سهير عبد الحميد حالة من الجدل لم تتوقف منذ أعلن الرئيس بوتفليقة عن التعديلات الدستورية حتى قام البرلمان الجزائري بإقرارها صباح الأحد الماضي، ذلك قبل الموعد المحدد لعرضها على البرلمان في منتصف فبراير الحالي. وفى الوقت الذي رحب فيه قطاع من المجتمع السياسي الجزائري بتلك التعديلات ورآها خطوة نحو إرساء المزيد من الديمقراطية، وبداية جديدة لدولة مدنية حقيقية ولعصر الجمهورية الثانية. رأت المعارضة أن التعديلات غير توافقية ولا تعكس طموحات الشعب الجزائري ولا تترجم تلك الوعود التى قطعها بوتفليقة على نفسه بعد سلسلة التشاورات التى عقدها مع مختلف الأطراف السياسية والمدنية والوطنية منذ عام 2012 .
وازدادت حالة الجدل ليشوبها الكثير من القلق، بعد التصويت المبكر بنحو أسبوعين على تلك التعديلات، ليثير حالة من الشكوك بشأن وفاة الرئيس بوتفليقة، أزالتها سريعا تلك الكلمة التى وجهها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، إلى أعضاء البرلمان، مؤكدا أنهم بمصادقتهم على مشروع الدستور بالأغلبية عبروا عن مساندتهم للتصورات التي يطمح لها النص الجديد، ومبينا أن المصوتين بلا والممتنعين عن التصويت يكشفون عن برلمان ديمقراطي تعددي تم اختياره بحرية من قبل الشعب. وبعد أن خاطب أعضاء البرلمان قال “عندما اتخذت قرار المضي بمسار الإصلاحات إلى نهايتها في جانبها السياسي، كان هدفي قبل كل شيء الاستجابة للتطلعات المشروعة لشعبنا، انسجاما مع المتغيرات التي يشهدها العالم”، وعاد رئيس الجمهورية للتذكير بالعشرية السوداء، وصورة الجزائر التي كانت مشوهة، قبل أن يعود السلم إلى القلوب والأذهان بعد سنوات طوال من إرهاب همجي كان هدفه الأساسي تحطيم أسس الدولة”. جاءت رسالة التهنئة من الرئيس بوتفليقة، بعد أن أقر البرلمان الجزائري التعديلات الدستورية بموافقة 499 عضوا ورفض اثنين وامتناع 16 عن التصويت. وكان تمرير التعديل الدستوري يتطلب حصول المشروع على ثلاثة أرباع الأصوات على الأقل أي 454 صوتاً.
مخاض التعديلات الدستورية تلك التعديلات التى جاءت بعد مخاض سياسي، بدأ فى إبريل عام 2011 ،حين أعلن بوتفليقة عزمه عن طرح مسودة تعديل دستوري ضمن حزمة إصلاحات سياسية، وذلك عقب تلك الاحتجاجات الشعبية التى اندلعت فى يناير من العام نفسه. وفى مايو 2012 فتح باب المشاورات السياسية مع 150 طرفا مدنيا وسياسيا وعدد من الشخصيات الوطنية أعقبها في يونيو 2014 مشاورات حول وثيقة تعديل الدستور قاطعتها أحزاب المعارضة، التي اعتبرتها مجرد ومضة استهلاكية. وقد أعطى المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية)، الضوء الأخضر لبوتفليقة لعرض مشروع تعديل الدستور على البرلمان بدل الاستفتاء الشعبي بوصف “المشروع لا يمس مبادئ المجتمع والتوازنات الأساسية للسلطات”. وقد شملت وثيقة مشروع التعديل الدستوري، 73 مادة من بين 182 مادة تعتبر قوام الدستور الحالي، إلى جانب 37 مادة جديدة. وأبرز ما جاء في التعديل الدستوري العودة إلى تحديد عدد الولايات الرئاسية باثنتين فقط (خمس سنوات لكل منها) وتأسيس هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات، وترقية الأمازيغية من لغة وطنية إلى رسمية. وفي مجال الحريات، أصبح منع سجن الصحافيين بسبب مهنتهم ضمن الدستور، بعدما كان قانون العقوبات نص عليه، كما فتح المجال لأول مرة للجزائريين لاستئناف الأحكام الصادرة عن المحكمة الجنائية لدى هيئة أعلى، قبل الوصول للطعن بالنقض لدى المحكمة العليا، وهو المعمول به حاليا. ونص التعديل على أن رئيس الجمهورية يعين رئيس الوزراء بعد استشارة الأغلبية البرلمانية، بعد أن كان يعينه دون الرجوع إليها. كما جاء فيه لأول مرة حق البرلمان في مناقشة الاتفاقيات الدولية قبل المصادقة عليها من قبل الرئيس، وتخصيص جلسة شهرية بالبرلمان لمناقشة جدول أعمال تقترحه كتل المعارضة.
ما بين موافق ومعارض ومنذ الوهلة الأولى رفضت أغلب أحزاب المعارضة التعديلات ووصفتها بأنها “غير توافقية، وأن التعديلات “جعلت من رئيس الجمهورية ملكاً يمسك بكل السلطات بيده، دون أن يكون مسئولاً أمام البرلمان حول نتائج سياساته”. ويري المعارضون أن من صوت لصالح التعديلات هم حزب جبهة التحرير الوطنى ومن يناصرونه معترضين على إنشاء هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات، وهو ما يرونه دسترة للتزوير. واعتبروا أن المادتين 51 و73، تحملان تهميشا لأبناء الجزائر المقيمين فى الخارج الذين يحملون جنسية مزدوجة. حيث تنص المادة 51 على أن “... التمتع بالجنسية الجزائرية دون سواها شرط لتولي المسئوليات العليا في الدولة والوظائف السياسية” فى حين تمنع المادة 73 من لم يقم بالجزائر طوال عشر سنوات على الأقل ، من الترشح لرئاسة الجمهورية. ويقف فى خندق المعارضة تلك الأحزاب، التى قاطعت التشاورات السياسية عام 2012 ومن بينها تكتل الجزائر الخضراء وجبهة العدالة والتنمية وجبهة القوى الاشتراكية. على الجانب الآخر يري المؤيدون للتعديلات الدستورية، أنها بداية حقيقية لإقامة دولة مدنية وتأسيس الجمهورية الثانية بوصف تلك التعديلات ثبتت عملية التداول على السلطة ومنحت المعارضة الكثير من الصلاحيات وحثت على حرية العمل السياسي واستقلال القضاء. ويقف فى هذا الخندق الحزب الحاكم، حزب جبهة التحرير الوطنى وحزب التجمع الوطنى الديمقراطى الموالي للسلطة، حتى إن الناطق الرسمى باسم حزب التجمع الوطنى صديق شهاب، طالب المعارضة أن ترتقي إلى دستور بوتفليقة لما فيه من سقف عال من الديمقراطية، مؤكدا أن إنشاء هيئة عليا للانتخابات وهو أحد مآخذ المعارضة ، هو ما سيمكن المعارضة من مراقبة العملية الانتخابية وضمان نزاهتها وشفافيتها.
الأمازيغية.. تهدئة أم اعتراف حقيقي؟ وتأتى مسألة إقرار الأمازيغية كلغة رسمية بعد اعتراض العديدين على إدراجها كلغة وطنية عام 2002، فى نظر البعض بوصفها رغبة في إطفاء النار التي اندلعت بمنطقة القبائل عام 2001، حتى حين تلافيا لأى اضطرابات مع اقتراب تنظيم داعش من الحدود الجزائرية. لكن فارس لوينز الأستاذ المساعد بجامعة حسيبة بن بو على نفي أى وجود للتنظيم في منطقة القبائل أو غيرها من المناطق الأخرى بالجزائر، مؤكدا أن التنظيم إذا ما افترضنا وجوده، فإنه لن يستطيع التجذر بالجزائر، لأن الأزمة الأمنية خلال التسعينيات تركت أثرها في الجزائر بالشكل الذي جعل من المواطنين أكثر وعيا بمدى خطورة الحركات الإرهابية. وأضاف فارس: كما أن المجتمع الجزائري من واقع تجربتي البسيطة وزياراتي لبعض الدول الإسلامية، أظنه من بين الشعوب الأكثر وعيا بمبادئ الإسلام والأكثر تعلقا به، وهو ما سيكون عائقا أمام الحركات الإرهابية، خصوصا بمنطقة القبائل التي يراها البعض مصدر تهديد للأمن. فإن الحقيقة لابد أن تقال إنه على الرغم من مظاهر الانفتاح التي تشهدها المنطقة فإنها كانت ولا تزال من أكثر المناطق تعلقا بالدين الإسلامي ومبادئه. وما محاولات تشويه المنطقة إلا محاولات فردية يقوم بها بعض الأشخاص التي تعبر عن حالات شاذة لا تمت بصلة بالشخصية والهوية الأمازيغية. بالإضافة إلى أنه ليس كل من يتكلم لهجة من لهجات الأمازيغية يعتبر أمازيغي وليس كل من يتكلم لهجة عربية يعتبر عربي. ففي الجزائر اختلطت الأنساب جراء التراكمات التاريخية التي مرت بها الجزائر من جهة وجراء بعض الأعمال السياسية السلبية من جهة أخرى. أما عن ترسيم الأمازيغية كلغة رسمية، فيشير إلى أنه قد أعاد القضية إلى نقطة الصفر ، وذلك لعدة أسباب ، فقد جاءت التعديلات لتؤكد إنشاء أكاديمية تعمل تحت سلطة رئاسة الجمهورية وفقا للشروط المنوطة بها، والقول بإنشاء أكاديمية يعيد القضية خطوات إلى الوراء لأن الأكاديمية موجودة أصلا منذ التسعينيات، وكان الأجدى النص على تفعيل الأكاديمية، كما أن النص على عملها تحت رئاسة الجمهورية يثير التساؤل، فهل تحتاج اللغة إلى سلطة أم ماذا وهل يعنى هذا أن السلطة قد تعمل في المستقبل على القول بإن هذه اللغة لم تتوافق والشروط وبالتالي الإتيان بمادة أخرى مستقبلا ستلغي هذه الشروط. في هذا الصدد يستحضرني ما جاء به الأستاذ جيلبير غراغيوم وهو أستاذ سابق بالجزائر في كتابه “اللغة والسلطة والمجتمع في دول المغرب العربي”عندما قال إن القانون مصدر رئيسي لفرض أو إلغاء أي هوية... لكن لا ننسى أن التداول الشعبي للغة هو ما سيفرض هذه الأخيرة “. من جانب آخر، فإن إقرار تعميم اللغة الأمازيغية السنة المقبلة بجميع المدارس الجزائرية هو أكبر خطا وأكبر خطوة لقتل هذه اللغة وهي في المهد، لأنه لم نحضر لها ولم نمهد لها الأرضية الصحيحة. بالتالي هو اعتراف من أجل الإقرار بفشلها وعدم تقبل الشعب لها. وهي النية الفعلية لهذا الإقرار.