سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بعد آخر تراجع بمستهل تعاملات السبت 10 مايو 2025    الشقة ب5 جنيهات في الشهر| جراحة دقيقة بالبرلمان لتعديل قانون الإيجار القديم    الهند توقف العمل في 32 مطارا مدنيا بسبب القصف الباكستاني    غزة وسوريا وإيران.. رهان إسرائيل لإعادة تشكيل المنطقة    الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال نور البيتاوي في الضفة الغربية    زعيم كوريا الشمالية: مشاركتنا في الحرب الروسية الأوكرانية مبررة    الهند تستهدف 3 قواعد جوية باكستانية بصواريخ دقيقة    كواليس استعدادات منتخب الشباب لمباراة تنزانيا    عمرو أديب: "الأهلي مبيقعش وكله بيقع والأهلي واقف"    الترسانة يواجه «وي» في افتتاح مباريات الجولة ال 35 بدوري المحترفين    عقب الفوز على بيراميدز.. رئيس البنك الأهلي: نريد تأمين المركز الرابع    مصاب في واقعة مدرسة السلام: «لقيت ناس جايين من بره ومعاهم شوم وضربونا»    السيطرة على حريق داخل عصارة عسل أسود بقنا    عمرو أديب يكشف تفاصيل أزمة أسرة محمود عبدالعزيز وبوسي شلبي    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    غدا انطلاق هاكاثون 17.. وحلول تكنولوجية لأهداف التنمية الاكثر الحاحا التعليم والصحة والطاقة والتنمية والمناخ    «غرفة السياحة» تجمع بيانات المعتمرين المتخلفين عن العودة    النائبة سميرة الجزار: أحذر من سماسرة يستغلون البسطاء باسم الحج    «زي النهارده».. وفاة الفنانة هالة فؤاد 10 مايو 1993    ملك أحمد زاهر تشارك الجمهور صورًا مع عائلتها.. وتوجه رسالة لشقيقتها ليلى    «زي النهارده».. وفاة الأديب والمفكر مصطفى صادق الرافعي 10 مايو 1937    تكريم منى زكي كأفضل ممثلة بمهرجان المركز الكاثوليكي للسينما    من هو السعودي حميدان التركي الذي أفرجت عنه أمريكا بعد 20 عاما في السجن؟    «صحة القاهرة» تكثف الاستعدادات لاعتماد وحداتها الطبية من «GAHAR»    حدث في منتصف الليل| ننشر تفاصيل لقاء الرئيس السيسي ونظيره الروسي.. والعمل تعلن عن وظائف جديدة    «بنسبة 90%».. إبراهيم فايق يكشف مدرب الأهلي الجديد    رايو فاليكانو يحقق فوزا ثمينا أمام لاس بالماس بالدوري الإسباني    الكرملين: الجيش الروسي يحلل الهجمات الأوكرانية في ظل وقف إطلاق النار    وزير سعودي يزور باكستان والهند لوقف التصعيد بينهما    عباسى يقود "فتاة الآرل" على أنغام السيمفونى بالأوبرا    حبس المتهم بإلقاء زوجته من بلكونة منزلهما بالعبور.. والتحريات: خلافات زوجية السبب    حريق ضخم يلتهم مخزن عبوات بلاستيكية بالمنوفية    الأعراض المبكرة للاكتئاب وكيف يمكن أن يتطور إلى حاد؟    محاكمة 9 متهمين في قضية «ولاية داعش الدلتا»| اليوم    «بُص في ورقتك».. سيد عبدالحفيظ يعلق على هزيمة بيراميدز بالدوري    مصر في المجموعة الرابعة بكأس أمم إفريقيا لكرة السلة 2025    البترول: تلقينا 681 شكوى ليست جميعها مرتبطة بالبنزين.. وسنعلن النتائج بشفافية    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية بالبنك المركزي المصري    جامعة القاهرة تكرّم رئيس المحكمة الدستورية العليا تقديرًا لمسيرته القضائية    متابعة للأداء وتوجيهات تطويرية جديدة.. النائب العام يلتقي أعضاء وموظفي نيابة استئناف المنصورة    يسرا عن أزمة بوسي شلبي: «لحد آخر يوم في عمره كانت زوجته على سُنة الله ورسوله»    انطلاق مهرجان المسرح العالمي «دورة الأساتذة» بمعهد الفنون المسرحية| فيديو    بسبب عقب سيجارة.. نفوق 110 رأس أغنام في حريق حظيرة ومزرعة بالمنيا    أمين الفتوى: طواف الوداع سنة.. والحج صحيح دون فدية لمن تركه لعذر (فيديو)    النائب العام يلتقي أعضاء النيابة العامة وموظفيها بدائرة نيابة استئناف المنصورة    اليوم.. أولى جلسات محاكمة عاطلين أمام محكمة القاهرة    «لماذا الجبن مع البطيخ؟».. «العلم» يكشف سر هذا الثنائي المدهش لعشاقه    إنقاذ حالة ولادة نادرة بمستشفى أشمون العام    ما حكم من ترك طواف الوداع في الحج؟.. أمين الفتوى يوضح (فيديو)    تكريم رئيس هيئة قضايا الدولة في احتفالية كبرى ب جامعة القاهرة    خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في أمور الدين تجرُؤ واستخفاف يقود للفتنة    «المستشفيات التعليمية» تنظم برنامجًا تدريبيًّا حول معايير الجودة للجراحة والتخدير بالتعاون مع «جهار»    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    عقب أدائه صلاة الجمعة... محافظ بني سويف يتابع إصلاح تسريب بشبكة المياه بميدان المديرية    رئيس جامعة الإسكندرية يستقبل وفد المجلس القومي للمرأة (صور)    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يؤديان صلاة الجمعة بمسجد الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عسكر مصر وعسكر إسبانيا حصاد مرير للاستبداد
نشر في شبكة رصد الإخبارية يوم 10 - 08 - 2013

يُؤْسِفُنِي وَيُؤْلِمُنِي أن أرى جيوشًا مجيّشة من المصريّين تؤيّد الانقلاب العسكريّ الغاشم ضدّ الرّئيس محمّد مرسي في الثّالث من يوليو 2013م. يُحْزِنُنِي وَيُكْرِبُنِي أن أرى عَددًا كبيرًا مِنَ المصريّين لا يدركونَ ما أصاب مصر من خراب شاملٍ وضياع كاملٍ نتيجة للدّيكتاتوريّة العسكريّة المقيتةِ الّتي حكمت مصر بالنّار والحديد منذ سنة 1952م. الدّيكتاتوريّة، يا ناسُ، لا تعني إلّا الخراب، والهلاك، والتأخّر.
ليسَ يوجدُ ديكتاتوريّةٌ عسكريّةٌ واحدةٌ في العالم ظهرت من قبل وجلبتِ الخيرَ والرّخاءَ والسّعادةَ لشعبها. ديكتاتوريّة هتلر في ألمانيا كلّفتِ الإنسانيّةَ أكثرَ من خمسينَ مليون قتيل في الحرب العالميّة الثّانية. ديكتاتوريّةُ عسكر مصر الّتي استمرّت أكثر من ستّين عامًا منذ سنة 1952م أخّرت مصر قرونًا طويلة إلى الوراء، وقتلت تسعين مليون مصريّ مرضًا، وفقرًا، وجهلا.
ديكتاتوريّةُ فرانكو أخّرتْ أسبانيا أكثر من قرنين من الزّمان عن دولِ وسط أوروبّا وشمالها. ديكتاتوريّةُ عسكرِ البرتغال جعلت البرتغال من أكثر دول أوروبّا تأخّرًا وتخلّفًا. ديكتاتوريّاتُ أمريكا الجنوبيّة العسكريّة جرجرت الأرجنتينَ قرونًا إلى الوراءِ، وجعلتِ البرازيلَ تتخلّف قرونًا عن حضارة العصرِ.
ديكتاتوريّة ألمانيا الشّرقيّة العسكريّة جعلت ألمانيا الشّرقيّة تتخلّف كثيرًا عَنْ ألمانيا الغربيّة. يا ناس، يا عالم، مستحيل أن نسمح لمجرمي عسكر مصر أن يعودوا إلى الحكم، ويقودوا مصر مرّة أخرى نحو الهلاك والدّمار والتّخلّف. يا عالم، ستّون عامًا من القهر، والقمع، والذّلّ، تكفي. وَبَعْدُ.
عَانَى الشَّعْبُ الأَسْبَاني كثيرًا من ديكتاتوريّة عسكر أسبانيا الّذين قهروه، وأذلّوه، وسلبوه من حرّيّاته، وانتهكوا كرامته، ودنّسوا شرفه، وكمّموا أفواهه، وصادروا حقوقه الإنسانيّة. أصبح المواطن الأسبانيّ العادي - مقارنة بالمواطن الألمانيّ العادي مثلًا - عديم المبادرة، كسير النّفس، مضمور العقل، محدود الأفق، متقوقع على نفسه، يشعر بالضّعف والهوان.
هذا جزء من الحصاد المرير لحكم العسكر في أسبانيا. يقينًا أسبانيا متقدّمة على مصر قرونًا طويلة. لكنّها متأخّرة عن دول وسط أوروبّا بأكثر من قرنين. والسّبب هو الحكم العسكريّ الدّيكتاتوريّ الغاشم الّذي قمع الشّعب الأسبانيّ، وقهره، وأذلّه. وبعد.
ديكتاتوريّة أسبانيا العسكريّة أصابتِ العقل الأسبانيّ الجماعي بنوعٍ من الضّمور، والقصور، والضّعف، والعِيّ. فما كادت هذه الدّيكتاتوريّة القمعيّة الغاشمة تندحر وتتوارى، حتّى ظهرت آثارها المميتة على الشّعب الأسبانيّ. فالأسبان عندما أرادوا أن ينهضوا ببلدهم بعد انقضاء حكم العسكر، وجدوا أنفسهم عاجزين عن مسايرة الدّول المتقدّمة، ومجاراة الشّعوب المتحضّرة، على صعيد البحث العلميّ، والتّكنولوجيا، والتّصنيع، والتّعليم العالي.
عندئذ لم يجدوا أمامهم ف أسبانيا سوى مخرج واحد، هو السّياحة. فقرّروا الاعتماد على السّياحة كمصدر أساسيّ للدّخل القوميّ. كان هذا قبل عدّ عقود. وشهدت السّياحة في أسبانيا بالفعلِ عصرًا ذهبيًّا. بل إنّ أسبانيا صارت ثالث أهمّ ثلاث دول سياحيّة في العالم بعد أمريكا وفرنسا.
وبلغ متوسط عدد السّيّاح الّذين يزورون أسبانيا سنويًّا نحو ثمانين مليون سائح. لكن الأسبان لم يدركوا حتّى هذه اللّحظة الآثار المدمّرة للاعتماد على السّياحة فقط كمصدر أساسيّ للدّخل القوميّ. فصحيح أن السّياحة أنقذت ملايين الأسبان من البطالة، وانتشلت الملايين من مستنقع الفقر. لكنّها في الوقت نفسه ساهمت في انحطاط الشّعب الأسبانيّ وتأخّره.
السّياحة تعني الاعتماد الكلّيّ على الأجانب، فإن جاؤوا، فرح الأسبان، وكسبوا. وإن لم يأتِ الأجانب، بكى الأسبان، وأفلسوا. والاعتماد على السّياحة فقط كمصدر أساسيّ للدّخل يعني إهمال سائر القطاعات الأخرى، من بحث علميّ، إلى تصنيع، إلى زراعة، إلى تعليم عال. وهو ما حدث بالفعل في أسبانيا، حيث صارت الجامعات الأسبانيّة متأخّرة جدًّا عن جامعات الدّول المتقدّمة.
وصارت أسبانيا في مؤخرة دول أوروبّا الصّناعيّة، مثل ألمانيا، وسويسرا، وإيطاليا، وإنجلترا، والسّويد. بل إنّ التّعليم في أسبانيا صار متأخّرًا جدًّا مقارنة بنظيره في دول وسط أوروبّا وشمالها. وأصبح المشهد في أسبانيا شبه مأساوي حقًّا. فالشّباب في أسبانيا يكاد لا يجد عملًا مناسبًا إلّا في قطاع السّياحة.
كلّ الطّرق الأخرى تكاد تكون مغلقة!! ونتج عن هذا زيادة أعداد العاطلين عن العمل في السّنوات الّتي تلت الأزمة الماليّة العالميّة. ففي مقاطعة الأندلس في جنوب أسبانيا مثلًا يُقالُ إنّ نسبة البطالة بلغت 40٪ - ووصلت في جميع أنحاء أسبانيا إلى أكثر من ستّة ملايين عاطل. وليس هذا إلا مقدّمة لمشاكل كثيرة تنتظر الشّعب الأسبانيّ نتيجةً للدّيكتاتوريّة العسكريّة الأسبانيّة المقيتة. وبعد.
عرض التّليفزيون الألمانيّ مؤخرًا تقريرًا لحالتين مأساويّتين توضّحان الأوضاع المتفاقمة في أسبانيا الآن. الحالة الأولى لسّيّدة أسبانيّة مطلّقة، ظلّت عاطلة عن العمل في أسبانيا سنةً كاملةً، قبل أن تجد فرصةَ عمل في ألمانيا كجرسونة في أحد المطاعم. والحالة الثّانية لشابّ أسباني حديث الزّواج، ظلّ هو أيضًا يعاني من البطالة طويلًا في أسبانيا، قبل أن يجد فرصة عمل كسائق في ألمانيا. الجرسونة الأسبانيّة تعرّضت في البداية للاستغلال من قبل صاحب العمل في ألمانيا، قبل أن تجد وظيفة في مطعم ألمانيّ آخر بمرتّب أفضل.
أمّا الشّابّ الأسبانيّ، فقد تمكّن بعد وقت قصير من الحصول على شقّة مناسبة في مكان عمله الجديد في ألمانيا، فعاد إلى أسبانيا ليأخذ معه زوجته وابنته المولودة حديثًا، ليذهبوا جميعًا جميعًا إلى ألمانيا، هربًا من جحيم الحياة في أسبانيا..
ما أشبه ما يحدث في أسبانيا اليوم بما يحدث في مصر منذ انقلاب 1952م. لقد اضطرّ ملايين من المصريّين إلى الفرار من جحيم الحياة تحتَ حكم مجرمي عسكر مصر. أصبح لدينا ملايين من المصريّين الفارّين من حكم العسكر يعملون ويعيشون في مختلف دول العالم.
بل نسمع بصورة شبه يوميّة عن مصريّين يغرقون في البحر المتوسّط، أثناء محاولتهم الهروب من جحيم الحياة في مصر إلى دولة أوروبيّة. ولتتأمّل، أيّها القارئ الكريم، هذه الجريمة البشعة الّتي ارتكبها عسكر مصر في حقّ الشّعب المصريّ، بل وفي حقّ الإنسانيّة جمعاء. إنّ الحياة في مصر، في ظلّ حكم العسكر، قد أصبحت جحيمًا لا يُطاقُ.
صرنا أمام حقيقة مروّعة عندما نرى أنّ غالبيّة المصريّين صاروا لا يحلمون بشيء، مثل حلم الهجرة من مصر. يا لها من تطوّرات مخيفة مرعبة. حكى لي أحد سفراء مصر في سويسرا قبلَ أكثر من عشر سنوات أنّ العاملين في وزارة الخارجيّة المصريّة قبل انقلاب العسكر سنة 1952م، كانوا يكتبون في استمارة الرّغبات الخاصّة بالدّول الّتي يفضّلون العمل فيها: "لا أريد مغادرة مصر"!!
كان المصريّون قبل حكم العسكر يفضّلون العيش في مصر، ولا يطيقون فراقها. فصاروا بعد انقلاب العسكر سنة 1952م لا يحلمون إلّا بالابتعاد عنها. إنّ جرائم عسكر مصر مخيفة، مذعرة، مرعبة بالفعل.
فهجرة النّاس بمثل هذه الأعداد الكبيرة غالبًا ما لا يحدث إلّا في الحروب الفتّاكة، أو الكوارث الطّبيعيّة المهلكة. فقد سمعنا عن ملايين المشرّدين وملايين المهاجرين في العراق، نتيجة الحرب الأمريكيّة ضدّ العراق. وسمعنا عن ملايين المهاجرين من سوريا، نتيجة لثورة الشّعب السّوريّ ضدّ الطّاغية بشّار الأسد. لكن ما فعله عسكر مصر المجرمون بشعب مصر هو أكثر بشاعة، وأعظم هولًا ممّا تخلّفه الحروب من خراب، وهلاك على الشّعوب.
لقد تمكّن مجرمو عسكر مصر من خداع الشّعب المصريّ الطّيّبِ أكثر من ستّين عامًا، بسبب تفشّي الجهل، والفقر، والمرض بين المصريّين. أمّا في عصرنا هذا، فمستحيل أن يقبل الشّعب المصريّ في القرن الحادي والعشرين ما قبله الآباء والأجداد منذ سنة 1952، وحتّى يومنا هذا.
يستطيع عسكر مصر أن يمكروا، ويضلّلوا، ويخادعوا، لكنّ هذه الحيل لن تنطلي بعد اليوم على جموع الشّعب المصريّ، وشرفاء المصريّين، بعد اليوم. لقد شهد التّاريخ على جرائم العسكر طوال ستّين عامًا، ومستحيل أن يتنازل المصريّون بعد اليوم عن حقوقهم، وحرّيّتهم، لعصابة من المجرمين تصرّ على استعبادهم، وتضليلهم، وتغبيتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.