«المشاط» تُهنئ رئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية على إعادة انتخابها    تطبيق حجز السيارات الكهربائية بالعاصمة الإدارية الجديدة 2024    رئيس COP28: العالم أمام فرصة استثنائية هى الأهم منذ الثورة الصناعية الأولى    القاهرة الإخبارية: انقسامات داخل حكومة نتنياهو بسبب اليوم التالي للحرب    الرئيس الصيني: الجامعة العربية ملتزمة منذ فترة بتعزيز وحدة العالم العربي    بوتين : لا توجد خطط حالية للاستيلاء على مدينة خاركيف الأوكرانية    بعد ساعة من طرحها.. نفاد تذاكر مباراة الأهلي والترجي في إياب نهائي دوري أبطال إفريقيا    رئيس الاتحاد الفلسطيني يكشف تحركاته نحو تعليق مشاركة الكيان الصهيوني دوليًا    متحف البريد المصري يستقبل الزائرين غدًا بالمجان    رشوان توفيق يهنئ عادل إمام بعيد ميلاده    المهرجان القومي للمسرح يطلق مسابقة التأليف المسرحي لدورته ال17 باسم الدكتور علاء عبد العزيز    وزارة العمل تعلن عن 2772 فُرصة عمل جديدة فى 45 شركة خاصة فى 9 مُحافظات    وزير الأوقاف من مسجد السيدة زينب: أئمتنا على قدر المسئولية في بناء خطاب ديني رشيد    مساندة الخطيب تمنح الثقة    القسام: قنصنا جنديًا إسرائيليًا شرق جباليا    إعلام فلسطيني: شهيدان ومصاب في قصف إسرائيلي استهدف مواطنين بحي الزهور    الإنتهاء من المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلى لمبنى المفاعل بمحطة الضبعة النووية    تحديث جديد لأسعار الذهب اليوم في منتصف التعاملات.. عيار 21 بكام    مؤتمر أرتيتا عن – حقيقة رسالته إلى مويس لإيقاف سيتي.. وهل يؤمن بفرصة الفوز بالدوري؟    "يمنح الطلاب شهادات مزورة".. ضبط سيدة تُدير كيان تعليمي وهمي في الغربية    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    «جمارك القاهرة» تحبط محاولة تهريب 4 آلاف قرص مخدر    أوقاف البحيرة تفتتح 3 مساجد جديدة    رئيس جهاز دمياط الجديدة يستقبل لجنة تقييم مسابقة أفضل مدينة بالهيئة للعام الحالي    «تقدر في 10 أيام».. موعد مراجعات الثانوية العامة في مطروح    جوري بكر تعلن انفصالها بعد عام من الزواج: استحملت اللي مفيش جبل يستحمله    أحمد السقا: يوم ما أموت هموت قدام الكاميرا    هشام ماجد ينشر فيديو من كواليس "فاصل من اللحظات اللذيذة".. والجمهور: انت بتتحول؟    الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم: قد نتوجه لكونجرس الكاف بشأن مشاركة إسرائيل في المباريات الدولية    دعاء يوم الجمعة وساعة الاستجابة.. اغتنم تلك الفترة    فريق قسطرة القلب ب«الإسماعيلية الطبي» يحصد المركز الأول في مؤتمر بألمانيا    تناولها أثناء الامتحانات.. 4 مشروبات تساعدك على الحفظ والتركيز    اندلاع حريق هائل داخل مخزن مراتب بالبدرشين    توخيل يعلن نهاية مشواره مع بايرن ميونخ    كولر: الترجي فريق كبير.. وهذا ردي على أن الأهلي المرشح الأكبر    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    ضبط سائق بالدقهلية استولى على 3 ملايين جنيه من مواطنين بدعوى توظيفها    ما هو الدين الذي تعهد طارق الشناوي بسداده عندما شعر بقرب نهايته؟    «المرض» يكتب النهاية في حياة المراسل أحمد نوير.. حزن رياضي وإعلامي    المفتي: "حياة كريمة" من خصوصيات مصر.. ويجوز التبرع لكل مؤسسة معتمدة من الدولة    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    آخر موعد لتلقي طلبات المنح دراسية لطلاب الثانوية العامة    قافلة دعوية مشتركة بين الأوقاف والإفتاء والأزهر الشريف بمساجد شمال سيناء    كوريا الشمالية ترد على تدريبات جارتها الجنوبية بصاروخ بالستي.. تجاه البحر الشرقي    كيف يمكنك حفظ اللحوم بشكل صحي مع اقتراب عيد الأضحى 2024؟    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    حركة فتح: نخشى أن يكون الميناء الأمريكي العائم منفذ لتهجير الفلسطينيين قسريا    تفاصيل حادث الفنان جلال الزكي وسبب انقلاب سيارته    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    بعد حادثة سيدة "التجمع".. تعرف على عقوبات محاولة الخطف والاغتصاب والتهديد بالقتل    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    محمد عبد الجليل: مباراة الأهلي والترجي ستكون مثل لعبة الشطرنج    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف بسمة الفيومي.. طريقة عمل الكرواسون المقلي    لا داع للقلق.. "المصل واللقاح" توجه رسالة عاجلة للمواطنين بشأن متحور FLiRT    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البكاء للأصلح بقلم | جميل مطر
نشر في وكالة أنباء أونا يوم 30 - 09 - 2015

لا تبكى، إنما البكاء للنساء». وبالفعل قضينا معظم العمر محرومين من نعمة البكاء. لم نفهم السبب ولكننا أخذنا بالنصيحة أو نفذنا التعليمات، وما زلت إلى يومنا هذا غير مقتنع بحكمة منع الرجال من ذرف الدموع أو النحيب عن البكاء.
***
سألت رجالا أعرفهم، لماذا لا تبكون؟ قال أحدهم لقد جف الدمع بعد أن ذرفت فى السر وبعيدا عن الأعين الكثير منه بسبب قسوة الفراق وصعوبات الحياة. قال آخر، أبكى أحيانا ولكن ليس فى حضرة نساء وأطفال. قال ثالث، أبكى فقط فى لحظة حب، لحظة واحدة لا أكثر ولا أطول. لم أفهم لماذا يخجلون من الاعتراف بأنهم يبكون كثيرا أو قليلا، رغم أننا نشاهد أحيانا زعماء وقادة عسكريين ورجال دولة يبكون علنا فى مناسبة أو أخرى؟ بعض هؤلاء يبكى سعيا وراء شعبية لدى الرأى العام، وبعض آخر يبكى استجابة لعاطفة تدفقت لم يفلح فى كبتها.
***
لبكاء الرجال تاريخ تروى الأساطير أن البكاء كان من شيم الأبطال. ففى إلياذة هوميروس وردت ثلاث مرات سير بكاء جيوش الإغريق، بل وسيرة الإله زيوس وهو يبكى وكانت دموعه قطرات دم. ومن الملاحم الشهيرة فى الشعر الفرنسى التى تحدثت عن بكاء الرجال أنشودة رولاند. وصفت الأنشودة بكاء القادة العسكريين وسقوط عشرين ألفا من الجنود مغمى عليهم وهم يبكون. كذلك كشفت كتب التراث اليابانى عن حقيقة أن البكاء كان من شيم الساموراى الأصيلة، حتى إنهم كانوا يتفاخرون بأكمام قمصانهم التى تقطر منها الدموع.
يحكى أيضا أن فرسان العصور الوسطى كانوا يبكون أمام ملوكهم وأمرائهم، بل وأن اللورد لانسلوت أشهر فرسان عصره كان يبكى أمام الملك ليصدر أمر اشتراكه فى المسابقات ومنازلة غيره من الفرسان. كان يبكى أيضا على كتف نبيلة أو أخرى لتضغط على الملك من أجل السماح له بالاشتراك فى المسابقات. قيل أيضا إن فرسان الملك آرثر كانوا يجهشون بالبكاء عند الاستماع إلى قصة عاطفية مؤثرة. يبدو من هذه الشهادات أن البكاء أمام الناس فى تلك العصور كان تعبيرا صادقا وأمينا عن الشعور. يبدو أيضا أنه كان يستدر الإعجاب والتقدير، ويضيف إلى شعبية الفرسان وقوتهم.
***
فى ثقافتنا، كما فى ثقافة الغرب المسيحية البكاء دليل إيمان. الآلهة فى الثقافة الغربية تبكى، كما كان يبكى زيوس وغيره من آلهة الإغريق، مذكرات القديس أوجاستين تشهد على بكائه. قديسون آخرون كانوا يحضون الرعايا على البكاء قبل النوم إلى أن يغرق الفراش والوسادات بالدموع. الدموع نفسها كانت من طقوس العبادة فى معظم الأديان القديمة والمعاصرة على حد سواء، وقد رأيناها منحوتة على وجوه عشرات التماثيل الفرعونية والبوذية والرومانية. وفى الثقافة الإسلامية، كانوا يشيدون بمن يبكى إلى الله ليلا ونهارا، يقول نابغة بنى شيبان فى وصف يزيد بن عبدالملك:
يقطع الليل آهة وانتحابا
وابتهالا لله.. أى ابتهال
تارة راكعا وطورا سجودا
ذا دموع تنهل أى انهلال
وله نحبة إذا قام بتلو
سورا بعد سورة الأنفال
ويقول تعالى فى كتابه: «ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا».
وإذا كان فى الشعر العربى ما يميزه عن شعر العالمين فهو البكاء انسجاما مع حياة الترحال المتواصل. كتب الشيخ التونسى الفاضل بن عاشور فى عام 1936 بالمجلة الزيتونية يقول: «كيف لا تقوى روح اللوعة ويسود سلطان البكاء فى حياة قوامها الترحل والغارة، وهى مجلبة لأعظم الأرزاء وأبلغ بواعث البكاء».
وتبدو الصلة وثيقة فى شعر البكاء عند العرب بين الترحال المتواصل والاطلال والعلاقات العاطفية، قال ذو الرمة:
هل الحب إلا زفرة بعد عبرة
وحر على الأحشاء ليس له برد
وفيض دموع العين يا مى كلما
بدا علم من أرضكم لم يكن يبدو
***
البكاء على الأطلال سمة عربية أصيلة. الأطلال فى حياتنا شاهد دائم على انكسارات سكان هذا الاقليم. أطلال أمتنا فى كل مكان. تاريخنا شواهده الأطلال قبل الأمجاد. ينشأ العربى بين أطلال ويعيش عمره يبكيها ويبكى على أمته وعلى نفسه. نراه لايزال يفعل الشىء نفسه فى سوريا والعراق وفلسطين وليبيا وتونس واليمن. واقع الحال يشهد على أن بكاء امرئ القيس لم يكن على طلل حبيبة راحلة، وإنما على طلل مملكة كندة المنهارة أمام عينيه. كان بكاؤه دعوة ليصبح الدمع حافزا للثأر.
***
قالوا فى الأدب إن الثقافة الإسلامية العربية تميل إلى التشاؤم، وهو ما يعبر عنه بأدب اليأس، حتى الغزل كان مشوبا بكثير من اليأس. أنكروا على الحب ديمومته فقالوا إن نعيم الحب حين يصبح جزءا من الماضى ينقلب إلى أسى يثير الأشجان ويراكم الأحزان ويبعث على البكاء تذكرا وأمنية بالعودة. انشد أبوالطيب:
أتراها لكثرة العشاق
تحسب الدمع خلقة فى المآقى
يقول شاعر آخر
تراه باكيا فى كل حين
مخافة فرقة أو لاشتياق
فيبكى أن نأوا شوقا إليهم
ويبكى أن دنوا خوف الفراق
فتسخن عينه عند التنائى
وتسخن عينه عند التلاقى
***
يحق السؤال: أما وأن الرجال كانوا يبكون، ومنهم الأبطال والملوك والعشاق والقديسون، فلماذا هم لا يبكون الآن كما كانوا يبكون فى الماضى.
أجاب توم لوتس فى «كتاب البكاء: التاريخ الطبيعى والثقافى للدموع» قائلا إن تراجع الرجال عن البكاء علانية بدأ فى القرن الثامن عشر والتاسع عشر مع زحف السكان من الريف إلى المدينة. البكاء كان ممكنا ومستحبا بين الأقرباء والأصحاب فى المجتمعات البدوية والريفية، ولكنه صار مستهجنا فى المدن، وبخاصة منذ أن حرمه أصحاب المصانع فى أوروبا الغربية حرصا على سلامة العمل وانضباط العمال.
****
الحرمان من البكاء خسارة كبيرة. هذا ما أكدته دراسة أجريت عام 2012. ثبت من الدراسة ان المحرومين من ذرف الدموع يعانون من صعوبات شديدة فى التعبير عن مشاعرهم وتعريف عواطفهم، فضلا عن عيوب أخرى كثيرة. فالحرمان من البكاء يهدد بأمراض نفسية مثل القلق والاضطرابات العصبية، وهو يحرم الإنسان من إحدى أهم وسائل التعبير عن الرأى والعاطفة. فضلا عن أنه يؤثر سلبا على غيره من الحريات، لأنه يضاعف من تأثير القيود المفروضة عليها. كاد يصبح مؤكدا من الناحية العلمية أن نسبة الانتحار بين الرجال أكبر لأنهم لا يبكون، وأقل بين النساء لأن بكاءهن يجلب لهن التعاطف والانقاذ. لوحظ أيضا ان نسبة المدمنين من الرجال أكبر كثيرا من نسبة المدمنات، وقد يكمن السبب فى الحرمان من البكاء.
***
أدعو لحملة توعية بين الرجال ليبكوا إن ألحت عليهم رغبة البكاء، ولحملة بين المواطنين جميعا بأن لا يسخروا من رجل لا يبخل بدموعه مشاركة منه فى تخفيف ألم غيره أو تعبيرا عن عاطفة تجاه شخص آخر. أدعو المسئولين عن إصلاح منظمة التعليم إلى وضع برامج تعيد للبكاء مكانته بين شيم الشجعان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.