أول صور لتجارب تشغيل القطار الكهربائي السريع    وزيرة البيئة: الطيور المهاجرة تقدم أعظم نماذج الحلول القائمة على الطبيعة في مواجهة التحديات البيئية    النائب أيمن محسب: قرار الأمم المتحدة بشأن عضوية فلسطين يؤكد التأييد الدولى للقضية    تقارير.. برشلونة يوافق على انتقال مهاجمه إلى الهلال السعودي    سفيان رحيمي يقود تشكيل العين لمواجهة يوكوهاما بنهائي أبطال آسيا    الداخلية: سحب 1474 رخصة لعدم وجود الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    توقعات موعد عيد الأضحى 2024 في الجزائر: شغف وترقب    16 نصيحة لطلاب الثانوية العامة 2024 للإجابة عن الأسئلة المقالية في الامتحانات    فرقة المركز الثقافي بطنطا تقدم العرض المسرحي يا عزيز عيني    لهذا السبب.. بسمة بوسيل تتصدر تريند "جوجل"    وزير الإسكان يتابع تعظيم الاستفادة من الموارد المائية المتاحة    وزير الأوقاف: بناء جيل جديد من الأئمة المثقفين أكثر وعيًا بقضايا العصر    "لا يتمتع بأي صفة شرعية".. الإمارات تهاجم نتنياهو بسبب تصريحاته الأخيرة    مصرع شخص صدمته سيارة طائشة على طريق الكورنيش في بني سويف    وصول المتهم بقتل 3 مصريين في قطر لمحكمة جنايات القاهرة    سعر الدولار في البنك المركزي والمصارف المصرية صباح اليوم السبت 11 مايو 2024    أسعار الفاكهة اليوم، الجوافة تسجل 35 جنيهًا في سوق العبور    "الوزراء" يكشف 5 مفاجآت جديدة للزائرين بالمتحف المصري الكبير (فيديو)    وزير الصحة: توفير البروتوكولات العلاجية الأكثر تقدما بالعالم لمرضى الأورام    رئيس الرعاية الصحية يتفقد مستشفى الكرنك الدولي    «الصحة»: نتعاون مع معهد جوستاف روسي الفرنسي لإحداث ثورة في علاج السرطان    مواجهة القمة والقاع| الهلال يلتقي الحزم للتتويج بلقب الدوري السعودي    بعد قطع العلاقات الدبلوماسية.. رئيس كولومبيا يدعو «الجنائية الدولية» لإصدار مذكرة توقيف بحق نتنياهو    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم السبت    أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 11 مايو 2024.. بشاي 41 ألف جنيه    لعدم الانضباط .. إحالة طاقم النوبتجية بمركز طب الأسرة ب«الروافع» في سوهاج للتحقيق    وسائل إعلام فلسطينية: إطلاق وابل من القنابل الضوئية في أجواء منطقتي خربة العدس وحي النصر شمالي رفح    اليوم.. وزير الشباب والرياضة يحاضر في ندوة بجامعة سوهاج    حادثة عصام صاصا على الدائري: تفاصيل الحادث والتطورات القانونية وظهوره الأخير في حفل بدبي    مصرع سيدة سقطت من شرفة منزلها أثناء نشر الغسيل لجرجا سوهاج    غدا.. "الشيوخ" يناقش خطط التوسع بمراكز التنمية الشبابية ودور السياسات المالية لتحقيق التنمية الاقتصادية    تفاصيل إحالة 10 أطباء ورئيسة تمريض للتحقيق العاجل في أسيوط (صور)    الشيبي يهدد لجنة الانضباط: هضرب الشحات قلمين الماتش الجاي    شاروخان يصور فيلمه الجديد في مصر (تفاصيل)    تعليق صادم من جاياردو بعد خماسية الاتفاق    موعد مباراة توتنهام أمام بيرنلي في الدوري الإنجليزي والقنوات الناقلة    المفتي يحسم الجدل حول حكم الشرع بإيداع الأموال في البنوك    التعليم العالي تعلن فتح برامج المبادرة المصرية اليابانية للتعليم EJEP    عمال الجيزة: أنشأنا فندقًا بالاتحاد لتعظيم استثمارات الأصول | خاص    إبراهيم سعيد ل محمد الشناوي:" مش عيب أنك تكون على دكة الاحتياطي"    مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في المقابر الجماعية المكتشفة بغزة    كرم جبر: أمريكا دولة متخبطة ولم تذرف دمعة واحدة للمذابح التي يقوم بها نتنياهو    حظك اليوم وتوقعات الأبراج السبت 11 مايو على الصعيد المهنى والعاطفى والصحى    عمرو دياب يحيى حفلا غنائيا فى بيروت 15 يونيو    ننشر درجات الحرارة المتوقعة اليوم السبت فى مصر    أبناء السيدة خديجة.. من هم أولاد أم المؤمنين وكم عددهم؟    ثنائي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية: التاريخ يذكر البطل.. وجاهزون لإسعاد الجماهير    الشعبة تكشف تفاصيل تراجع أسعار الدواجن والبيض مؤخرًا    الهلال ضد الحزم.. أكثر 5 أندية تتويجا بلقب الدوري السعودي    خبير دستوري: اتحاد القبائل من حقه إنشاء فروع في كل ربوع الدولة    السياحة عن قطع الكهرباء عن المعابد الأثرية ضمن خطة تخفيف الأحمال: منتهى السخافة    الإفتاء تكشف فضل عظيم لقراءة سورة الملك قبل النوم: أوصى بها النبي    الحكومة اليابانية تقدم منح دراسية للطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    عاجل - الخارجية الأمريكية تعلق على استخدام إسرائيل أسلحتها في انتهاكات دولية    «أنصفه على حساب الأجهزة».. الأنبا بولا يكشف علاقة الرئيس الراحل مبارك ب البابا شنودة    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتائب الإبادة الإعلامية - محمد جمال عرفة

ابتُلي الإعلام المصري والعربي على مدار الحقب الماضية بمن يطلق عليهم "مرتزقة الإعلام" ممن يكتبون لمن يدفع، ويوجهون الرأي العام بمعلومات مضللة ومفبركة، للواجهة التي يريدها صاحب المال أو السلطة أو النفوذ، ولكن ظل هؤلاء "الإعلاميون المرتزقة" معروفين، ويشار لهم بالبنان وعددهم محدود نسبيًا؛ حتى انتشرت مع الثورات العربية "المضادة" -التي عمت العالم العربي بعد "ثورات الربيع"- ظاهرة أسوأ وأبشع هي "كتائب الإبادة الإعلامية" ممن سخروا أقلامهم وفضائياتهم لتعبئة الرأي العام لقبول فكرة قتل المعارضين بدم بارد.
الحكام العرب الذين أطاحت بهم ثورات الربيع العربي كانوا ينشطون في تجنيد هؤلاء "الإعلاميين المرتزقة"، ولكن هؤلاء الذين انخرطوا في "كتائب الإبادة الإعلامية" يسارعون للانضمام لها، لتصفية حسابات أو تقربا من الحاكم الجديد أو بحثًا عن مجد مزعوم ونفوذ يحجزون به مكانا بين حاشية السلطة، ويفرحون كلما نجحت كتيبتهم في نشر الإرهاب الفكري في مواجهة الخصوم، ويفخرون بدورهم في إبادة مخالفي السلطة "معنويًا" وهم يطلون علينا بمقالات وبرامج يجب أن يحاكموا على ما يقولونه فيها.
خطورة هذه "الكتائب" ليست فقط في نشر الكراهية والتشجيع على سفك السلطة دماء المعارضين، ولا تلويث عقول الشعوب بمعلومات مضللة، ولا حتى تحويل الخلاف السياسي إلى كراهية وتحريض على قتل المخالف، ولكنهم يقسمون المجتمع نصفين وينشرون فيه ثقافة الحرب الأهلية، ويزرعون الكراهية للوطن بدل الولاء.
والأخطر من كل ما سبق، أن هؤلاء يلعبون دورًا خطيرًا في التأثير على أحكام القضاء التي تصدر ضد المعارضين للنظام، عبر شيطنتهم بالتهمة الشهيرة "إرهابي"، بعدما أصبحت هناك ظاهرة غريبة في مصر تتمثل في صدور أحكام قضائية بالإعدام في أعقاب دعوات لرموز هذه الكتائب الإعلامية تطالب بإعدام من تجري محاكمتهم.
وعلى غرار تعليق المشانق في أوروبا في العصور الوسطى، وعقب الحرب العالمية الأولى، ثم الثانية التي طالت أبرياء، راحت كتائب الإبادة الإعلامية هذه تضع قوائم للإرهابيين والإرهاب، حتى إنني ضحكت عندما وجدت صحيفة مصرية تنشر صورة للمعارضة المصرية د. مها عزام رئيسة المجلس الثوري المصري، وهي غير محجبة، وتكتب أسفلها: "القيادية الإخوانية المعروفة!".
الآن يمكنك بكل بساطة أن تفتح (حنفية) "قنوات الإبادة الإعلامية" لتجد حفنة من المذيعين ممن أصبح معروفًا أنهم يدارون بالريموت كونترول -كما كشفت التسريبات الأخيرة- لتجد مذيعًا يسبّ السياسي فلان أو يهدد بقتل أنصار حزب ما أو يطالب الشرطة بإطلاق النار على أكبر عدد من المتظاهرين الذين سيخرجون للتظاهر غدًا، أو يطالب الجيش بقصف قطر وغزة مع ليبيا، دون أن يعترضه أحد.
وعندما صدر حكم على أحد هؤلاء بالسجن لأنه سب وقذف سياسيًا مصريًا، وقال مسؤولو الشرطة إن يجب القبض عليه لحين أن تبت محكمة الاستئناف في حقه، خرج هذا المذيع على الهواء ليقول إنه لا أحد في "الأمة" كلها يستطيع أن يضره، وأنه لا يخاف ومستمر في برنامجه، وكأنه يخرج لسانه للقضاء أو يضمن أنه لا أحد سيجرؤ على الاقتراب منه بصفته من كتائب السلطة الإعلامية.
للأسف، في ظل تلك الحملات التي راح ضحيتها مخترعون شباب وأساتذة اقتصاد وكفاءات علمية بسبب الوشاية والكراهية وتصفية الحسابات وتشويه السمعة من قبل هذه الكتائب الإعلامية، هاجرت هذه الكفاءات وهاجر أضعافها بعد أن عاد بعضهم عقب ثورات الربيع العربي متصورًا عودة الكرامة والاعتبار والحرية للمواطن.
وللأسف، يجلس الآن في المنزل كفاءات أخرى مختلفة بلا عمل أو إيثارًا للسلامة، حتى انجلاء الغمة، بعدما قام هذا الإعلام التعبوي بالتحريض على إبادة كل من يقول رأيًا مخالفًا، مع أن سنة الحياة هي تعدد الآراء، وقطاعات كبيرة من الرأي العام، باتت مشوشة بعدما سمعت عن مشروعات وهمية ودافعت عنها ثم لم تجد بعد الضجيج طحنًا، أو قيل لها إن فلانًا عالم فذ ثم فجأة وجدوا صورته في الصحف مصنفًا إرهابيًا من قبل هذه الكتائب قبل أن يفاجئوه مرة أخرى بتلفيق تهمة له.
الكثير من أصحاب الضمائر باتوا ينزوون بعيدا لأنهم يستشعرون تراجعًا كبيرًا في منسوب العدالة والحرية، ولكن في "الإنسانية" نفسها، وانقلابًا صادمًا في القيم ما بين دفاع وتظاهر بعض من يسمون "النخبة" عن حق حيوان (كلب قتله بلطجية)، بينما يتغافلون تماما عن حق "إنسان" آخر قُتل تحت وطأة التعذيب الوحشي لأنه "محام إخواني" كما قال المتحدث باسم الشرطة المصرية في تبريره للواقعة!
وهذا ما جعل "كينيث روث" مدير منظمة "هيومن رايتس ووتش" يقول: "إنه لا يوجد اكتراث بقرارات الإعدام الجماعية في مصر أو وجود 10 آلاف شخص في السجون".
تخيل مشهد مذيع مصنف ضمن هذه الكتائب يقول: "إن تنفيذ أحكام الإعدام بحق قيادات بجماعة الإخوان سيبدأ بعد انتهاء المؤتمر الاقتصادي"، ثم نفاجأ بالفعل بعد المؤتمر بصدور أحكام بإعدام العشرات؟ وتخيل آخر يقول على الهواء: "أنا بفرح في قتل الإخوان"، وثالث يصف قتل بشار الأسد لشعبه بأنه "صمود" ل "الأسد والجيش العربي السوري"!
تخيل ما يحدث عقب بث كتائب الإبادة هذه أخبار كاذبة تصنف أسرًا كاملة على أنها من الإخوان، وتحرض الأهالي المعارضين لهم على حرق منازلهم؟، وما يحدث عندما يتم تحريض قرية ضد أخرى بدعوى أن هذه القرية أو غيرها بها إخوان أو معارضون؟، ثم اقرأ تاريخ الحروب الأهلية في كثير من الدول ستجد أنها اشتعلت بهذه الطريقة.
مشكلة الإعلام العربي أنه ظهر في حضن السلطة، أو تم تدجينه وتأميمه عقب استقلال أغلب الدول العربية، ولا توجد أصوات حرة، لأن هناك "مايسترو" يقف وراء ستار يحركها، والحرية الوحيدة المسموح بها هي "حرية تجريح الخصوم" و"نشر فضائح الخصوم"، تسربها السلطة لصحف بعينها، والحرية الوحيدة المسموح بها هي حرية الاختلاف حول الأزياء أو الموضة أو الرياضة.
وعندما استبشرنا بظهور إعلام عربي خاص داخل دولنا خاصة في مصر، تبين أنه "إعلام رجال الأعمال" الذي يدافع عنهم وعن فساد بعضهم، ومن حاول منهم إدعاء المهنية اضطر لاحقا لمسايرة السلطة خشية التضييق على مشاريعه وقرص أذنه، ودخل هذه الطاحونة الرهيبة للقيم والأخلاق والإنسانية عبر نشر ما يملي عليه.
هذا جانب يفسر أحد أسباب فشل ثورات الربيع العربي ويكشف أن "الثورة" ليست فقط تغييرًا في رأس السلطة -كما حدث- ولكن في كل "أدواتها" ومنها الإعلام و"كتائبه" التي انتقلت من التشوية والشيطنة للخصوم إلى الدعوة للقتل والإبادة لأي مخالف في الرأي.. أي رأي!
هذا المقال لا يعبر الا عن رأي كاتبه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.