كم كان المشهد مؤثرًا فى نفوس كل المصريين من أبناء هذا الوطن.. حاولت أن أخفى سيلا من الدموع وأنا أرقب وأستمع إلى بعض كلمات أسر شهداء الوطن من رجال الشرطة - ولكن كان البكاء غالبًا على كل الحضور وكان أولنا الرئيس الذى غلبته دموعه فبكى ومعه ملايين المصريين.. وكم كان المشهد مؤثرًا حينما احتضن طفلا لم يرى والده البطل الشهيد.. سوف يمر الزمن ويكبر هذا الوليد الصغير فى وطن شامخ قوى.. سوف يكبر هذا الوليد فى مصر المستقبل.. وسوف يتساءل عن مناسبة هذه الصورة مع رئيس مصر.. سوف يسمع الإجابة ويعلم تاريخ والده البطل الشهيد والذى لم يراه ولكن التاريخ خلد اسمه. سوف يعيش هذا الطفل ويكبر مرفوع الرأس دائمًا وغيره من أبناء شهداء الوطن وسوف يشهد التاريخ أيضا نماذج أخرى تحاول إخفاء أسماء أسرها خوفًا من العار جراء ما ارتكبوه من آثام فى حق الوطن.. وهذا هو التاريخ الذى يسجل فى ذاكرته كل البطولات.. وهذا هو التاريخ أيضا الذى لا يرحم من يخون الوطن. قدم الرئيس عبد الفتاح السيسى من خلال كلمته فى الاحتفال بعيد الشرطة تحية واجبة لشهداء الشرطة حيث قال: «تحية واجبة نقدمها اليوم لشهداء الشرطة المصرية، الذين بذلوا أرواحهم ودماءهم من أجل مصر وشعبها.. تسابقوا على أداء واجبهم الوطنى فى المناطق المستهدفة من الجماعات الإرهابية.. وهم يعلمون تمامًا أن احتمالات استشهادهم تفوق فرص نجاتهم وعودتهم لأهلهم وذويهم ومحبيهم.. إننا لن ننساهم أبدًا.. أو نتخلى عن أسرهم ولن نترك ثأرهم أبدًا.. فهم بأرواحهم الطاهرة معنا.. أحياء عند ربهم يرزقون». هذه الكلمات التى بدأ بها الرئيس السيسى حديثه إلى الأمة فى عيد الشرطة المصرية قد لخّصت كل معانى ومفاهيم الشهادة الحقة فى القرآن الكريم.. فالشهيد هو من يقدم حياته.. وهى أغلى ما يملكه الإنسان فى سبيل الله وفى سبيل وطنه.. ويلاقى مكافأة المولى عز وجل جزاء ما قدمه حيث يسكنه فسيح جناته إلى جانب الأنبياء والأولياء الصالحين.. هؤلاء هم الشهداء.. شهداء مصر الذين استشهدوا فى صمت نبيل ومتواضع فى سبيل الوطن.. هؤلاء هم الشهداء.. شهداء مصر الذين لم يتكالبوا على الدنيا الزائلة فاستحقوا الخلود ومجد الشهادة فى ذاكرة شعبهم، هؤلاء هم الشهداء.. شهداء مصر من خيرة شباب ورجالات الوطن الذين ضحوا بأرواحهم من أجل مصر.. ومستقبل مصر. والقرآن الكريم ينص على أن الشهيد حى يرزق عند ربه لا يموت وفى قوله عز وجل فى الآيات الكريمة (169 - 171) فى سورة آل عمران (3): (ولاتحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون (169)فرحين بما اتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون (170)يستبشرون بنعمه من الله وفضل وان الله لايضيع اجر المؤمنين) .. تلك الآيات الكريمة.. تعبر وتصف منزلة الشهيد وعلو مقامه حيث تؤكد على أن الشهيد قد وصل إلى أعلى المقامات عند ربه تحوطه العناية والرحمة الإلهية بأعلى مراتبها. فالشهادة فى سبيل الله من مظاهر الرحمة الإلهية ووسام لا يهديه المولى عز وجل إلا خاصة أوليائه ومن هذا المنطلق فإن المجتمع دائمًا ما يهنئ عائلة الشهيد الذى أدت شهادته فى سبيل وطنه إلى الوصول لهذا المقام الرفيع عند رب العزة.. إن معنى الشهادة واضح وصريح ولا يمكن الالتفاف عليه كما يفعل السفهاء والإرهابيون الذين يعتقدون إثما أن ما يقومون به من عمليات إرهابية تحوى القتل والتدمير وترويع الآمنين وماتوا فيها أنهم شهداء فهم فى ضلال مبين!! ففى هذا الاعتقاد إغفال للحق البين لمعنى كلمه «الشهيد» فالشهيد هو الذى يموت فداءً للوطن والعِرض.. الشهيد هو الذى يموت مضحيًا بروحه فداء لأبناء وطنه سواء كان من أفراد الشرطة أو القوات المسلحة أو من المواطنين الشرفاء فى هذا البلد.. هذا هو الشهيد وهذه هى معنى الشهادة الحقة، أما من يتفاخرون ويكذبون على الله والبشرية كلها بأن ما يقومون به من جرائم آثمة فى حق الأوطان من تدمير وقتل وتفجيرات يموتون فيها أنهم شهداء!! هؤلاء هم المفسدون فى الأرض وهم الذين قال عنهم رب العزة: (لاتفسدوا فى الارض بعد اصلاحها وادعوه خوفا وطمعا ان رحمت الله قريب من المحسنين).. (الأعراف: 56). وفى قوله تعالى أيضًا: (واذا قال ربك للملائكه انى جاعل فى الارض خليفه قال اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال انى اعلم مالا تعلمون).. (البقرة: 30). إن مصر الوطن.. والشعب ستظل ذاكرتها تحوى بكل الحب والإجلال أسماء عديدة لكل شهداء الوطن من رجال مصر سواء فى جهاز الشرطة أو فى القوات المسلحة.. فإن التلاحم الذى نراه بين الشرطة والجيش الآن فى مواجهة الإرهاب وكل محاولات تفكيك الوطن وزعزعة استقراره.. هى صورة من أروع صور الفداء الحق فى الإنسانية كلها.. رجال عاهدوا الله ورسوله على التضحية من أجل الوطن، رجال عشقوا الشهادة قبل الحياة بنفوس راضية مستقرة.. وعن إيمان أن ما يقدموه من فداء وأرواح غالية هو ثمن لأن يحيا هذا الوطن مستقرًا آمنًا.. سالمًا من كل شر.. آمنًا من كل محاولات الفتن والأعمال الإرهابية التى يقودها نماذج باعت نفسها للشيطان وتسعى لخدمة أهداف خبيثة على رأسها تفكيك هذه الدولة.. ونشر الفوضى فى أرجائها.. أشخاص وجماعات باعوا ضمائرهم لأولياء نعمتهم سواء كانت دول أو تنظيمات تريد أن تنتهك سلامة الوطن وأنهم لخاسرون..! رسالة تقدير أتوجه بها إلى كل شهيد قدم حياته فداءً لوطنه.. كل شهيد سالت دمائه على أرض مصر الطاهرة من أجل أن يحافظ على أمنها وسلامتها واستقرارها.. كل شهيد شارك فى معركة مصر ضد كل قوى الإرهاب والتطرف. رساله تحية صادقة إلى كل أم وأب ثكلى وكل زوجة مترملة وكل ابن وابنه فقدوا حضن الأب.. ولا يسعنى إلا أن أقول أنتم آباء وأمهات وزوجات وأبناء هؤلاء الأبطال الذى سوف يخلدهم التاريخ فى ذاكرته دائمًا بكل فخر.. فهذا هو التاريخ المنصف الذى لا يُنسى أبدًا من قدموا أرواحهم فداءً لهذا الوطن حتى يعيش آمنًا مستقرًا.