الجماعة و سلم الصعود ..من بزوغ يغشى الابصار الي غروب دائم ابدأ من العنوان الذي يتفق مع المثل الشعبي المصري ” الجواب بيبان من عنوانه ” الا انني لا اصب جام غضبي على جماعة الاخوان المسلمين كقائد لتيار الاسلام السياسي في مصر ولا بوصفها تنظيما دوليا يشمل في هيكله حوالي 80 تنظيما فرعيا في 80 دولة حول العالم يدينون بالولاء التام لفكر الجماعة و انتمائهم الاساسي للتنظيم لا الاوطان و قد يكون هذا ما اضفى عليها شيئا من التراص و الرصانة القشريين .. و هو ما يريد ان يطرحه الكاتب و الابتعاد عن محلية الطرح و لكن الذهاب لاقليميته او حتى تدويله فمنذ التاسيس في عام 1928 على يد حسن البنا استاذ اللغة العربية و حتى اغتيال النقراشي رئيس الحكومة انذاك في مصر و القاضي الخازندار و تفجير مكتب النائب العام في نفس السنة كانت قد مرت عاى الجماعة حوالي 20 عاما من الاصرار على ان فكرها الدعوي بالاساس و الذي يدفع المجتمع المحيط للانتهاج بسلوك الاسلام بل ان الكلمة المستخدمة في ادبيات حسن البنا اذا اردنا تحري الدقة فهي” سلوك المسلم ” و هنا تبرز اشكاليتين مركزيتين في فكر الجماعة و هما : 1- نظرة الجماعة لما اسمته ” المجتمح المحيط” و هو ما يبتعد عن كونها تنظر لمصر بوصفها وطن ننتمي له بل ان الجماعة لديها نظرة اممية تتخطى فكرة الاوطان و بالتالي تكرس لرفض فكرة الانتماء الوطني و لكن الانتماء الفكري في اطار اكثر توسعا و شمولية . 2- رؤية الجماعة للمجتمع المحيط بنظرة طاردة لمن هو دون المسلم ” سلوك المسلم” و كأنها لا ترى في المجتمعات المحيطة ابناء الديانات الاخرى او حتى اللا دينيين و كأنها ترى انه على اي طرف آخر ان يعتنق الدين الاسلامي ليتحلى بسلوكه القويم اما من هو دون ذلك فلن يصبح مؤهلا ل ” سلوك المسلم ” بما يشي بانها لا ترى في الآخرين من هو اهل للبقاء داخل داخل دائة الضوء السياسي او السلطوي ان اردنا الدقة طبقا للفكر العام الغالب عليه داخليا بين الاقصاء و الاستقطاب الطائفي كما رسخه البنا في ادبيات الجماعة عند التأسيس رغم المحولات الحثيثة على التأكيد الظاهري على انها جماعة اصلاحية في المجتمع او محاولات مخلصين من احد مرشديها ( عمر التلمساني ) و لكن غلب هذا الفكر الاقصائي و رفضهم النسيج المجتمعي الذي يجب ان ينبني على التعددية و قبول الافكار حتى ان الجماعة مرت بتأسيس التنظيم السري في عهد البنا للكفاح ضد الاحتلال لنجدها تذهب الي استخدام العنف مع المخالفين لها لمجرد اعتراضها على سياسة معينة او عدم قبولها لحكم قضائي كم حدث في منتصف القرن الماضي بل ذهبت في خلال تاريخها الغير قصير الى انكار الواقع و التعتيم على الحقيقة حيث بدأ الامر من عند البنا انكاره معرفته بقاتل الخازندار بالرغم من انه كان مساعده الشخصي ويجد المتابع ان الجماعة او قائد سرب تيار الاسلام السياسي تعاني منذ النصف الاول للقرن العشرين من انقسام فكري اصيل متمثلا في الصراع بين ادبيات البنا و افكار سيد قطب و هو ما يستمر حتى لحظة كتابة المقال كما نراه في صراع اقوى بين تيار يحاول ان يقترب من الافكار المدنية الخاصة بدور المرأة و العلاقة مع المسيحيين بقيادة ابو الفتوح و العريان و تيار آخر يتبى في اساسه رجعية فكرية و بناء ايدولوجي شديد اليمينية بقيادة الشاطر و مالك ..الا ان الجماعة التي تأسست منذ 84 عاما مرورا بكل هذه الخلافات الداخلية و الصارع النوعي على السلطة و تطوير الخطاب السياسي نجدها قد استطاعت تكوين روافدها 80 مختلف انحاء العالم تحت سيطرة المرشد العام المصري,لكن فيما يبدو ان البراجماتية السياسية التي تشكل الوجدان العام لاعضاء الجماعة حالت دون الوصول الي تطور سبقتها فهي بعض هذه الروافد في تونس و المغرب حيث حرص الرافد التونسي على اضفاء مسحة تقدمية على مساره السياسي بعد وصولهم للحكم عقب الثورة فأتى برئيس من اليسار او كما جرى في المغرب حين انفصلت الجماعة عن حزبها لتتفرغ لدورها الدعوي و تترك للحزب اعباء السياسة الا انها لم تنجح على سبيل المثال في التجربة الفلسطينية “حماس” و هو ما اعادت انتاجه الجماعة المصرية حيث ظن كلاهما ان صناديق الانتخابات حتى و ان كانت حرة و نزيهة ( حماس 2006 ) و ( الجماعة 2011 ) بصرف النظر عن شكل التعاطي مع المشكلات و طريقة الاداء السياسي و هو الامر الذي زاد من عزلة حماس بعد عزلها و مقاطعتها من الولاياتالمتحدة و الاتحاد الاوروبي و بعودة الي ماض قريب فلم تكن الجماعة هي الداعية للاحتجاجات في يناير 2011 بل كان موقفها الرسمي هو عدم المشاركة حتى، الا انه ظهرت بعض وجوه الصف الاول و الثاني من ابناء الجماعة في مسيرات و لا نستطيع انكار مشاركتها فيما بعد و ان كانت متأخرة بعض الشيئ , يحث كانت قد لملمت شتات امرها للبدأ في الدخول الى معركتها السياسية الاشرس و الاهم في تاريخها السياسي بعد خلع ” محمد حسني مبارك” فبدأت في محاولة الوصول الي المقاعد السلطوية في مصر منطلقة من بعد ظاهره اجتماعي و ادواته دينية محضة، و باصرارعلى حرق القوى المدنية في الشارع متناسية او جاهلة بأن المحرك الرئيسي للثورات ليس الفقر ، فالفقر المطلق وحده نادرا ما ادى الي ثورات جماعية في التاريخ و محاولات تسكينه او علاجه سطحيا ليست هي ما تسمح لنظم قمعية بالاستمرار , فمعاناة الشعوب الحقيقية تبدأ عندما : تتسع الفوارق في الدخل و الثروة . تضطر الحكومات للتضحية بمصالح شعوبها لارضاء قوى دولية تضمن لها الحكم ( اميركا و اسرائيل – في الحالة المصرية ) . تقمع الحريات العامة ( المتوازنة) التي اصطلح عليها المجتمع في نسيجه العام . يتم الاستئثار بالسلطات . تتصاعد الاتهامات بالفساد و الحسوبية . و قد سارعت الجماعة بتحقيق الاسباب الخمس السابقة في توقيت قياسي من حيث قصره فلا هي عملت على تقليل الفوارق في الدخول رغم اغلبيتها البرلمانية و راحت بشراسة في استئثارها بالسلطة التشريعية و محاولات للاستئثار بالسلطة التنفيذية كما قامت بقمع اصوات المعارضة و تشويه صورتها شعبيا و بدأت بالسماح لافكار و تيارات تعمل على قمع الحريات العامة (المتوازنة) التي اصطلح عليها المجتمع في نسيجه العام كما اجتهدت في تفصيل قوانين و تشريعات لخدمة اهدافها السلطوية و حتى المالية و انتهجت طريق الفساد و المحسوبية ثم فعلت ما فعله سلفها النظام المخلوع من تقارب مع الولاياتالمتحدة لضمان استمرارهم في السلطة لاطول وقت و هو ما كان واضحا من خلال اجتمعات الشاطر بجون ماكين و خلق تفاهمات ادت لخفوت صوت الجماعة فيما يختص بالعلاقة بين مصر و اسرائيل , و عدم الترويج للدور القيادي المصري في الاقليم و هو ما لم تستحسنه الدوائر السياسية المدنية من جهة ولا الحكم العسكري الحالي للبلاد و الذي يرى ان الجمع تحاول اختطاف هذه العلاقة منه و التي يراها استراتيجية طبقا لما قاله اللواء العصار في اجتماعه الصيف الماضاي مع اعضاء غرفة التجارة الامريكية في فندق كونراد بصرف النظر عما اذا كان هذا هو المطلوب شعبيا او لاجل الصالح الوطني من عدمه . يرى الكثيرين من داخل و خارج الجماعة انها تصعد على سلم الارتقاء السياسي بمنتهى السرعة لتقدم نموذجا اسلاميا في الحكم و الادارة السياسية يضاف الى الموجود على الساحة الاقليمية كما حدث مع الثورة الاسلامية في ايران 1979 ،الا انه غاب عنهم 3 امور اولا: كانت الثورة الاسلامية في ايران – كما هو واضح من اسمها – ثورة جهز لها و قام بها تيار اسلام سياسي ايراني بشكل محض و ان تنوعت طوائفه مع جاهزية نوعية داخل الشارع الايراني لقبولها و رفض الشاه و هو ما لم يحدث في مصر بأي حال من الاحوال بل لقد كانت الجماعة خلال ال 20 عاما السابقة على ثورة يناير 2011 في حالة مستمرة من عقد الصفقات من الاجهزة الامنية للنظام المخلوع كا اكد اثنين من قياداتها السابقين ( د محمد حبيب نائب المرشد العام السابق ) و ( اسلام لطفي احد ابراز القيادات الشبابية في الجماعة سابقا و مؤسس حزب التيار المصري حاليا ) من خلال العديد من المناقشات بل و تصريحات علنية في برامج على الفضائيات المصرية ثانيا : في ايران كان الخميني يعتبر منفردا قائدا عاما للثورة نظرا لمؤهلاته الدينية (طبقا لمنظورهم) و تضحياته و نكرانه الذات في صراعه مع الشاه لما يقرب من 20 عاما سواء داخل البلاد او في المنفى و كانت رؤيته واضحة بجلاء للنضال و التغيير التي اتسمت بالطابع الديني في الاساس بدون اي مواربة كما تفعل الجماعة كما كان في المشهد مجموعة من رجال الدين البارزين في نفس المشهد مثل آية الله طالقاني و آية الله مطهري لاعطاء هذه الثورة صفة من القداسة و الروح الجهادية في و جه حكم الشاه و هو الامر الغير موجود لدى الاخوان ليلعبو نفس الدور في الثورة المصرية ثالثا : المشروع الوطني او القومي الذي ظهر لدى ايران من خلال الحرب العراقية الايرانية 1980 – 1988 و التي قادها صدام حسين بمرأى و مسمع من بريطانيا و اميركا و فرنسا بل و بموافقتهم مما اعطى القدرة للخميني – الذي كان مؤهلا- على تشكيل ايران بعد الثورة في قالب ديني معين و حتى تشديد قبضته على شعبه و اختراع الفزاعات الشبحية مثل ( المؤامرة الامبريالية) و (الشيطان الاكبر ) و هو ما يغيب تماما عن الحالة المصرية و التي لم يستطع الاخوان او لم يفكروا حتى في خلق مشروع تتحد عليه الجموع . وهنا قد تبرز بعض التساؤلات حول المشروع القومي الاقليمي للاخوان كمتصدرين للمشهد السياسي المصري حاليا و التي طرحها المفكر الماليزي المعروف ” شاندرا مظفر ” : هل سيصر الاخوان على موقف مبدئي لتحرير الاراضي الفلسطينية و العربية، هل ستعارض بوضوح لا شية فيه مواقف اسرائيل الشائنة في المنطقة ؟ هل سيعلي الاخوان شرف و كرامة المضطهدين و ضحايا العدوان في العراق فوق مصالحهم مع النخب الامريكية و البريطانية و الاسرائيلية ؟ او على الصعيد الداخلي المباشر في مصر ، هل يتقدمون بمرشح رئاسي يجسد تطلعات الشعب و نضاله من اجل الحرية و العدالة و ايضا يسعى لتحرير مصر من الفجوة الاقتصادية الهائلة بين من يملكون و من لا يملكون ؟ تمر مصر بمرحلة شديدة الحرج في تاريخها السياسي بعد ثورة 2011 بل تعد مرحلة مفصلية لتعويض خسائر بعض القوى ان اخلصت الفعل بل و تحقيق مكاسب اضافية و اعني هنا القوى المدنية الغير منتمية لتيار الاسلام السياسي و نفس المرحلة قد تشهد تواري حقيقي لتيار الاسلام السياسي من المشهد السياسي المصري و على رأسه جماعة الاخوان المسلمين فبعد سلم صعود سريع وبزوغ يغشى البصار يذهبون الي غروب دائم