** لم يكن الدرس الكروى هذه المرة من داخل الملعب.. أو بين اللاعبين، بل كان من المدرجات، التى أعطت لنا.. ولنا تحديدا، كيف يكون البشر متحضرين؟ وكيف يتقبلون الخسارة؟ وكيف يقبلون الآخر؟ وكيف يشعرون بالحزن بغير الطريقة البدائية المتشنجة التى يبديها السادة مشجعو الكرة فى مصر؟ وهى ببساطة دليل عملى على الفوارق بين شعوب العالم الأول، وبين شعوب العالم الثالث.. أو الرابع، وهى الشريحة التى يبدو أننا مرشحون لاحتلالها بقوة وحدنا بين شعوب الدنيا.. جمعاء!! ذهبت كأس الأمم الأوروبية، فى بولندا وأوكرانيا.. وتركت لنا الإحساس بالألم والأسى، والحزن على واقعنا الكروى على كل المستويات، وقد كنا دوما ننبهر بالأداء الكروى من الفرق "المحترمة"، التى تشارك فى مثل هذه البطولات، وأظن أننا لم نستفد شيئا بالمرة، من كل ما نراه فى أمم أوروبا، أو كأس العالم.. رغم كثرة ما كتبته الصحافة، ورغم تكرار الحديث عن اختلاف تلك الكرة التى يلعبونها، بل ربما حدث أن كنا نتأخر كل خطوة إلى الوراء، فى الوقت الذى كان يتقدم فيه العالم خطوة أخرى إلى الأمام، بما جعل الفارق يتسع بشكل أكبر وأسرع. الآن.. وبالمقارنة بالحال عندنا، وبعد صور الخروج عن القانون، والانفلات الأخلاقي، والسلوكى، والاعتصامات، وتسلق الأسوار، وقطع الطرق.. إلى جانب صور المسخرة فى مدرجات كرة القدم المزمنة، والتى كان من ملامحها سقوط 74 ضحية فى استاد بورسعيد، يمكننى القول إننا صرنا فى عالم آخر، غير ذلك الذى يعيش فيه الناس فى البلاد المتحضرة، وقدمت لنا مدرجات الجماهير الأوروبية، صورا تبعث على الأسى.. والأسف لما نحن عليه، حتى تراجع بنا الحال إلى أننا لم نعد قادرين على إقامة المباريات فى حضور الجماهير.. منتهى التخلف، وتأكيد عملى وحقيقى على مستوى الأغلب الأعم من سلوكيات الناس فى المدرجات المصرية. شعرت بهذا حقا بعد نهاية أمم أوروبا من احترام الناس لكل القواعد، والقوانين، والقيم السائدة، ورغم ضخامة الأعداد التى حضرت المباريات، وهى فى دولتين، كما أن من حضروا كانوا من عدد غير قليل من الدول المشاركة وغيرها، ومع أن اللقطات التليفزيونية، ركزت على الوجوه والانفعالات لمرات عديدة فى كل مباراة، فإن لا أحد ظهر وهو يصرخ، أو يتشنج، أو يشتم، أو يسب لاعبا.. أو مدربا.. أو حكما.. أو أى طرف آخر.. ناس متحضرون حقا، عندما يهتفون هتافا جماعيا، فهم يفعلونها لترديد هتاف جميل، أو كلمات لها قيمة إيجابية، بينما عندنا يقف المشجع، أو حتى نفر بالمئات.. ليمارسوا الإهانة ضد من لا يشعرون بالرضا عنه، فهم أصحاب سطوة، الواحد منهم عندما اشترى التذكرة، اعتقد أنه استعبد الناس كلهم.. وامتلك النادى، واستباح الجميع، وربما يكون منهم من قفز من فوق السور.. ولكنه يمارس نفس السطوة، لمجرد أنه يشجع هذا النادى، أو ذاك.. وفى كل الأحوال، لا تتيح التذكرة أو الانحياز لناد أو فانلة أن يرتكب المشجع فى مصر مثل هذه الأفعال!! إن من يرصد انفعالات المشجعين، ويرى الكثير من ردود فعلهم، ويستمع إلى ما يجرى على ألسنتهم من عبارات وأوصاف وشتائم وعبارات استهجان.. وأيضا، تشنجات وصرخات.. يعتقد أن الأمر ليس له علاقة بخسارة مباراة، أو عدم إجادة لاعب من اللاعبين، أو ضياع فرصة أمام مرمى.. ولكنه قد يعتقد أن من يفعل ذلك، هو واحد مات أبوه.. بل ربما عندما يموت أبوه.. لعله لن يفعل ما يفعله فى مدرجات كرة القدم.. إنه التخلف الرسمى يا سادة! -*- ** عندما تكشفت وقائع فضيحة الرئيس الأمريكى "بيل كلينتون" مع "مونيكا" المتدربة فى البيت الأبيض، لم يسامح الشعب الأمريكي فى خطأ وقع فيه الرئيس، وهو أنه لم يقل الحقيقة، بمعنى أن هذه الشعوب لا تغفر خطيئة الكذب، وقد تترك ما دون ذلك.. والسؤال: ماذا سنفعل نحن عندما أنكر محمد زيدان لاعب منتخب مصر، المستبعد والمثير للجدل، قيامه بزيارة علاء مبارك فى السجن، ثم عاد واعترف بالزيارة؟! مجرد سؤال لتوضيح الفارق بين شعوب تعيش أعلى حالات اليقظة، وناس تانية "مش دريانة بحاجة"!! -*- ** لا أدرى ما هو السر فى ذلك الصمت الغريب المريب الذى يتعامل به الإعلام مع النص الخاص بالرياضة فى الدستور المصرى الجديد؟ لو كان هناك إدراك حقيقى بالقيمة التى تمثلها هذه القضية، وأثرها على مستقبل الرياضة، ومستقبل الأجيال القادمة، ما توقفت الوسائل المختلفة عن تناول هذا النص، والإلحاح عليه، ومداومة الكلام فيه، وهو ما لم يحدث، وأظن أن تصويب هذا الخطأ المهنى.. أو بمعنى أصح استدراكه، بلقاء موسع دعت إليه لجنة الشباب والرياضة بمجلس الشورى، التى على ما يبدو أنها أخذت على عاتقها، من خلال رئيسها النائب محمد حافظ، ومعه الوكيلان الدكتور رائد زهر الدين، والنائب ياسر حسنين، وباقى أعضاء اللجنة، التصدى لمثل هذه القضايا، وعقدت بالفعل عدة اجتماعات مهمة من أجلها، وها هى تدعو الإعلاميين من كل الوسائل والمؤسسات، لجلسة موسعة للحديث عن النص الخاص بالرياضة فى الدستور.. فأين باقى الجهات والأشخاص والمسئولين والإعلاميين؟ لا أحد يعرف. -*- ** عندما رفع نفر من المشجعين شعار القصاص لمن سقطوا فى استاد بورسعيد.. كان من المؤكد أن أصحاب الشعار يعرفون ماذا يقولون.. وماذا يريدون؟ والأكيد أنهم كانوا يملكون تصورا، خاصة أنهم ربطوا بين هذا القصاص وبين عودة النشاط، أو بينه وبين لعب الكرة، وهو ما حدث بالفعل، ولم تقم أى مباراة رسمية، باستثناء مباريات أفريقيا، التى لعب فيها الأهلي والزمالك.. وإنبى قبل خروجه من كأس الاتحاد الأفريقي، إلى جانب مباريات منتخب مصر الرسمية، أما المباريات الودية فقد لعبها المنتخب خارج الوطن دون إرادته، والآن.. ماذا حدث بعد شهور من إطلاق شعار القصاص؟! وماذا أنجز هذا الشعار على أرض الواقع؟ الحقيقة لا شىء.. لأن القانون يأخذ مجراه فعليا.. وتجرى محاكمة من تم توجيه الاتهام إليهم، وهو ما كنت أطالب به، مع استمرار نشاط الكرة، لأن ما تم فرضه بالقوة، والعافية وقطع الطرق، ليس إلا بلطجة، وخروجا عن كوننا نعيش فى دولة، أو على الأقل لا نعيش فى بلد يملكه واحد من أولئك الذين فرضوا التوقف علينا بالعضلات، والصوت العالى والمسيرات الصبيانية، وبعد كل هذا لم نعد نسمع أى شىء من "الحنجورية" أصحاب شعار القصاص.. لقد اختفوا تماما، وتبددوا مثل البخار.. ولم نعد نسمع لهم حسا، وكأن ما حدث كان أقرب إلى المؤامرة المحبوكة، وإلا بماذا تصف خراب البيوت، الذى طال الآلاف ممن يعيشون على دخلهم من الكرة، وبماذا نصف دمار الأندية الفقيرة، التى كانت تحصل بالكاد على فتات الفلوس، لكى تستر عشرات المحتاجين لبضعة جنيهات.. وماذا نقول عن مدربين يبيعون ما لديهم حتى يتمكنوا من تدبير احتياجات أسرهم.. بماذا يردون؟ وماذا يقولون؟ كل ما يمكننى قوله: يا بتوع القصاص.. ربنا ما يحرمكم من الخيابة!! اقرأ أيضاً للكاتب: - خط مستقيم| خالد توحيد يكتب: كفاكم حبًا لمصر.. اكرهوها بشدة حتى تصبح أفضل! - خط مستقيم| خالد توحيد يتساءل: لو كان صحيحا ما فعله أبوتريكة.. فقولوا عليه منتخب المعلمين!! - خط مستقيم| خالد توحيد يكتب.. تحياتى للرأى الفنى عندما يخرج من عند "الترزى"!! صفحة كتابات خالد توحيد