كثير من الناس لا يراعون حرمة الكبير ولا يعطفون على الصغير مع أن الإسلام يحثنا على توقير الكبير والعطف على الصغير والنبى ? قال: "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويعطف على صغيرنا "وحول ذلك كان هذا التحقيق.يقول د. اسامة رضوان المدرس بكلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر القاهرة:- إن احترام الكبير وعدم إهانته من الآداب التى يَحُثُّ عليها الإسلام فى معاملة الناس بعضهم لبعض، ولكى تقوى المودَّةُ بينهم لا بد أن يحترم الصغيرُ الكبيرَ، وأن يعطف الكبيرُ على الصغير، لهذا قال النبى ?:(ليس منا من لم يجلَّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه). الرسول-? - يدعونا إلى مثل هذه الأخلاق الحميدة، فيُبيِّن أن كل شاب يُكرم شيخًا ضعيفًا لسِنِّهِ وشيخوخته، فالله - سبحانه وتعالى - يردُّه إليه، فيهيئ له من يُكرمه إذا كَبِرَت سِنّه. والإكرامُ ألوانه كثيرة وصورُه مختلفة، فإذا كنتِ جالسًا فى مكان مُزدحم، ورأيتَ عجوزًا واقفًا فقم من مكانك لتجلسه فيه، أو شاهدتِ امرأةً كبيرةً تحمل حملًا ثقيلًا فساعدتها على حمله، أو عاونتها على ركوب سيارة عامة، أو عبور طريقً عام مزدحم، كان كل ذلك - إن فعلته إكرامًا لهؤلاء الكبار - موضع الثواب عند الله عز وجل. وهذا الحديث النبوى الشريف يدعونا بصفة عامة إلى إكرام ومساعدة من هو أكبر منا سنًا، ولو لم يكن شيخًا، بجانب ذلك فإن هذا الحديث يدعو احترام الكبير وتقديره وعدم إهانته كما يدعونا إلى العطف على الصغير والرحمة به ومعاملته برفق وإحسان ومن مظاهر هذا العطف بأن يبتسم له ويفرح بلقائه، ولا ينهره ولا يقسو عليه، وأن يوجهه وينصحه فى لين، ويمنحه خبرته وتجاربه وعلمه فى عطف، مثل هذه المعاملة بين الصغير والكبير توجد بينهما المودة، وتربطهما برباط الحب فلا نفور ولا كراهية. ومن ثمرات احترام الكبير:- أن الذى يحترم الكبار يحبه الله –عزوجل- ويجعله محبوبًا عند الناس؛ فالرسول- ? قال:- (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبير) وأوضح نموذج على ذلك تلك القصة الرائعة التى دخل الحسن والحسين ليتوضئا وأثناء الوضوء رأى رجلًا كبيرًا لا يحسن الوضوء، ففكرا كيف يعلمانه الوضوء الصحيح من غير أن يؤذياه ويحرجانه، فقال الحسن وهو الأكبر ياعماه لقد اختلفت أنا وأخى الحسين على الوضوء ونريد أن تحكم بيننا فقبل الرجل الكبير فتوضأ الحسين فأحسن الوضوء ثم توضأ الحسن فأحسن الوضوء، فأدرك الرجل أنه هو الذى لا يحسن الوضوء فشكر لهما نصحهما الجميل وأدبهما معه وتعلم منهما الوضوء الصحيح ودعا لهما. نحن نعيش حياتنا بين أناس هم أكبر منا سنا نعيش بين آبائنا وأمهاتنا وجيراننا، والواجب علينا أن نوقرهم وأن نعرف قدرهم، واحترامهم يكون بالتحدث معهم بأدب دون رفع لصوت أو عبوس فى الوجه أو إظهار الغضب لهم، واحترام أساتذتنا ومعلمينا؛ لأنهم من أصحاب الفضل علينا ولكل الكبار التقدير والاحترام. ومن عناية الإسلام بالكبار ووجوب احترامهم أنا لنبى ? كان يقول قبل الصلاة:- " استووا ولا تختلفوا. فتختلف قلوبكم.ليلنى منكم أولو الأحلام والنهى(هم الرجال البالغون).ثم الذين يلونهم.ثم الذين يلونهم". كذلك عدم استخفاف الصغير بالكبير؛ فقد روى أبو أمامة عن رسول الله ? أنه قال:- "ثلاث لا يستخف بهم إلا منافق:- ذو الشيبة فى الإسلام، وذو العلم وإمام مقسط." والاستخفاف كأن يهزأ به ويسخر منه ويوجه كلامًا سيئًا إليه، وهذا مانراه ونسمعه كثيرًا وللأسف الشديد كذلك الحياء من الكبير؛ لأن الحياء خلق يبحث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير فى حق الكبير ويدفع إلى إعطاء ذى الحق حقه؛ فقد روى عن رسول الله ? قوله:- "ما كان الفحش فى شىء إلا شانه، وما كان الحياء فى شىء إلا زانه" وروى الشيخان عن أبى سعيد رضى الله عنه قال "لقد كنت على عهد رسول الله ? غلامًا فكنت أحفظ عنه فما يمنعنى من القول إلا أن ها هنا رجالًا هم أسن مني" ومن هذا الاحترام تقدير الكبير وعدم إهانته ولو كان من غير المسلمين فأخلاقنا وقيمنا تتعدى فتشمل غير المسلمين؛ لأننا نتعامل بقيمنا وتعاليم ديننا الحنيف ومن ذلك موقف لعمر رضى الله عنه مع ذلك الشيخ اليهودى الكبير يذكر أبو يوسف فى كتابة (الخراج) "أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه مر بباب قوم وعليه سائل يسأل شيخ كبير ضرير البصر فضرب عضده من خلفه فقال:- من أى أهل الكتب أنت؟ قال يهودي. قال:- فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال:- أسأل الجزية، والحاجة، والسن. قال:- فأخذ عمر رضى الله عنه بيده فذهب به إلى منزله فرضخ له أى أعطاه من المنزل بشىء ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال:- انظر هذا وضرباءه، والله ما أنصفناه إذا أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم {إنما الصدقات للفقراء والمساكين..} وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه". ومن أخلاق الإسلام الواضحة عدم القسوة على الصغار ومعاملتهم برحمة ورأفة ولين ؛ إذ إن تربية الصغار لها مكانتها العظيمة فى نظر الإسلام فهم حبات القلوب وفلذات الأكباد وهم حياة النفوس التى تبتهج برؤيتهم وتسعد بسماع أصواتهم ؛ لمن لوحظ قسوة البعض على هؤلاء الصغار ؛ فقد رأينا أن بعض الصغار مزعج لوالديه، معاند لهما؟ لاشك أن لذلك سببًا، والسبب هو القسوة على الصغير، وضربه بشدة من قبل أبويه، أو أحدهما، وعدم إظهار المحبة له، ولذلك، فإن الصغير يعاند قاصدًا إزعاج والده والانتقام منه، وعلاج ذلك:- أن يظهر الوالد لولده المحبة والعطف عليه واعتماد أسلوب الحوار والأخذ فى عين الاعتبار حديث النبى ? "ليس منا من لم يرحم صغيرنا...". وربما كان سبب المعاندة هو:- شعوره بتفضيل إخوانه عليه، وقد اتفق الباحثون على أن أشد العوامل إثارة للحسد فى نفوس الأطفال هو:- تفضيل أخ على أخ أو أخت أو العكس. وقيمةَ احترامِ الكبير والعطف على الصغير من القيم الإسلامية العظيمة التى يتقرَّبُ المسلمُ بها إلى الله -عَز وجلَّ-، وهى ليست مجرَّدَ تقاليدَ صارمةٍ، أو أعراف، أو عادات؛ بل سلوكيات راقية نُؤَدِّيها عن طِيبِ خاطرٍ، ورضا نفسٍ، والتماس أجْرٍ، وابتغاء ثواب فحَقُّ الكبير التقدير والاحترام، وتقديمه فى الأكل والشرب، وفى الشارع والسوق وفى وسائل المواصلات، وعند الحديث لا تقاطعه حتى ينتهى، وفى المجلس ينبغى أن يجلس فى المكان اللائق به، وإذا رأيته عليك أن تبدأه بالسلام عليه، وأن تُظهر له الفرح والسرور، وعليك مخاطبته بأفضل وأحب الأسماء إلى النفس، وإذا أخطأ الكبير وجب عليك تقديم النصح بأسلوب مهذب وراق، حتى وإن لم يقتنع فقد قمت بدورك وواجبك. لنقم جميعًا بحق كبارنا علينا؛ ليرضى عنا ربنا، لنقم بحق كبارنا؛ ليقوم بحقنا أبناؤنا، ولنردّ الجميل، فقد عطفوا علينا ونحن صغار، لِنرسم بترابطنا وتراحمنا لوحة مشرقة فى ليل حالك السواد، تمزقت فيه أواصر المحبة والشفقة والمودة بين أفراد الأسرة الواحدة، بين كبارها وصغارها، فى كثير من المجتمعات. يقول عبد الفتاح فرج المعيد بقسم الخدمة الاجتماعية كلية التربية جامعة الأزهر القاهرة:- التقدير والاحترام أهم ما يميز الإنسان المسلم سواء كان صغيرًا أو كبيرًا فى السن، والفرد المسلم تعلم من إسلامه ومن نبيه هذا الخلق الكريم، وللأسف الشديد نجد الآن وفى الوقت الحالى قسرة مغرطة على الصغار وعدم تقدير أو احترام للكبير والمسن، وتجد هذا جليًّا وملحوظًا قى حياتنا اليومية سواء غى المواصلات العامة أو المصالح الحكومية تجد الشاب الصغير جالسًا ولا يبالى بالكبير الواقف رجلًا كان أو سيدة، وأحيانا تجد المسن الكبير لا يتعامل برحمة أو حب مع الصغار من البنين أو البنات، ويرجع ذلك إلى الهوة الثقافية بين الجيلين وتغير القيم والمبادئ عند كل مرحلة عمرية، فالكبير له قيمه ومبادئه التى تربى عليها وتعلمها، والصغير كذلك، ويرجع ذلك أيضًا إلى الضغوط الحياتية التى يتعرض لها الجميع. فلا تجد أن الإنسان لديه من السعة فى الخلق والوقت ما يسمح للاعتذار أو طلب المسامحة عند حدوث الخطأ من أحد الأشخاص تجاه الآخر. وأيضًا نظرة الشاب والفتاة إلى الرجل الكبير الآن نظرة مختلفة حيث يظن الشاب أو الفتاة أن الرجل الكبير لديه من القدرة العقلية والبدنية ما لديهم، وهذا فهم خاطئ، فمن غير المعقول أن تتساوى القدرات بين الكبير والصغير فلا يوجد التقدير المطلوب، من الأسباب الكبيرة التى تؤدى إلى إهانة الكبير والقسوة على الصغير البعد عن التأسى بالأخلاق النبوية وعدم الإلمام بها، فلنا فى الحبيب النبى ? الأسوة الحسنة، فقد كان رحيمًا بالصغير موقرًا للكبير، ومن أمثلة ذلك، أن النبى وجد جارية صغيرة تبكى على الطريق فسألها ما يبكيكى فأخبرته انها أضاعت مال سيدتها فأعطاها المال الذى أضاعته ومضى لسبيله، وعندما عاد من نفس الطريق وجدها مرة اخرى تبكى فسألها فأخبرته ان ذلك كان فى الصباح أما الآن فقد تأخرت عن بيت أهلها فماذا فعل رسول الله؟ لقد سار معها إلى بيت اهلها واعتذر منهم، فما كان منهم الا أن أعتقوها إكرامًا لرسول الله ?. ومثال آخر لإكرام الكبير ومساعدته بينما كانت امرأة عجوز تقف قرب أغراضها على قارعة الطريق فى يوم شديد الحرارة وفى وقت الظهيرة، وكانت تنتظر هذه المرأة من يساعدها على حمل هذه الأغراض التى أتعبتها، ولاحظت أن الناس لا يلتفتون لها نظرًا لأنهم متعبون ولا يريدون أن يزيدوا تعبهم،إذ اقترب من هذه المرأة رجل وطلب منها أن ترشده لبيتها، وحمل لها الأغراض وسار معها، وقد سعدت هذه المرأة العجوز كثيرًا من نبل هذا الرجل وخلقه وتأهبه للمساعدة، ولم تعرف كيف تشكره على صنيعه، فخطر فى بالها أمر وقالت له:- أنا ليس لدى ما أعطيك إياه جزاء صنيعك، ويبدو لى أنك غريب لم أره، ولكن يمكننى أن أقدم لك نصيحة تفيدك، وتابعت كلامها بقولها نصيحتى لك أن تحذر من هذا الرجل المسمى "محمد بن عبد الله"، فهو يفتن الناس ويسحرهم، فخذ حذرك منه واتق شره، ووصلت المرأة إلى حيث تقيم، وأنزل الرجل أشياءها عن عاتقه. وشكرته المرأة على صنيعه وسألته:- ما اسمك؟ قال لها مبتسمًا:- محمد بن عبد الله. فأصابت المرأة الدهشة، وقالت:- أأنت هو؟ قال لها:- نعم أنا هو. فقالت المرأة العجوز:- أشهد أن لا إله إلا الله وأنك يا محمد رسول الله. هكذا قدم ديننا للناس دين الرحمة والرأفة على الصغار والكبار دين التسامح مع الجاهل ووعظ الناس بالتى هى أحسن فالحمد لله الذى بعث فينا رسوله يعلمنا الخلق الفضيل والسلوك النبيل.