام، والتهديد بالانتقام، وإشعال الدنيا، وحرق البلد، مثلما حدث ممن كانوا يريدون اقتحام مقر هيئة قناة السويس؟ لماذا نطرد التفكير ونمنح العقل إجازة، ونترك الانفعالات تقول كلمتها دومًا؟ لو كانت هناك ذرة واحدة من التحضر.. أو مجرد قدر ضئيل من العقل، لكان رد الفعل الأول من كل الأطراف هو اللجوء للحكم الذى سيرضى الجميع بحكمه، وهو الاتحاد الدولى لكرة القدم.. ودعونى نيابة عن الجميع، مادام العقل واخد إجازة فى مصر.. أن أقول لكم "لابد من تدويل القضية".. لنجعل الطرف الدولى هو صاحب القرار عشان نخلص من الصداع ده.. حاجة تقرف!! مقالات أخرى للكاتب للتواصل مع الكاتب عبر صفحته على الFacebook