تباينت مواقف الطبقة السياسية بالجزائر من مضمون التعديل الدستورى الذى أعلنت عنه الرئاسة مؤخرًا، حيث أعرب حزب التجمع الوطنى الديمقراطى عن ارتياحه لما ورد فى التعديلات الدستورية قائلًا إنه يتجاوب مع تطلعات الشعب الجزائرى، فيما انتقدت المعارضة التعديلات ووصفتها بأنها لا تسمح بتحول ديمقراطى للجزائر يضمن الديمومة للدولة، معتبرين أنه دستور خاص بالنظام وحده. فى هذا السياق، أعلن عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة الذى ترأس اللجنة الاستثنائية أن الدستور الجديد تم إقراره ب 499 صوتًا، بينما رفضه عضوان وامتنع 16 عن الإدلاء بأصواتهم. وتضمنت التعديلات الدستورية 74 تعديلاً و38 مادة جديدة تهدف إلى تدعيم استقلالية العدالة وتفعيل الحياة السياسية فى الجزائر، وتعميق مبدأ الفصل بين السلطات وتحديد الولايات الرئاسية بفترة قابلة للتجديد مرة واحدة، وإنشاء هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات، وترقية الأمازيغية إلى «لغة وطنية ورسمية». كما تهدف التعديلات إلى توسيع صلاحيات المحكمة الدستورية وتعزيز استقلاليتها وتوسيع رقابة رؤوس الأموال الحكومية ودعم حماية القضاة، فضلاً عن دسترة حرية التظاهرات السلمية وحرية الإعلام والنشر، ودسترة الحق فى الحصول على المعلومات والمعطيات ونقلها. ومن الجدير بالذكر أن الدستور نص على شروط جديدة يجب أن تتوافر فى المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية، ومن أهم هذه الشروط منع حامل الجنسيتين من تقلد مناصب عليا فى البلد، وضرورة إقامته عشر سنوات متواصلة فى الجزائر قبل ترشحه، وهو ما اعترض عليه البعض، معتبرين أن هذا البند سيقصى ملايين الجزائريين بطريقة مباشرة من الترشح لانتخابات رئاسة الدولة، وهو الحق الذى تنص عليه المادة 50 من الدستور الحالى والتى تتضمن أن كل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية أن يَنتخِب ويُنتخَب. كما وسع مشروع الدستور الجديد من صلاحيات المعارضة البرلمانية، وترقية حقوق الأحزاب السياسية المعتمدة، حيث أشارت مسودة الدستور إلى وجود إجراءات مقترحة حول حق المعارضة فى التعبير والاجتماع وإسماع صوتها عبر وسائل الإعلام العمومية، إضافة إلى حصولها على إعانات مالية حسب نسبة تمثيلها فى البرلمان، ويمنح مشروع التعديل الدستورى المعارضة أيضًا الحق فى الطعن بأى نص قانونى يُصدِّق عليه البرلمان، أمام المحكمة الدستورية. وفى مجال الحريات أصبح منع سجن الصحفيين بسبب مهنتهم ضمن الدستور، بعدما كان قانون العقوبات قد نص عليه، وفتح الدستور الجديد المجال للمرة الأولى أمام الجزائريين لاستئناف الأحكام الصادرة عن المحكمة الجنائية لدى هيئة أعلى، قبل الوصول إلى الطعن بالنقض لدى المحكمة العليا. وفى السياق ذاته، أعلنت معظم الأحزاب الإسلامية رفضها للتعديلات، حيث اعتبر إسلاميو حركة «مجتمع السلم» أن المشروع الجديد غير توافقى وغير إصلاحى، ويجسد فى نظرهم استمرار طبيعة النظام السياسى الهجين، الذى لا يشبه أى نظام دستورى فى العالم، والذى يجعل رئيس الجمهورية يحكم ولا يتحمل المسئولية. وبناء على هذا الرفض قررت غالبية الأحزاب السياسية المعارضة وعلى رأسها حزب جبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض فى الجزائر، مقاطعة جلسة البرلمان المخصّصة للموافقة على مشروع قانون تعديل الدستور، المقررة يوم الأحد المقبل، تعبيرًا منها عن رفضها القاطع لفكرة تعديل الدستور وطريقة تمريره من طرف أحزاب الموالاة دون استشارة الشعب، ووصف حزب جبهة القوى الاشتراكية تعديل الدستور بالكارثة التى ستحل بأمن واستقرار البلاد، فيما أعلنت بعض الأحزاب الإسلامية، وعلى رأسها جبهة العدالة والتنمية، وحركتا النهضة والإصلاح، مقاطعتهم لجلسة تعديل الدستور، مؤكدين أن مشروع تعديل الدستور يكرس نهب المال العام. وعلى الجانب الآخر أعرب الناطق الرسمى لحزب التجمع الوطنى الديمقراطى، ثانى أكبر حزب مُوالٍ للسلطة، صدّيق شهاب، عن ارتياحه لما ورد فى المشروع قائلًا إنه يتجاوب مع تطلعات جميع الجزائريات والجزائريين؛ باعتباره يرتقى بالديمقراطية فى الجزائر إلى مصاف الديمقراطيات المتقدمة. وقال الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطنى عمار سعدانى إن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يريد من خلال المشروع الجديد تأسيس الجمهورية الثانية وإنهاء مرحلة الشرعية الثورية وبناء دولة مؤسسات قوية، من خلال الإصلاحات الجوهرية العميقة التى يتضمنها الدستور الجديد وذلك بعد سبع سنوات مضت على آخر تعديل دستورى أقره الرئيس الجزائرى ، وعقب جولات واسعة من المشاورات والمباحثات بدأت فى 2011.