نشرت "الحملة السورية" يوم الأربعاء الماضي تقريرا في غاية الأهميّة يكشف انحياز منظمة الأمم المتّحدة إلى النظام السوري في الثورة المستمرة منذ مارس/ آذار من العام 2011. وتكمن أهميّة التقرير في أنّه على درجة عالية من الاحترافيّة ويعتمد على الأرقام والوقائع الموثّقة وقد أجرى القيّمون عليه 50 مقابلة مع عاملين وعاملات في المجال الإنساني، ومع مسؤولين في الأممالمتحدة، ومسؤولين عن تقييم عمل وكالات الأممالمتحدة، بالإضافة إلى سوريين يعيشون تحت الحصار ممن سبق لهم العمل في مجال الإغاثة. ولم يقتصر التحقيق في هذا التقرير كما ورد فيه على أسباب فشل الأممالمتحدة في اتخاذ موقف صارم من الحكومة السورية؛ وإنما تطرق أيضاً إلى تأثير هذا الفشل على المدنيين السوريين وعلى الصراع القائم. ويبيّن التقرير أنّ الأممالمتحدة فقدت نزاهتها وتخلّت عن حياديتها واستقلاليتها، وهذا لم يجعل منها طرفا في الصراع فحسب بل جعل منها طرفا داعما لنظام الأسد في وقت يفترض فيه دورها القيام بايقافه لتهديده الأمن والسلم الإقليمي والدولي وردعه عن ممارسة مجازره المستمرة منذ أكثر من 5 سنوات وتقديمه للعدالة. ومن أهم النتائج التي خلص إليها التقرير هو أنّ منظمة الأممالمتحدة منحت بشكل عملي النظام السوري حق النقض "الفيتو" في مسألة تقرير وصول المساعدات إلى المناطق الخارجة عن سيطرتها، الأمر الذي أتاح لهذه الحكومة استخدام الحصار كسلاح في هذه الحرب. قد يقول البعض بأنّ هذه النتيجة معروفة من الناحية العملية لمن هو متابع لدور الأممالمتحدة في الملف السوري منذ سنوات، لكن الفرق بين الاكتفاء بالمعرفة وبين توثيق هذه المعرفة بهدف تحميل الأممالمتحدة المسؤولية، على الأقل في ما يتعلق بدورها فيما يجري هو أمر لا يقل أهمّية بل يفوقه، وهو جزء أساسي وضروري من عمل الثورة الحقيقية والمؤسسات التي تمثلها. لطالما حاولت المنظمة إخفاء وتمييع حقيقة انحيازها للنظام السوري عبر تقديم مبررات وذرائع واهية، لكن الحقيقة أنّ مثل هذا الانحياز الأممي لنظام الأسد ليس مجرّد صدفة، ويجب أن تُسأل عنه المنظمة والدول الكبرى المؤثّرة عليها والمتحكمة بكثير من أعمالها. فما جاء في التقرير يؤكّد ما سبق نشره من قبل في نفس السياق عن تلاعب الأممالمتحدة بالتقارير لصالح نظام الأسد من خلال تفادي تحميله المسؤولية ومن خلال عدم الإشارة إليه صراحة حتى في الأعمال التي يعرف قطعا بأنه ارتكبها. كل هذه المعطيات بدورها تطرح تساؤلات حول سبب استمرار المبعوث الأممي الحالي في منصبه في الوقت الذي فضّل فيه أقرانه السابقين الاستقالة بعدما يئسوا من إمكانية ان يلتزم نظام الأسد بتعهداته الدوليّة، وحول دور بعض الدول الكبرى ولاسيما الولايات المتّحدة وروسيا في توجيه المبعوث الخاص بما يخدم أجندتهما المشتركة في سوريا. هذا المقال لا يعبر الا عن رأي كاتبه