وضع الله الرحمة فى قلوب عباده من أجل أن يتعاطفوا ويتراحموا مع بعضهم البعض، فالغنى يساعد الفقير والقادر يساعد المحتاج، ولاشك أن شهر رمضان الكريم هو الفرصة الأكبر لتحقيق كل معانى الخير والبر، فالإنسان يميل بفطرته السليمة إلى حب الخير وتقديم المساعدة ويد العون للآخرين، كما جاء فى قوله تعالى: «أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ» المؤمنون 61. فالمؤمنون يسارعون فى فعلهم للأعمال الصالحة برغبة صادقة. والآيات كثيرة فى فضل الإنفاق فى وجوه الخير والصدقة فجاء فى قوله تعالى: «لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ» البقرة 148. وقد أوجب الشرع الزكاة فى مال الأغنياء للفقراء والمحتاجين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب، والغارمين، وفى سبيل الله وابن السبيل وهناك تلازم وثيق بين الصيام فى رمضان والإنفاق والصدقة. فيروى ابن عباس رضى الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون فى رمضان، أى يزداد جودًا إلى جود وكرمًا إلى كرم، وعطاءً إلى عطاء. فشهر رمضان هو شهر البر والإحسان، والإنفاق ليس بالكثرة ولا بالقلة، وإنما بما يعنيه الإنفاق منه معانى المحبة والمودة والتراحم والمواساة والتواصل والتكافل. وإذا كان العطاء والصدقة لله، فيجب أن تكون بنية خالصة. والصدقة إذا أُطلقت فى الكتاب والسُنّة فالمقصود بها الزكاة المفروضة والنافلة، فقوله صلى الله عليه وسلم: «فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم». وقوله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ» التوبة 60، بمعنى الزكاة، وفوائد الصدقة كثيرة، أولها البركة وزيادة فى المال، ونماء فى الدنيا والآخرة. فقال صلى الله عليه وسلم: «ما نقص مال من صدقة». وهى أيضا سبب فى رفع البلاء «اتقوا النار ولو بشق تمرة»، وفى حديث آخر «صنائع المعروف تقى مصارع السوء». كما أنها علاج للأمراض «داووا مرضاكم بالصدقة»، وبسببها ننال رحمه الله تعالى: «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ» الأعراف 156. وثواب فعل الخير يزداد فى بعض الأوقات المباركة وأجره أعظم منه فى غيرها، فالعمل الخيرى فى رمضان ليس كالعمل فى سواه، فعمل الخير فى رمضان أعظم أجرًا حيث تكون النفوس أكثر إقبالاً على الخير. والمعروف هو جملة أفعال الخير التى أمر بها الله، سواء كان هذا الخير مالاً كالصدقة والإطعام وسداد الديون، أو عملاً كالإصلاح بين المتخاصمين وعيادة المرضى أو قضاء حوائح الناس. وإذا كان عمل الخير يرفع من درجات المسلم ويقربه من الله، فإن عمل الخير يجعل فاعله يكسب قلوب الناس ومحبتهم.. فعمل الخير والمعروف يغرس قيم المحبة والتكافل بين الناس ويقوى الروابط فى المجتمع. ولا أدرى لماذا يضيق البعض من كثرة المؤسسات أو الجمعيات الخيرية التى تدعو الناس للبذل والعطاء؟! رغم أنها ظاهرة صحية ودليل على صحوة المجتمع وقيامه بواجباته تجاه الفقراء وبخاصة فى رمضان. وللأسف فإن كثيرًا من الناس لا يشعر بأنه بخيل، بل يظن نفسه كريمًا، لكنه إذا راجع نفسه سيشعر بأنواع النعم التى أنعم بها الله عليه، وعليه أن يتذكر دائمًا قول الله تعالى: «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ» الحشر 9. إن أعمال الخير تعمل على تنقية النفس من البُخل والأنانية، وتعزز قيم البذل والعطاء. وهناك كثير من العباد – ندعو الله أن نكون منهم – سيفاجئون بجبال من الحسنات، فيتساءلوا من أين جاءت؟ إنها من الصدقة التى وضعوها يومًا بإخلاص وصدق فى يد مسكين أو فقير ونسوها لكن الله لا ينسى.. ولنتذكر قوله تعالى: «وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ» النمل 75، فالإنفاق فى سبيل الله منزلة من منازل الإيمان، وبخاصة فى الشهر الكريم الذى تتضاعف فيه الحسنات، وباب عظيم من أبواب الصلة والإحسان، ووسيلة لنيل رضا الرحمن والفوز بالجنة: «مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» البقرة 261. والصدقة فى شهر رمضان شأنها أعظم ولها ميزة عن غيرها لمضاعفة أجر العامل فى الشهر الكريم، ولأنها تكون إعانة للصائمين المحتاجين على طاعاتهم، فمن فطر صائمًا كان له مثل أجره، ولأن الله يجود على عباده فى هذا الشهر بالرحمة والمغفرة، فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل. وإذا وقع فى الصوم نقص أو خلل، جاءت الصدقة لتجبر هذا النقص، فهناك علاقة بين الصيام والصدقة، فالجمع بينهما من موجبات الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن فى الجنة غرفًا، يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن آلان الكلام، وأطعم الطعام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس ينام». وقد وصف الله عباده الذين ينفقون بالليل والنهار بأنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، قال تعالى: «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» البقرة 274. وقال تعالى: «وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ» سبأ 39. فالله هو الخلف فيبارك للمنفقين فى أموالهم ويضاعفها لهم، وإن كانت تمرة فتربو فى كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، وحين سئل النبى صلى الله عليه وسلم أى الصدقة أفضل فقال صدقة فى رمضان. مما يدل على فضل التصدق فى رمضان فى مختلف أوجه البر والخيرات، ولعظم الصدقة وجزيل أجرها فقد وضع الله سبحانه لأصحابها بابًا فى الجنة لا يدخل منه إلا أهل الصدقة، كما أخبر عن ذلك النبى صلى الله عليه وسلم: «ومن كان من أهل الصدقة دُعى من باب الصدقة»، عسى الله أن يجعلنا من أهل الصدقة. يا أهل الخير.. سارعوا فى شهر الصيام بفعل الخيرات، ادخلوا البهجة لبيوت الفقراء، أنفقوا من مال الله الذى جعلكم مستخلفين فيه سعيًا للفوز برضا الرحمن الذى وسع عليكم من رزقه، ساهموا فى التخفيف من آلام المساكين قدر استطاعتكم، كونوا من الرحماء الذين يرحمهم الرحمن. وأختتم الكلام بقوله تعالى: «وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» البقرة 110.