كالعادة وكلما اقتربت ذكرى 25 يناير تنتاب جماعة الإخوان حالة من الهلاوس السمعية والبصرية ويبدأون فى الحديث عن حشد مرتقب يملأ شوارع مصر وميادينها بالجماهير المعارضة للنظام! ويأتى يوم 25 يناير ويمر ويكشف الإخوان أن الحشد الذى يتحدثون عنه ويحلمون به لا وجود له إلا فى رءوسهم الفارغة.. وحينئذ يأتى الدور على خيبة الأمل التى تنشط وتتجه مسرعة إلى نفوس الإخوان فتملأها بالجنون والإحباط!. هذه المرة لا تختلف عن المرات السابقة اللهم أن الإخوان وإخوانهم أخترعوا تعبيرا جديدا اسمه «الاصطفاف الوطنى».. يتحدثون عنه وكأنه تعويذة سحرية قادرة على إسقاط النظام!. قادتنى المصادفة بمساعدة «الريموت كنترول» إلى موقع قناة الجزيرة الفضائية فرأيت برنامجا حواريا يستضيف فيه المذيع القيادى الهارب طارق الزمر. طارق الزمر لمن لا يعرفه هو واحد من قيادات تنظيم الجهاد وهو رئيس حزب البناء والتنمية الذى يعتبر الذراع السياسية للجماعة الإسلامية.. والأهم من ذلك كله أنه واحد من أبرز إخوان الإخوان!. تبين لى أن جزءًا غير قليل من البرنامج قد فاتنى لكن لم يصعب علىّ استنتاج موضوع الحوار ونوعيته واتجاهه. كان المذيع يتحدث عن ذكرى 25 يناير المرتقبة وما يمكن أن تحدثه من تغييرات عميقة على المشهد المصرى. سأل المذيع ضيفه طارق الزمر عن الحشد الذى لم تنجح قوى المعارضة «هكذا يصف الإخوان» فى تحقيقه فى الأعوام الماضية فرد الضيف وكأنه كونفوشيوس الجماعة الإسلامية؛ الحشد ممكن لكنه خطير لأنه يعرض المتظاهرين إما للقتل أو الاعتقال. ويعود المذيع فيسأل: ولكن ما هو البديل؟ ويرد كونفوشيوس الجماعة الإسلامية ويقول وكأن الحكمة تتساقط من فمه: الحل هو الاصطفاف.. الاصطفاف الوطنى. وتشعر وكأن المذيع تحول إلى كلب صيد أمسك بفريسة ثمينة فبدا التحفز على وجهه وهو يسأل ضيفه: كيف؟.. كيف يحقق هذا الاصطفاف نتائج إيجابية؟ ويرد الحكيم كونفوشيوس بمنتهى الحكمة فيقول: الاصطفاف وحده قادر على إسقاط النظام.. مجرد حدوث الاصطفاف كفيل بإسقاط النظام!. ويدخل الاثنان بعد ذلك - المذيع والضيف - فى حالة من الهلاوس السمعية والبصرية!. ??? يتصل البرنامج بواحد من قيادات الحركات والائتلافات المعارضة.. ويسأله المذيع عن موضوع الاصطفاف الوطنى.. فيجيب بكلام كثير ملخصه أن القوى الثورية فى مصر فى حاجة بالفعل للاصطفاف لكنه يفجر مفاجأة من العيار الثقيل عندما يقول إنه يقبل الاصطفاف مع كل القوى الثورية فى مصر إلا الإخوان!. ويتجاهل المذيع كلام المتحدث تليفونيًا.. أما الحكيم كونفوشيوس فيبتلع كرامته ويقول أنا على ثقة من أن الجميع سيحقق الاصطفاف المطلوب.. لأنهم سيدركون فى الوقت المناسب أن خطر النظام يتهددهم جميعا ويفرض عليهم أن يتناسوا مؤقتًا خلافاتهم لتحقيق هدفهم الأساسى.. إسقاط النظام! وأفهم من سياق الحوار أن هناك بيانا وقع عليه المعارضون للنظام يلتزمون فيه بالاصطفاف.. كيف؟.. لم أفهم بالفعل لكن المذيع يتصل بكونفوشيوس آخر هو أيمن نور مؤسس حزب الثورة باعتباره أحد الموقعين على البيان ويسأله: هل تنجح المعارضة من الخارج فى تحقيق أى نتائج إيجابية؟.. وتتساقط الحكمة من فم أيمن نور وهو يقول للمذيع: ومن قال إنها معارضة من الخارج.. ياسيدى هناك كثيرون وقعوا على بيان الاصطفاف من الداخل.. من مصر.. كثيرون يحتلون مناصب مهمة وحساسة لكننى لن أفصح عن أسمائهم خوفًا عليهم من النظام! ويستمر المذيع والضيف والمتداخلون تليفونيًا فى مواصلة هلاوسهم السمعية والبصرية حتى نهاية البرنامج!. وليست هذه الهلاوس فى الحقيقة إلا امتدادا لهلاوس الإخوان فى مصر!. ??? تسمع من مصادر أمنية عن مجموعة من الإخوان تم القبض عليهم مؤخرًا بعد أن أكدت التحريات أنهم كانوا يخططون للقيام بأعمال عنف فى ذكرى 25 يناير القادمة. وتسمع من المصادر الأمنية أن الذين تم القبض عليهم كانوا يتصورون ويصدقون أن ما سيقومون به من أعمال عنف سيؤدى بالفعل لإسقاط النظام!. ثم تسمع بعد ذلك عن خلافات داخل جماعة الإخوان عن أماكن التظاهر يوم 25 يناير!. بعض أعضاء الجماعة يقترحون أن تقتصر مظاهرات الإخوان على المحافظات أما القاهرة فيتولى مسئولية التظاهر فيها القوى الثورية الأخرى مثل 6 إبريل والاشتراكيين الثوريين. أما السبب فلأن أعضاء الجماعة يتصورون أن قبضة الأمن فى المحافظات أخف منها فى القاهرة ومن ثم فإن فرصة نجاح مظاهرات الإخوان فى المحافظات والأقاليم أكبر! لكن هذا الكلام لا يعجب أعضاء آخرين فى جماعة الإخوان فنجدهم يطالبون بأن يتظاهر الإخوان فى المحافظات وفى القاهرة أيضًا ولا يعتمدون على القوى الثورية الأخرى.. عملًا بنظرية ماحك جلدك مثل ظفرك!. وبالطبع يحاول الإخوان استغلال الأزمات التى يشهدها الشارع مثل الأزمات الأمنية للإيماء بأن الأجواء عادت إلى ما قبل 25 يناير 2011. وهكذا يحاول الإخوان استغلال بعض الحوادث الفردية التى شهدتها بعض الأقسام لتكرار ما حدث من هجوم على أقسام الشرطة فى عام 2011. فى نفس الوقت يسعى الإخوان لاستغلال الأزمات الاقتصادية كارتفاع سعر الدولار وارتفاع أسعار بعض السلع لكى يخرج الناس فى 25 يناير ويطالبوا بسقوط النظام. ولعل أبلغ رد على مثل هذه الهلاوس ما حدث فى إحدى المناطق الشعبية.. عندما راح أحد الإخوان يدعو للخروج يوم 25 يناير احتجاجا على ارتفاع الأسعار فإذا بأحد المواطنين يعطيه «علقة ساخنة»!. ??? كلما جاءت ذكرى 25 يناير يتصور الإخوان أنهم اقتربوا من تحقيق حلمهم.. إسقاط النظام والعودة للحكم. وكلما مرت هذه الذكرى يكتشف الإخوان أنهم ابتعدوا كثيرا عن هدفهم.. لكنهم لا يتوقفون عن تكرار محاولاتهم فى كل ذكرى ل 25 يناير.. وهذه هى الحماقة بعينها!.