ربما لم يتوقع الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان» أن حادثة إسقاط القاذفة الروسية من طراز «سوخوى - 24» التى تم استهدافها من قبل سلاح الجو التركى، يمكن أن تؤدى إلى هذه العواقب الوخيمة، فقد اعتقد الرئيس التركى أن دعم الولاياتالمتحدة وحلف الناتو له فى هذه المواجهة مع الدب الروسى سيكون كافيًا، ولكن يبدو أن الحسابات التركية كانت خاطئة، فرد الفعل الروسى يؤكد أن هذه الحادثة لن تمر مرور الكرام، وأنها قد تتحول فى أى وقت لمواجهة عسكرية. بوتين لم يقتصر فى رده على حادثة إسقاط الطائرة بالتصريحات فقط، والتى كان من أعنفها اتهامه للحكومة التركية بإسقاط الطائرة الحربية الروسية قرب الحدود مع سوريا «من أجل حماية تجارتها النفطية مع تنظيم داعش»، وإنما اتخذ سلسلة من الإجراءات العقابية بحق أنقرة، مما دفع الرئيس التركى لمحاولة احتواء الأزمة، وتخفيف حدة التوتر، ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل الذريع، فكما نشرت العديد من الصحف اتصل أردوغان ببوتين ثلاث مرات هاتفيًا، ولكن الرئيس الروسى رفض الرد عليه، كما طلب أردوغان من الرئيس الفرنسى أولاند، القيام بدور الوساطة بين روسياوتركيا، لكن هذه المحاولة لم تنجح أيضًا، وأخيرًا طلبت تركيا عقد لقاء بين الرئيسين على هامش قمة المناخ الأسبوع الماضى، ولاقت المحاولة نفس المصير. الإجراءات العقابية التى اتخذها بوتين تضمنت مجموعة من البنود، أهمها فرض قيود على استيراد بعض السلع التركية، ووقف رحلات الطيران التجارى معها، كما كلف حكومته بإيقاف العمل بنظام الإعفاء من تأشيرات الدخول مع تركيا اعتبارًا من مطلع 2016، وأوعز الرئيس الروسى للشركات السياحية الروسية بالامتناع عن تنظيم رحلات للمواطنين الروس لتركيا، مما يعرض تركيا لخسائر كبيرة بفقدانه ما يقرب من 3 ملايين سائح روسى، كما أمر الشركات الروسية بوقف العمالة التركية اعتبارًا من مطلع العام المقبل. أما ورقة الضغط الأكثر خطورة فتتعلق بملف الغاز، حيث تعتبر روسيا المورد الأول للغاز الطبيعى بالنسبة لتركيا، وتلبى أكثر من نصف احتياجاتها من الغاز، ومن المفترض أن تصل واردات الغاز الروسى إلى تركيا هذا العام قرابة 30 مليار متر مكعب، بعد أن وصلت العام قبل الماضى إلى نحو 27 مليار متر مكعب. وبالرغم من أن وزارة الطاقة الروسية أكدت مواصلة تزويد تركيا بالغاز الطبيعى الروسى بحسب الالتزامات التعاقدية، وأشار «أناتولى يانوفسكى» نائب وزير الطاقة الروسى، إلى أن إمدادات الغاز الروسى لتركيا مستمرة، فإن المراقبين يرون أن قرارا بشأن إمدادات الغاز الروسى لتركيا لا يمكن اتخاذه بشكل متسرع، أو ردا على واقعة من هذا النوع، إنما يمكن أن يأتى حال تفاقمت الأوضاع. ومن بين الأساليب العقابية الأخرى التى استخدمتها روسيا، إلغاء العديد من الفعاليات الثقافية التى كانت مقررة مع تركيا، حيث صرحت «أولجا جولوديتس» نائبة رئيس الوزراء الروسى، بأن روسيا ألغت عام التعاون الروسى التركى، الذى كان مقررا فى 2016. وبعيدًا عن العقوبات الاقتصادية، تذهب العديد من التحليلات السياسية إلى احتمالية حدوث تصعيد أكبر من جانب روسيا، وهو ما تؤكده التصريحات الرسمية الروسية فرئيس مجلس النواب الروسى «سيرجى ناريشكين» قال: «نعلم مَن قاموا بذلك، وينبغى محاكمتهم عليه، فى الوقت ذاته سيكون هناك رد من الجانب الروسى قطعا بما يتماشى مع القانون الدولى، وإلى جانب ذلك فإن روسيا لها الحق أيضا فى الرد العسكرى»، وتؤكد العديد من الصحف أن روسيا قد تلجأ إلى إسقاط طائرة تركية، وفى هذا الإطار ذكرت صحيفة «زمان» التركية أن موسكو قد ترد بإسقاط مقاتلة تركية تنتهك المجال الجوى السورى حتى وإن كان ذلك بشكل غير متعمد، مؤكدة أنه فى هذه الحالة ستكون أنقرة وحيدة، فإما أن تصمت أو تدخل فى حرب مع روسيا بمفردها، بعدما ظهر فى الأيام القليلة الماضية أنها لن تحصل على الدعم الكافى من الولاياتالمتحدة وحلف الناتو، لذلك قد تبقى وحيدة فى مواجهة إحدى القوى النووية الكبرى بالعالم، وفى نفس السياق قال الخبير الروسى «إيف بوير» لصحيفة «لوباريزيان» الفرنسية، إن تداعيات إسقاط الطائرة الروسية يسير إلى احتمالين، الأول هو توقف الموقف بين الدولتين عند هذا الحد، والثانى هو التصعيد الروسى، واعتبر بوير أن روسيا ستسعى إلى القيام برد انتقامى مماثل يتمثل فى إسقاط طائرة تركية على حدود سوريا. بعض التحليلات الأخرى كانت أكثر تطرفًا، فذهبت إلى احتمالية استخدام روسيا للأسلحة النووية، فذكر «ميخائيل ألكسندروف» وهو خبير بارز فى مركز الدراسات العسكرية والسياسية الروسية ل«روسيا اليوم» أن موسكو فى حال الدخول فى حرب مع تركيا ستكون مضطرة لاستخدام الأسلحة النووية فورا، لأن المصير الوجودى للأمة الروسية سيكون على المحك، وأضاف ألكسندروف: سيكون حينها من الخطأ عدم استخدام روسيا للأسلحة النووية، لأن الغرب وتركيا سيحاولون جر روسيا إلى حرب تشبه حرب شبه جزيرة القرم، حيث سيجرى تصعيد بطىء، وستبدأ العمليات العسكرية فى منطقة القوقاز وتدمير التجمعات الروسية فى سوريا، الغرب بالطبع سيساعد تركيا وسينقل مجموعات قتالية إلى هناك وسينشر بعضا من الطيران الحديث، ستكون حينئذ حرب استنزاف وإنهاك، مستطردًا، من وجهة نظرى، إذا ما اشتعلت الحرب مع تركيا فيجب أن تكون قوية وواسعة وسريعة، يجب علينا حينئذ البدء فورًا بضربات نووية توجه إلى البنية التحتية الأساسية للمواقع العسكرية فى تركيا، ليس فى المدن حيث يعيش السكان بل على المقرات والمراكز الرئيسية للاتصالات ومستودعات الذخيرة والمطارات والموانئ، وذلك خلال الساعات القليلة الأولى من الحرب، يجب علينا تدمير البنية التحتية العسكرية بأكملها فى تركيا.