في ذكرى موقعة مطار لانكا.. ثأر لاغتيال السباعي يتحول لحرب قبرصية تحل بوساطة غالي في ذكرى اغتيال يوسف السباعي.. حرب مصغرة على أرض قبرص ردًا من السادات وغالي يتوسط كتب: عمر محيسن «ماذا سيكون تأثير الموت عليا وعلى الآخرين؟ لا شيء.. ستنشر الصحافة نبأ موتي كخبر مثير، ليس لأني مت بل لأن موتي سيقترن بحادثة مثيرة..» يوسف السباعي – من رواية طائر بين المحيطين 1971. وهكذا قد كان، فتنبأ الأديب الراحل، يوسف السباعي، بأن موته لن يذاع صيته بسبب شخصه، ولكن بسبب حادثة موته المثيرة للجدل. تأتي اليوم ذكرى إغتيال الأديب المصري، يوسف محمد محمد عبد الوهاب السباعي، الذي شغل عدة مناصب، أهمها رئاسته لمؤسسة الأهرام و اختياره من قبل الرئيس الراحل، أنور السادات، ليتقلد منصب وزير الثقافة من سنة 1973 وحتى اغتياله المثير للجدل في قبرص عام 1978 لكونه مؤيدًا لمبادرة السادات بعقد سلام مع إسرائيل منذ أن سافر إلى القدس سنة 1977. السباعي من العسكرية إلى الأدب السباعي بالزي العسكري ولد السباعي في القاهرة عام 1917، وحصل على بكالوريوس العلوم العسكرية من الكلية الحربية في سنة 1937، ومنذ ذلك الحين تولى العديد من المناصب، منها التدريس في الكلية الحربية، ثم اختير مديرًا للمتحف الحربي عام 1949م، وتدرج في المناصب حتى وصل إلى رتبة عميد، واختير السباعي لاحقًا كسكرتير للمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب عام 1956، وسكرتيرًا لمنظمة تضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية عام 1957. ومع الانتقال للحياة الأدبية، تولى السباعي رئاسة تحرير مجلة آخر ساعة عام 1967، ورئاسة مجلس إدارة دار الهلال عام 1971، ثم تولى رئاسة مجلس إدارة ورئاسة تحرير الأهرام عام 1976، كما أسهم في إنشاء نادي القصة وجمعية الأدباء ونادي القلم الدولي واتحاد الكتاب، وانتخب نقيبًا للصحفيين عام 1977. للسباعي21 مجموعة قصصية قدمت بعضها في السينما والتليفزيون من أشهرها رد قلبي، بين الأطلال، السقا مات، وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1973. مرافقة السباعي للسادات تؤدي لاغتياله سافر السادات إلى القدس في نوفمبر عام 1977، مما جعل العديد من الدول العربية تقطع علاقاتها مع مصر، ورافق السباعي الرئيس السادات في رحلته بصفته رئيسًا لتحرير جريدة الأهرام، وبعد حوالي 3 أشهر سافر السباعى إلى قبرص رغم كل التحذيرات من خطر الاغتيال. فيقول محمد صبيح، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، إنهم طلبوا، وأنه كان من المصرين، أن يكون هذا الاجتماع إما في موسكو أو في برلين لأن هناك تتوفر حماية، ولكن لم تستجب هذه الدول. وقال حسن شاش، سفير مصر الأسبق فى قبرص، إنه دهش لأن قبرص، في ذلك الوقت، كانت جزيرة مخترقة من جميع أجهزة المخابرات، مثل الموساد والمخابرات الإنجليزية، وكان المرحوم يوسف السباعي قد زار إسرائيل مع الرئيس السادات مما يجعله تحت الأنظار. السباعى فى مطار لارنكا الاغتيال وأسر الرهائن صباح يوم 18 فبراير عام 1978 عن عمر ناهز ال60 عاماً، قتل السباعي أثناء قراءته لإحدى المجلات بعد حضوره المؤتمر الآسيوي الأفريقي بإحدى الفنادق، حيث قتله رجلان تناقضت الأنباء حولهما، إذ أعلن في البداية أن القاتلين فلسطينيان، واتضح فيما بعد أن أحدهما فلسطيني والآخر عراقي. وبعد اغتيال السباعي، أخذ القاتلان نحو 30 من أعضاء الوفود المشاركين فى مؤتمر التضامن كرهائن، واحتجزوهم فى كافيتيريا الفندق مهددين باستخدام القنابل اليدوية فى قتل الرهائن، ما لم تستجب السلطات القبرصية لطلبهما بنقلهما جوًا إلى خارج البلاد. أنباء الاغتيال وبدء توجيه الاتهامات تلقت مصر نبأ اغتيال السباعى بصدمة بالغة، وثارت الأسئلة المبكرة عن هوية مرتكب الجريمة، وشرعت التكهنات تشير إلى تورط السلطات القبرصية وتواطئها من أجل أن ينجح المتطرفان فى تنفيذ جريمتهما، وخاصة فى ظل غياب الأمن اللازم لحماية المؤتمر. ادعا قاتلا السباعي إنهما قد ارتكبا فعلهما لأنه ذهب إلى القدس برفقة الرئيس السادات، ولأنه بحسب رأيهما كانت له مواقف معادية للقضية الفلسطينية، وما لبثت منظمة التحرير الفلسطينية أن نفت علاقاتها بالحادث. الطائرة المصرية رد السادات بالخدعة واندلاع الأزمة لم يتأخر الرئيس السادت في الرد على جريمة اغتيال السباعي، فأرسل فى اليوم التالي طائرة تقل مجموعة من رجال الصاعقة إلى قبرص بغرض القبض على القاتلين وتحرير الرهائن المحتجزين على متن الطائرة القبرصية، وفي السادسة مساءًا طلب قائد الطائرة العسكرية المصرية رخصة للهبوط فى مطار لارنكا مدعيًا أنه على متن الطائرة وزيرًا مصريًا حضر خصيصًا للتفاوض مع القاتلين. فيقول حسن شاش، سفير مصر الأسبق فى قبرص، أنه أخذ السيارة وذهبت إلى المطار فوجد كابريانو، الرئيس القبرصي، واقفًا في برج المراقبة وحوله وزراء، بعد أن كان وصلت لشاش برقية من مصر تفيد بأن وزير الإعلام أتى لكي يتفاوض في موضوع الرهائن والمختطفين، وهو ما أبلغه بدوره لرئيس الجمهورية، كابريانو، فما كان من الرئيس كابريانو إلا أن قال له أن يأخذ معه وزيرًا لكي تستقبلوا الوزير المصري عندما تأتي الطائرة، ولكن المفاجأة كانت أنهم وجدوا طائرة غريبة جدًا، طراز«C130» عسكرية، فأوقفوها فى آخر المطار. الجنود المصريين «بصراحة أنا جاي أعمل عملية فدائية» هبط أحد جنود الصاعقة للاستطلاع، وسرعان ما تأكد للقبارصة أن على متن الطائرة وحدة قوات خاصة مصرية مجهزة بالأسلحة، فحذرت الحكومة القبرصية القوات المصرية من مهاجمة طائرة الرهائن. وهنا يقول حسن شاش أنه ذهب مع الوزير القبرصي ودخلنوا إلى الطائرة، فوجدوا شخصًا يرتدى زي الصاعقة، ونزل يركض وهو يقول له «فين الملحق العسكرى؟»، فقال له أنه السفير، فرد الأخير: «بصراحة أنا جاي أعمل عملية فدائية لتخليص الرهائن من المختطفين». محاولة سفير مصر لانقاذ الموقف مع الرئيس القبرصي كانت طائرة المتختطفين بعيدة عن الطائرة المصرية، فتوجه شاش إلى الرئيس القبرصي فوجده منزعجًا جدًا فقد قابله بعاصفة، وقال له: «أنتم جايين تحتلوا قبرص، أنتم إيه يا مصريين»، فرد شاش بأن مصرمن أجل المساعدة في التخلص من المختطفين. ظل الرئيس القبرصي يؤكد رفضه لما يحدث، وأن دولته دولة محترمة، كيف تسمح مصر لنفسها بفعل ذلك، فأعطاه شاش وعد شرف أن لا أحد سيهبط من الطيارة إلا بإذن منه، وأنهم هنا تحت أمره «ليخدموه» ولا يريدون غير فك الرهائن وإيقاف المختطفين والقبض عليهم. احتراق الطائرة المصرية اشتباكات بين الصاعقة المصرية وحرس قبرص الجمهوري كان القبارصة قد توصلوا في تلك الأثناء إلى اتفاق مع القاتلين على إطلاق سراح الرهائن مقابل الحصول على جوازات سفر قبرصية، ولكن ما لبث قائد قوات الصاعقة المصرية بإعطاء أوامره بالهجوم الشامل على الطائرة القبرصية. ومع بدء الهجوم المصري، هاجمت قوات الحرس الوطني القبرصي قوات الصاعقة المصرية، ودارت بينهم معركة استمرت قرابة 50 دقيقة وأسفرت عن تدمير الطائرة العسكرية المصرية، وقتل 15 من رجال الصاعقة المصريين وجرح ما يزيد على 80 مصابًا من الطرفين، وتم القبض على من تبقى من قوات الصاعقة المصرية. رئيس قبرص للعرب: «لا تحولونا لساحة خلافات» صرح بعدها سيبروس كابرينو، رئيس جمهورية قبرص الأسبق، أنه يود أن يصل ندائه إلى الرئيس السادات أو إلى حكام جميع الدول العربية ورؤساء جميع المنظمات العربية، بأن لا يحولوا قبرص إلى ساحة للخلافات الدائرة بينهم، مؤكدًا على أن قبرص ليست المكان الخاص بهم ليحلوا خلافاتهم أيًا كانت الطريقة، مشيرًا إلى أن قبرص صديقة لكل الدول العربية. بطرس غالي بطرس غالي يتوسط من أجل عودة رجال الصاعقة في اليوم التالي لمعركة مطار لارنكا، طلب رئيس الوزراء، ممدوح سالم، من الدكتور بطرس غالي، وزير الدولة للشئون الخارجية آنذاك، أن يسافر إلى قبرص ليتفاوض مع السلطات القبرصية من أجل استعادة رجال الصاعقة المعتقلين هناك وأيضًا العودة بجثث الضحايا، وتم ذلك في 20 فبراير عام 1978. بعد أن تحركت الطائرة التي استقلها بطرس غالي ورجال الصاعقة المصريون بدقائق معدودة من قبرص، أعلنت مصر قطع علاقاتها مع الجمهورية القبرصية، وسحب اعترافها بالرئيس القبرصى كابرينو، واستدعاء بعثتها الدبلوماسية من نيقوسيا، كما طالبت الحكومة القبرصية بسحب بعثتها الدبلوماسية من القاهرة. وفي مطار القاهرة تم استقبال رجال الصاعقة استقبال الأبطال، وتم تكريمهم ومنحهم الأوسمة، وأقيمت جنازة شعبية لضحايا الحادث شارك فيها الرئيس السادات. مصير المتهمين الغامض في 9 مارس عام 1978، بدأت محاكمة قاتلي السباعي، زيد حسين علي، وسمير محمد خضير، أمام المحكمة القبرصية، ورأس الجلسة المدعي العام القبرصي، وحضرها فريق من المراقبين المصريين، ترأسه النائب العام المصري، عدلي حسين، وفى 4 من أبريل عام 1978، حكمت المحكمة القبرصية على قاتلي السباعي بعقوبة الإعدام. ولكن بعد عدة أشهر أصدر الرئيس القبرصي، سيبروس كابرينو، قرارًا رئاسيًا بتخفيف الحكم عليهما، من الإعدام إلى السجن مدى الحياة، وذلك لأسباب غير معروفة قيل فيما بعد إنها تتعلق بأمن قبرص. فأعلنت قبرص وقتها أنها تلقت تهديدات من منظمات إرهابية عربية، بقيام عمليات على أراضيها إذا لم تطلق سراح المتهمين بقتل السباعي، وترددت بعد ذلك أنباء تفيد بأن قاتلي السباعي قد رحلا من قبرص دون أن يتما الحكم الصادر بشأنيهما.