يجلس على سريره أمام النافذة المفتوحة يحاول أن يتنسم نسمات الصباح ويحاول أن يدخل بعضًا من هذه النسمات إلى صدره الضيق الذى يحتاج إلى كمية كبيرة من الهواء.. نعم صدره ضيق بسبب العيشة التى يعيشها وقلة الرزق وعدم استطاعته توفير احتياجات اسرته الكبيرة المكونة من زوجة وولدين وثلاث بنات كما أن الصدر ضيق بسبب المرض الذى يعانى منه وشدته والهاجس الذى يعيش داخله بأنه سوف يموت ويترك هذه الأسرة وخاصة البنات الثلاث بدون عائل فهو لا يدرى هل سيقف أخوهم الأكبر بجانبهم أم سيتركهم للدنيا تكيل لهم اللكمات يسمع صوت ابنته الصغرى التى لم تبلغ الثالثة عشرة من عمرها بعد وهى تستعد للخروح إلى مدرستها جلس الرجل يتذكر تفاصيل حياته منذ أن كان صبيًا وقد خرج للعمل منذ وصوله لسن البلوغ من قبل ذلك لأسرته ولنفسه القليل مما يحتاجون إليه وهى نواية «تسند الزير» تعلم حرفة كان صبى ميكانيكى ظل سنوات يعمل كمساعد يعمل بالأجر اليومى ويعود به آخر النهار ليضع الجنيهات التى جناها فى يد أمه لتشترى ما تحتاج إليه الأسرة وعندما تجاوز العشرين بسنوات طلبت منه الأم أن ينظر لنفسه ولحياته كانت تقصد تكوين أسرة والاستقلال بحياته، ولكنه كان يقابل مطلبها بالرفض فقد مات والده وأمه وأخوته فى حاجة إليه، مرت السنوات وهو يجاهد من أجل أسرته وتزوج الإخوة، وتوفت الأم ووجد نفسه وحيدًا بدون أنيس أو جليس، وهنا فقط تذكر نفسه وبحث عن بنت الحلال ووجدها، كانت فقيرة مثله وافقت عليه جهز حجرة صغيرة بإحدى المناطق العشوائية المتاخمة لأطراف المدينة تزوجها وكان يبذل أقصى جهد ليوفر لأسرته الحياة السعيدة لم يكن يقلقه سوى بعض الآلام التى كانت تنتابه من آن لآخر عند التبول والتى أهمل علاجها بالرغم من محاولات الزوجة معه للذهاب إلى الطبيب أو حتى المستشفى، ولكنه كان يؤكد لها أنه على ما يرام وأنه من المؤكد مصاب بالبرد ولكن الأيام تمر والحالة تزداد سوءًا وأصبح يعانى من احتباس فى البول رغم تناوله الكثير من المشروبات الساخنة ومحاولاته المستمية فى ارتداء ملابس لعلها تشعره بالدفء، ولكن آلامه كانت تدعو للقلق الشديد إلى أن تفاقمت الحالة وظهرت آثار دماء بالبول، لم يكن هناك بد من الذهاب إلى المستشفى اضطر الأطباء إلى حجزه حتى يتم فحصه وإجراء أشعة وتحاليل وكانت صدمة كبرى للرجل وزوجته عندما حوله الأطباء إلى المعهد القومى للأورام فقد أظهرت الأشعة أنه مصاب بسرطان بالمثانة، وتم حجزه بالفعل بالمعهد القومى للأورام بسبب سوء الحالة وحاجته للخضوع لجلسات العلاج الكيماوى والأشعاعى ظل أكثر من ستة أشهر على هذا الحال، حتى جاء يوم أخبره فيه الطبيب أن العلاج الكيماوى والأشعاعى أصبح غير مؤثر وفرصة الشفاء عن طريقه أصبحت منعدمة، وتساءل الرجل، أذن ما هو الحل؟ وكانت الصدمة التى لم يكن يستطيع تحملها أن الأطباء أكدوا أن الحل هو استئصال المثانة جذريا وخاصة ابنها أصبحت غير مفيدة للجسد ولكنها مصدر إيذاء له.. وسأل مرة أخرى وماذا بعد استئصال المثانة وكانت الإجابة أنه سيتم زرع مثانة بديلة تؤخذ من جزء من الأمعاء وكانت صدمة ليس بعدها صدمة للرجل وأسرته ولكنه سلم أمره لله ودخل غرفة العمليات وتم إجراء الجراحة وخرج منها وهو حطام رجل.. هو رجل على باب الله لا يستطيع العمل ابنه الأكبر يعمل ليساعده ولكن ما يكسبه الابن لا يكفى سبعة أشخاص هو عدد أفراد الأسرة ويحصل الأب على 450 جنيها معاش ضمان ولكن الأفواه الجائعة والمرض تحتاج إلى أضعاف مضاعفة من الجنيهات أرسل يطلب من يقف بجانبه ويساعده فهل يجد من يرغب بصفحة «ربنا كريم».