كان علي موعد مع الجنة، فإذا به يركض دون أن يفكر في شيء إلا أن ينقذ رفاقه من الموت المحقق، ليهبهم بدمه الحياة، ويرتقي شهيدًا إلي السماء، بهذه الكلمات وصف أفراد كتيبة المجند الشهيد، محمد أيمن شويقة، لحظات استشهاده، لدي مداهمة وكر إرهابي بقرية زارع الخير جنوبالعريش بشمال سيناء. شويقة، ابن قرية الإبراهيمية في دمياط، أبصر إرهابيًا يختبئ في عشة أحد البدو، وهو يتحزم بحزام ناسف، ولمح أصابعه تتحسس الحزام في حذر، فلم يفكر ثانية أو يتردد لحظة، انطلق سهمًا نحو الإرهابي، ارتمي عليه، احتضنه، انفجر الحزام الناسف، تبعثرت أشلاؤهما معًا، وسط ذهول أبناء فرقته ودموعهم التي اختلطت بالدعاء أن يتقبله الله شهيدًا. قائد الكتيبة قال عنه "صرخنا فيه أن يعود، لكنه لم ينفذ الأوامر، كان يركض بكل ما أوتي من قوة، يبدو أنه أبصر باب السماء مفتوحًا، فأراد اللحاق به، وأنقذ شركاء العيش والملح، من إخوانه العساكر". وأصر رفاق الشهيد من المجندين علي عدم إطلاق الصراخ والعويل لدي تشييعه، ودعوا الأهالي إلي استقباله بالزغاريد والهتافات التي تزفه إلي السماء شهيدًا، الأمر الذي أدخل أمه في حالة من الانهيار اختلطت فيها دموعها بابتساماتها، وأخذت شفتاها ترددان عبارة "الحمد لله"، مع الدعاء لفلذة كبدها أن يرتقي الفردوس الأعلي، وظلت تردد "مش زعلانة عليه، محمد كان طيب وربنا حقق له أمنيته.. بس الفراق صعب". المجند المقاتل، محمد أيمن محمد السيد شويقة، ابن محافظة دمياط البار، من مواليد مركز كفر سعد، قرية الإبراهيمية القبلية، مواليد 1 يناير 1995وكان يفصله عن عيد ميلاده الحادي والعشرين 15 يوماً فقط، حينما قدم حياته فداء لزملائه، حاصل علي مؤهل متوسط "دبلوم ثانوي صناعي قسم زخرفة"، والتحق بالقوات المسلحة في 20 أكتوبر 2014 ويعمل مع رفاقه من وحدات الصاعقة في شمال سيناء منذ شهر فبراير الماضي. الجندي محمد أيمن، أنقذ 8 من زملائه 2 ضباط، و4 جنود، واثنين من السائقين، من الحزام الناسف الذي كان يحمله أحد العناصر التكفيرية الضالة، لتفجير الموقع الذي كانت تتم مداهمته بمنطقة زارع الخير في قرية المساعيد بمدينة العريش، بعدما نزل من العربة "الهامر" في مقدمة القوة، وسلاحه جاهز في وضع الاقتحام، وبعدما أحس العنصر التكفيري الموجود بالعشة بدخول الجندي البطل إليه، بادر بتفجير نفسه بالحزام الناسف، فاحتضنه الجندي البطل، وجنب رفاقه الموجة الانفجارية الضخمة، التي حولّت جسده الطاهر إلي أشلاء. الشهيد البطل كان مُتميزاً بين أقرانه في اللياقة البدنية، وكان أيضًا ضمن مجموعات المهام الخاصة، التابعة لوحدات الصاعقة في شمال سيناء، التي تشترك في المهام والعمليات الخطرة، وكانت هناك مهمتان علي كاهل وحدات الصاعقة تنفيذهما ليلة استشهاده، الأولي تأمين فوج إجازات مجندين، والثانية مداهمة بؤرة إرهابية بقرية المساعيد بالعريش، وكان مقررا أن يشترك المجند البطل في مهمة تأمين الفوج، إلا أنه أصر وطلب من قائده المباشر تغيير المهمة ليشارك في المداهمة ويلقي ربه شهيداً من أجل تراب الوطن. البطل المقاتل، أحد أبناء وحدات الصاعقة الأشداء، الذين رسموا علي قلوبهم وجه الوطن، وصارت الشهادة في سبيله أسمي غاياتهم، حتي يصبح من الذين قال فيهم الله تعالي: "وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ"، فقد أقسم الشهيد علي الثأر لزملائه وأصدقائه من الشهداء، الذين فاضت أرواحهم الطاهرة في الكتيبة 101وأثناء الهجوم علي أكمنة الشيخ زويد ورفح، وكل من قدموا دماءهم الطاهرة فداء لتراب سيناء المقدس، ليحيا كل مصري ومصرية في أمن وأمان. القوات المسلحة أقامت جنازة عسكرية مهيبة للجندي البطل فداء لما قدمه في خدمة وطنه، حضرها قيادات بالقوات المسلحة، من الجيش الثاني الميداني، ووحدات الصاعقة، إلي جانب قيادات مديرية أمن دمياط، تكريما للبطل الذي فاضت روحه وهو يدافع عن حق كل مصري في الأمن والحياة. والد الشهيد محمد أيمن، قال إن لقاءه بالرئيس عبدالفتاح السيسي، وما شاهده من حفاوة شديدة من جانب الرئيس جعله يشعر براحة البال، مضيفًا: "مكنتش عارف إني رايح أقابل الرئيس.. وأنا ماشي عرفت من الناس اللي كانوا معايا، وتشرفت باستقبال السيسي لي، وأنا بعرفه بنفسي قال لي تعالي يا أبو البطل، أنا متابع قصة محمد من البداية، أدخل يا أبو البطل، محمد ما متش، محمد حي يرزق". أما والدة الشهيد محمد أيمن، فقالت "استشهاد ابني شرف كبير، وتشرفت بلقاء الرئيس السيسي، وقال لي "اطمني هجبلك حق ابنك، وقولت للرئيس ابني ميغلاش علي مصر". وروت والدة الشهيد لحظات وداع الشهيد في آخر إجازة له، حيث بدا فرحًا ووجهه بشوشا، وكأنه كان يعلم أنها إجازته الأخيرة، وحين انتهت الإجازة واستعد للعودة إلي وحدته، احتضنها وتوجه للباب للخروج، لكنه عاد مرة أخري ليعانقها، وقال لها "ادعي لي يا أمي، وأوعي تقلقي عليا، أنا رايح أدافع عن بلدي، ولو ما رجعتش يبقي كله فدا بلدي".