فجأة وبدون مقدمات، أعلن د. محمود محيى الدين النائب الأول لرئيس البنك الدولى استقالته من منصبه، والحجة المعلنة..أنه مرشح لمنصب دولى رفيع! ولكن كل من يعرف د. محمود عن قرب لم يقتنع بما أعلنه، وذلك لأسباب موضوعية وأخرى شخصية، فالمناصب الدولية الرفيعة والتى يمكن أن تكون أفضل من منصبه الحالى تتركز فى ثلاثة فقط، وهى:أمين عام الأممالمتحدة، ورئاسة البنك الدولى أو صندوق النقد. ولا أعتقد أن د. محمود لديه فرصة لتولى أيًا منها!.. لأن المناصب الدولية الثلاث يغلب عليها الطابع السياسى، والأول يتم بالانتخاب من الدول الأعضاء فى الأممالمتحدة ويخضع لدورية تمثيل قارات العالم الست، وقد حصلت إفريقيا على فرصها من خلال المرحوم د. بطرس غالى. والثانى وهو رئاسة البنك الدولى.. جرى العرف على أن يكون أمريكيًا، أما الثالث وهو رئاسة صندوق النقد فقد خصص للمجموعة الأوروبية بالتناوب. وقد لا يعلم البعض أن د. محمود التحق بالبنك الدولى فى أكتوبر 2010 وينتهى تجديده الثالث فى أكتوبر 2020 فلماذا أخطر رئيس البنك بأنه سوف يترك منصبه الحالى فى البنك فى 10 يناير المقبل؟ خاصة أنه كان فى صبيحة يوم إعلان الاستقالة المفاجئة فى ندوة عامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، واتسم حديثه بها بالتفاؤل والمرح والروح المعنوية المرتفعة، فضلًا عن إعلانه عن أجندة لقاءات دولية لاحقة سوف يشارك فيها بصفته الحالية كنائب أول لرئيس البنك الدولى! لقد علمت أنه التقى بعدد من المسئولين المصريين ختمها بلقاء «خشن» مع قيادة اقتصادية وربما ما دار فى هذا اللقاء كان سببًا فى إعلانه تلك الاستقالة المفاجئة.. والله أعلم. وقد لا يعلم البعض أن شغل أى من المناصب الدولية – مثل المنصب الحالى للدكتور محمود – لا يتم إلا بعد استئذان أو موافقة الدول التى ينتمى إليه المرشح للمنصب، وهو ما حدث فى أكتوبر 2010 عندما حصل د. محمود على موافقة الرئيس مبارك على ترشيحه لمنصب مدير فى البنك الدولى ، وهو ما جرى أيضًا بعد أربع سنوات، حيث حصل على موافقة المشير طنطاوى للاستمرار فى البنك الدولى لدورة جديدة مدتها أربع سنوات، وهو ما حدث للمرة الثالثة حيث وافقت مصر على استمراره لدورة ثالثة تنتهى فى أكتوبر 2020. وبالطبع من حق د. محمود أن يختار الاستمرار فى البنك الدولى من عدمه، ولكن أعتقد أنه كان واجبًا عليه أن يستمر حتى انتهاء مدته الحالية، فتلك المناصب الدولية ليس من السهل الحصول عليها، ويكفى الإشارة إلى أنه لم يتولى هذا المنصب شخصية مصرية بعد المرحود د. إبراهيم شحاته نائب رئيس البنك الأسبق إلا بعد عشرين عامًا من وفاته! وأعتقد أن الشعب المصرى كان فخورًا – ومايزال – أن عددًا من المصريين تولى مناصب رفيعه فى هاتين المؤسستين الدوليتين ومنهم المرحوم د. عبد الشكور شعلان، والاقتصادى العالمى د. محمد العريان اللذان تولى كل منهما مناصب قيادية فى صندوق النقد، وكذلك السفير ووزير الخارجية الأسبق د. محمد كامل عمرو والذى كان عضوًا بمجلس إدارة البنك الدولى، كما أخشى أن نفقد المنصب الحالى الذى يتولاه د. حازم الببلاوى كممثل لمصر والدول العربية بمجلس إدارة صندوق النقد. إننى أعتب على د. محمود محيى الدين فى تسرعه بتقديم استقالته من منصبه الحالى من منطلق مصريتى ولصداقتى الطويلة معه، وذلك رغم اختلافى مع بعض توجهاته وخاصة عندما كان يتولى منصب وزير الاستثمار المصرى فى الفترة من 2004 وحتى 2010. ولكنى أشهد أنه صاحب رؤية واضحة وترك بصمات ملحوظة فى كل منصب تولاه، بداية من اشتغاله بالعمل العام كمستشار فى وزارة التعاون الدولى عام 1995، وخبيرًا بالمركز المصرى للدراسات الاقتصادية، ثم مستشارًا لمنظمة الأونكتاد التابعة للأمم المتحدة، ثم مستشارًا لوزير الاقتصاد والتجارة الخارجية. وقد لا يعلم البعض أن د. محمود حاصل على الدكتوراة فى اقتصاديات التمويل وكان أستاذًا بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وله العديد من الأبحاث والدراسات الاقتصادية وترجم كتابين مهمين وهما «أوروبا – تاريخ وجيز لمؤلفه جون هيرست»، ونصف العالم الآسيوى الجديد لنائب وزير خارجية سنغافورة الأسبق. وأعتقد أن خلفية د. محمود محيى الدين العلمية والعائلية كانت سببًا فى تدرجه السريع فى وظائف البنك الدولى، حيث بدأ مديرًا بالبنك، ثم أمينًا عامًا، ثم سكرتيرًا للجنة التنمية الدولية، ثم نائبًا أول لرئيس البنك ومشرفًا على إدارات التنمية البشرية والتنمية المستدامة وبرامج الحد من الفقر، مع اشرافه على مكاتب البنك الدولى فى كل من واشنطن ونيويورك وجنيف. ومن ثم فالخسارة كبيرة لمصر وليس للدكتور محمود وحده والذى لم يتجاوز عمره الخامسة والخمسين، واعتقد أنه يجب الاستفادة من خبراته على المستوى المحلى!