فى تاريخ الشعوب، لحظات فارقة، يظهر فيها المعدن النفيس لأبنائها، يقدمون أرواحهم ودماءهم من أجل رفعة الوطن والحفاظ عليه، وفى الحروب والأزمات تتأكد أصالة معدن المصرى، وعلى مر العصور والأزمان، يظل هذا الشعب العظيم يسطر ملحمة بطولية تلو الأخرى. فمثلما رفض أبناء القوات المسلحة الهزيمة عام1967 وظلوا على مدى 6 سنوات يستعدون لاسترداد الأرض والكرامة وتطهير سيناء من دنس اليهود، رفض أحفادهم من أبناء القوات المسلحة فى 2015 أن تنتصر الجماعات الإرهابية التى تتآمر على الوطن، فكانت الملاحم التى كان آخرها احتضان مجند لأحد العناصر التكفيرية الحاملة لحزام ناسف لينفجر فيه حاميًا بذلك زملاءه. إن التضحيات التى يقدمها رجال القوات المسلحة البواسل فى سيناء سوف يسطرها التاريخ بأحرف من نور، تخليدًا لما بذله رجالها من بطولات نادرة ضحوا خلالها بأرواحهم ودمائهم الطاهرة من أجل مصر وشعبها ودفاعا عن الأرض والعرض، انطلاقا من عقيدتهم القتالية الراسخة التى تربوا عليها فى القوات المسلحة عرين الأبطال. ونحن خلال السطور القادمة نقدم نماذج من هؤلاء الأبطال الذين ذادوا بأجسادهم وقدموا دماءهم فداء للوطن.المجند المقاتل محمد أيمن محمد السيد، ابن محافظة دمياط البار، من مواليد مركز كفر سعد، قرية الإبراهيمية القبلية، لم يتجاوز عامه العشرين عندما استشهد، فهو من مواليد 1 يناير 1995، وكان يفصله عن عيد ميلاده الحادى والعشرين 15 يوما فقط، قدم حياته فداء لتراب سيناء، حاصل على مؤهل متوسط دبلوم ثانوى صناعى قسم زخرفة، والتحق بالقوات المسلحة فى 20 أكتوبر 2014، ويعمل مع رفاقه من وحدات الصاعقة فى شمال سيناء منذ شهر فبراير الماضى. أنقذ البطل ثمانية من زملائه ضابطين، و4 جنود، واثنين من السائقين، من الحزام الناسف الذى كان يحمله أحد العناصر التكفيرية الضالة، لتفجير الموقع الذى كانت تتم مداهمته بمنطقة زارع الخير فى قرية المساعيد بمدينة العريش، بعدما نزل من العربة «الهامر» فى مقدمة القوة، وسلاحه جاهز فى وضع الاقتحام، وبعدما أحس العنصر التكفيرى الموجود بالعشة بدخول الجندى البطل إليه، بادر بتفجير نفسه بالحزام الناسف، فاحتضنه الجندى البطل، وجنب رفاقه الموجة الانفجارية الضخمة، التى حولّت جسده الطاهر إلى أشلاء. ينتمى الشهيد البطل لمجموعة المهام الخاصة فى وحدات الصاعقة، كان متميزًا بين أقرانه فى اللياقة البدنية، وكان أيضا ضمن مجموعات المهام الخاصة، التابعة لوحدات الصاعقة فى شمال سيناء، التى تشترك فى المهام والعمليات الخطرة، وكانت هناك مهمتان على كاهل وحدات الصاعقة تنفيذهما ليلة استشهاده، الأولى تأمين فوج إجازات مجندين، والثانية مداهمة بؤرة إرهابية بقرية المساعيد بالعريش، وكان مقررًا أن يشترك المجند البطل فى مهمة تأمين الفوج، إلا أنه أصر وطلب من قائده المباشر تغيير المهمة ليشارك فى المداهمة ويلقى ربه شهيدا من أجل تراب الوطن. البطل المقاتل – محمد أيمن السيد – أحد أبناء وحدات الصاعقة الأشداء، الذين رسموا على قلوبهم وجه الوطن، وصارت الشهادة فى سبيله أسمى غاياتهم، حتى يصبح من الذين قال فيهم الله تعالى: «وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»، فقد أقسم الشهيد على الثأر لزملائه وأصدقائه من الشهداء، الذين فاضت أرواحهم الطاهرة فى الكتيبة 101، وأثناء الهجوم على أكمنة الشيخ زويد ورفح، وكل من قدموا دماءهم الطاهرة فداء لتراب سيناء المقدس، ليحيا كل مصرى ومصرية فى أمن وأمان. القوات المسلحة أقامت جنازة عسكرية مهيبة للجندى البطل فداء لما قدمه فى خدمة وطنه، حضرها قيادات بالقوات المسلحة، من الجيش الثانى الميدانى، ووحدات الصاعقة، إلى جانب قيادات مديرية أمن دمياط، تكريما للبطل الذى فاضت روحه وهو يدافع عن حق كل مصرى فى الأمن والحياة. شهيد السماء الجندى الشهيد الشحات فتحى بركات شتا، ابن قرية رأس الخليج، مركز شربين بمحافظة الدقهلية، حاصل على دبلوم تجارة ويبلغ من العمر 22 عامًا، وهو مجند بالقوات المسلحة، واستشهد فى العملية الإرهابية التى استهدفت الكتيبة 101 بشمال سيناء. وكشف الموقع الرسمى للقوات المسلحة، عن قصة بطولة شهيد قرية رأس الخليج بالدقهلية، أن المخابرات سجّلت قصة استشهاده وجاء فيها «أن الشهيد البطل احتضن أحد الإرهابيين الملثمين، وكان الإرهابى يرتدى قميصًا ملغمًا بالمتفجرات وجرى به أكثر من 100 متر فى محاولة لكى يفدى الكتيبة وزملاءه، وفجر الإرهابى نفسه مع الشهيد» وذاب جسد الشهيد فى الموجة الانفجارية وكأن جسده صعد الى السماء، ليفدى زملاءه ويحمى وطنه. كشف المتحدث العسكرى العميد محمد سمير، عن أكبر عملية بطولية لأحد شهداء أحداث رفح والشيخ زويد الإرهابية، قائلًا: «نجح المجند عبد الرحمن محمد المتولى بقوة تأمين كمين الجورة، من محافظة الدقهلية فى قتل 12 إرهابيا بمفرده رغم إصابته بطلق نارى، إلا أنه أصر على مواصلة القتال ضد الإرهابيين ونجح فى تصفيتهم وإنقاذ زملائه بالكمين». عبد الرحمن محمد المتولى الشاب المصرى ابن الأعوام الثلاثة والعشرين وابن عزبة الشال بالمنصورة، والذى شارك جده فى انتصار أكتوبر عام 1973 وأسر لدى العدو حينها، أما هو فقد خطف حب وتقدير كل أبناء الدقهلية ولا يزال حديث المجالس فى كل مكان بعد أن وثقت الدولة وقادته العسكريون مجهوداته الخارقة فى التصدى لأشرار العصر وخوارج الملة المأجورين. عبد الرحمن تلقى رصاصة فى جنبه أثناء هجوم التكفيريين على كمين أبو رفاعى، وقال له قائد الكمين، «اجمد يا عبدالرحمن» وكان لتلك الجملة مفعول السحر، لدى البطل الذى ظل ممسكا بسلاحه رافضا التخلى عنه وعن زملائه، وقد طلب منه قائده أن ينضم الى زملائه المصابين، لكنه رفض واستطاع رغم إصابته بطلق نارى أن يقتل 12 تكفيريا. وكان يزداد قوة وتماسكا كلما سقط واحد من العناصر التكفيرية، وكأنه لم يصب إلى أن جاءته رصاصة فى رأسه ليسقط شهيدا وهو صائم. وعبد الرحمن من أسرة بسيطة جدًا، فوالده محمد المتولى 54 عاما مهنته كهربائى، وزوجته سيرة رجب أحمد 45 سنة ربة منزل، ولديهم ثلاثة أبناء أكبرهم محمود 28 سنة دبلوم صناعة ويعمل أستورجى فى السعودية، ومتزوج ولديه طفلان، وعادل 23 سنة دبلوم زراعة وعاطل عن العمل، أما الشهيد عبد الرحمن فقد كان يعيش مع جدته أم والده، حيث نشأ فى أحضانها وقام برعايتها، كما كان يساعد أسرته فى العمل نهارا مع والده، وفى الليل يعمل بأحد المولات لبيع الأغذية لتوفير مصاريف دراسته. التحق بالخدمة العسكرية قبل أربعة أشهر من استشهاده.. خاطب وكان ينوى أن يتزوج بعد انتهاء فترة خدمة الجيش، وآخر إجازة له قبل شهرين تقريبا من استشهاده لظروف سيناء. كان يطلب دائمًا من أمه الدعاء له لأنه كان يشعر بأن هناك شيئا سوف يحدث من الإرهابيين الخونة، وظل عونا وسندا لأبيه فى الدنيا فكان يعمل بسوبر ماركت فى المنصورة لمساعدة اسرته على المعيشة، وكان محبوبا وسط زملائه وكان يتمنى القضاء على الإرهابيين». وعلى صفحته بموقع التواصل الاجتماعى كتب الشهيد عبد الرحمن آخر بوست له كأنه يعلم أنه لن يعود ثانيا «يلا الإجازة خلصت ياعالم هنيجى تانى ولا لأ.. سلام» ووضع صوة أخرى كتب عليها «يوما سيقال مات». ووضع صورة على صفحته قبل خمسة شهور من استشهاده مكتوب عليها «حنحميها حتى لو هنموت فيها». أصدر حسام الدين إمام محافظ الدقهلية، قرارًا بإطلاق اسم المجند عبدالرحمن متولى على مدرسة أحمد لطفى السيد الابتدائية بمنطقة عزبة الشال بالمنصورة، كما وجه الوحدة المحلية لحى شرق المنصورة، بتغيير اسم شارع الرشيدى مسقط رأس الشهيد، إلى شارع الشهيد عبدالرحمن محمد متولى. أبانوب «يعدو على جثتى يا أمى وهجبلك منهم صاروخين وأنا جاى».. كانت آخر كلمات الشهيد أبانوب صابر فى مكالمته الهاتفية مع والدته قبل العملية الإرهابية التى استهدفت الكمين الذى يقوم بتأمينه مع آخرين وكان نص المكالمة كالتالى: أبانوب: «قولى تحيا مصر يا أمى ويعيش جيش مصر أنا هجبلك صاروخين وأنا جاى من الإرهابيين ابنك راجل». الأم: «أوعى تسيبهم يموتوك يا أبانوب». أبانوب: «على جثتى يعدو يا أمى». وتتواصل قصص البطوله ويتواصل نهر العطاء، وتظل مصر عصية على اعدائها بقوة شعبها وقواتها المسلحة الباسلة.