خلال مناسبات عديدة تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسى عن الإعلام، فذكر أن الإعلام فى الخارج قاصدًا وبعض الإعلام فى الداخل من غير قصد يمكن أن يتم استخدامهما فى الحرب ضد مصر. وفى مناسبة ثانية طالب الإعلام ببث رسائل أمل فى نفوس المواطنين وتحقيق الاصطفاف الوطنى، كما طالب وسائل الإعلام بتوخى الحذر، وأن يضعوا دائمًا نصب أعينهم المصلحة الوطنية. من الواضح أن أداء وسائل الإعلام فى تناول كثير من القضايا غير مرض للرئيس، وهو ما دعاه فى عدة خطابات للحديث عن مدى غضبه من بعض الوسائل الإعلامية، وتوجيه رسائل يطالب فيها الإعلام بتحرى الموضوعية فى نقل الأخبار، وعدم المساهمة فى تفخيم المشكلات عند تناول القضايا. وكلنا نشاهد ونقرأ كوارث إعلامية حتى أصبحت خطايا الإعلام تؤرق المواطن قبل الدولة. الرئيس السيسى متابع دقيق لملف الإعلام، ويولى اهتمامًا كبيرًا بملف الصحافة والإعلام، حتى وإن كان ذلك يظهر أحيانًا فى صورة عتاب من الرئيس، لأن الرئيس يعى جيدًا قوة الإعلام وأهميته ومدى تأثيره. وقد انفرد الإعلام بصدور قانونين لتنظيم مؤسساته خلال أقل من عامين.. الأول كان القانون 92 لسنة 2016 الخاص بالتنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام، والثانى قانون 180 لسنة 2018 لتنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. القانون الجديد نص على إلغاء القانون 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة، والقانون 92 لسنة 2016. وهناك بالفعل ملاحظات عديدة على الأداء الإعلامى منها عدم إجادة الرد على من يوجهون الانتقادات للمؤسسات الرسمية. وعدم النجاح فى تقديم الإنجازات التى تحققت على أرض مصر للرأى العام بالصورة اللائقة، فهناك قطاعات كبيرة من الشعب لا تدرى عن الحجم الحقيقى لهذه الإنجازات والمشروعات القومية شيئًا، وكان من الضرورى شرح وتقديم ذلك للمواطنين، وشرح ما يدور على الساحة الداخلية، وذلك من خلال التحليل الجيد لقضايا الوطن وتعريف المواطن بأسبابها وأسلوب التعامل معها، وهناك ملاحظات أخرى تتعلق بإفساد أذواق الناس وتشويه سلوكياتهم بالحوار الهابط والمسلسلات الرديئة وأفلام العنف والبلطجة والقتل والمخدرات.. هذه النماذج الإعلامية الساقطة فى السلوك والأخلاق أصبحت تهدد رصيدًا حضاريًا عاش عليه المصريون سنوات طويلة، كانوا خلالها صورة للتلاحم والرحمة والشهامة والنخوة. ولا ننسى البرامج التى تروج لفتاوى الجن والعفاريت والأبراج وكل مظاهر التخلف التى تسهم فى نشرها بعض وسائل الإعلام، وبرامج وقنوات متخصصة فى الطعام معظم ما تقدمه أطعمة فاخرة غالية لا يقدر على شرائها معظم الناس، فيكتفون بالمشاهدة التى تخلق لديهم نوعًا من الاستفزاز وكراهية الآخر، وهو نوع آخر من الإعلام الفاشل. فمن المفترض بالطبع أن تعبر وسائل الإعلام عن المجتمع وتمثله تمثيلاً حقيقيًا، فهى صوت الشعب وهى صوت من لا صوت له، فتكون مرآة تعكس صورة المجتمع وقيمه الأصيلة وآرائه وأفكاره وعاداته وتقاليده. وتعبر عن هموم المواطن وطموحه وآلامه وآماله بصدق، وهذا الأمر يعتبر صمام الأمان للإعلام كى يحظى بالمصداقية ويكتسب ثقة المواطن. إن بناء الدولة اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا يتطلب الاستعانة بمختلف وسائل الإعلام، بل إن مشروعات التنمية لا يمكن أن تنجح إلا بمشاركة الشعب وهو أمر لا يتحقق إلا عن طريق الإعلام، فالإعلام ركيزة أساسية فى بناء الدولة ويعتبر من مقومات ورموز السيادة الوطنية، ولابد من تفعيل أدائه لترسيخ الثوابت الوطنية فى الدولة ولدى المواطنين. ويسهم الإعلام عن طريق التغطية الإعلامية الواعية والمتميزة فى تحصين وعى المواطن ضد أى غزو إعلامى أو فكرى، والإعلام باعتباره أحد مكونات التنوير، فهو المسئول بدرجة كبيرة عن بناء الوعى أو هدمه، وكلنا نعلم مقولة جوبلز وزير دعاية هتلر: «أعطنى إعلامًا بلا ضمير أعطيك أمة بلا وعى». وهى مقولة صحيحة ترجمت واقعًا أثر فى الأداء الإعلامى فى العالم كله طوال عقود أعقبت الحرب العالمية الثانية. وكان النموذج المقاوم لفكر جوبلز أن يصبح الإعلامى المهنى الصادق الملتزم بأخلاق وضمير وقيم مهنته من يضع اللبنة الأولى فى صرح وعى الأمة، خاصة أننا نتعرض لحرب من الخارج هدفها تدمير وإسقاط الدولة، ومحاولة استقطاب الرأى العام فى الداخل وتوجيهه نحو الوجهة التى يريدها أهل الشر. وقد أشار الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال الندوة التثقيفية 29 التى نظمتها إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة إلى وسائل الإعلام ودورها فى تشكيل الوعى لدى المواطن، قائلاً: «لو سمحتم احشدوا للفهم والوعى هى دى القضية، والفرق بين الإيمان وعدم الإيمان هو التأسيس على فهم حقيقى للقضية، واللى فهم كويس قام، واللى كان مشوش لأى أسباب أخرى فى وقته لم يقم». ودعوة الرئيس شديدة الأهمية، لكونها جاءت فى وقت تحاول فيه «وسائل التواصل الاجتماعى» اختراق وعى المواطن بشكل يومى وبث سمومها من خلال نشر الأخبار المغلوطة والشائعات، وهى دعوة مباشرة للمؤسسات الإعلامية لتطوير المحتوى الإعلامى، بحيث يكون قادرًا على مخاطبة الجماهير بما يحدث بشكل دقيق ومستمر وبشكل يركز على الواقع انطلاقًا من استيعاب الرأى العام للظروف والتحديات التى تواجه الوطن. إن المعركة الحالية غاية فى الخطورة وتحتاج من الجميع أن يدرك ويعى حجم التهديدات التى تواجهها مصر.. فهى معركة أساسها العقول والعدو فيها غير ظاهر ولا يعرف الشرف ولا يؤمن بالوطن، هى معركة تعتمد على تزييف الوعى واللعب بالكلمات وقلب الحقائق. وسلاحنا فى تلك المعركة يعتمد على زيادة الوعى وتحصينه بالحقائق، فالإعلام الواعى درعنا الأول فى معركة المصير، ويجب أن يكون مدركًا لخطورة دوره فى الدفاع عن الوطن برفع درجة وعى المواطن، إن تشكيل وعى المواطنين مهمة صعبة، ووسائل الإعلام فى حاجة إلى تفعيل دورها الوطنى، والتركيز على التثقيف والتوعية والتطوير فى المحتوى الإعلامى والصحفى وعرض الحقائق والمكاشفة، وتوجيه المجتمع نحو الأنفع والأصلح للوطن، إن هناك ضرورة قصوى لإصلاح الإعلام بكل وسائله ليكون منبرًا إيجابيًا، يركز على ما هو ناجح ويبرزه ولا يضخم الفشل، ولا يكون أداة لنشر اليأس والإحباط بين الناس. ويجب أن يقود الإعلام أشخاص قادرون على تحقيق هذه الأهداف ولديهم رؤية حقيقية ووعى بدور الإعلام فى المجتمع وواجباته نحو الوطن.