عندما تحتفل مصر بعد غد (الثلاثاء) بذكرى انتصار السادس من أكتوبر المجيد يكون قد مرّ على هذا الحدث المشهود إثنتان وأربعون سنة.. ذلك النصر العسكرى الذى يُعدّ الأول لمصر وللأمة العربية منذ مئات السنين، حيث صار اسم «أكتوبر» رمزًا للمجد الوطنى والقومى، وهو الاسم الذى اختاره الرئيس الراحل أنور السادات صاحب قرار الحرب لهذه المجلة التى كان صاحب قرار إصدارها قبل 39 سنة.إثنتان وأربعون سنة مرّت على انتصار السادس من أكتوبر عام 1973 والذى وافق يوم العاشر من رمضان وقتها.. زمن قريب وقصير جدًا فى عمر الزمان وفى عمر الشعوب والأمم، لكنه بعيد وطويل فى عمر أجيال من المصريين.. وُلدت حينئذ أو لم تكن قد وُلدت بعد أو كانت فى عمر الطفولة والصبا فى تلك السنة. هذه الأجيال لم تعاصر ولم تعايش وبالضرورة لا تعى حالة الانكسار التى كانت عليها مصر وعاشها المصريون بعد هزيمة الخامس من يونيو عام 1967، حيث جاءت الهزيمة قاسية ومفاجئة وصادمة لتوقعات وآمال وتطلعات وسقف الطموحات الذى بدا بعد ذلك أنه كان مرتفعًا بأكثر مما يجب وبأكبر من واقع الأمور وضعف قيادة الجيش وافتقادها للقدرة على التخطيط وإدارة المعارك.. عند نشوب تلك الحرب المشئومة. ??? غير أن مصر بشعبها وبجيشها تبدّت لديها وبأسرع مما كان متوقعًا القدرة على امتصاص الهزيمة وتداعياتها.. مستندة على موروثها التاريخى والحضارى العريق الضارب بجذوره فى أعماق الزمن وبطول سبعة آلاف سنة، ولم تمرّ أسابيع قليلة عقب تلك الهزيمة حتى أعاد الجيش تنظيم صفوفه واستعاد توازنه ليبدأ الاستعداد بالتدريبات الشاقة والتخطيط الجيد والدقيق لمعركة قادمة.. معركة الثأر وتحرير الأرض.. سيناء. وسرعان ما تجلّت قوة وعزيمة وصلابة رجال القوات المسلحة.. خير أجناد الأرض فكانت معركة «رأس العش».. واحدة من أعظم وأروع بطولات الجيش المصرى، وكذلك عملية تدمير ميناء إيلات الحربى الإسرائيلى والتى حقق خلالها رجال البحرية والضفادع البشرية بطولة حقيقية أذلّت العسكرية الإسرائيلية بقدر ما أذهلتها وأفقدتها نشوة انتصارها بعد أشهر قليلة. وطوال ثلاث سنوات بعد هزيمة يونيو 1967.. شهدت جبهة القتال واحدة من أهم المعارك الحربية التى ظلت مصر تشنها لاستنزاف الطاقة العسكرية الإسرائيلية وهى المعارك التى أُطلق عليها حرب الاستنزاف والتى أكدت استعادة القوات المسلحة لقدراتها الحربية الفائقة.. فكانت الاستعداد الحقيقى والمقدمة لحرب أكتوبر والانتصار العظيم. ??? وفى التوقيت المناسب الذى حدّدته مصر وبعد أن أتمت القوات المسلحة استعدادها الحربى والقتالى على أكمل وجه وبقيادات محنّكة وبخطة واستراتيجية عسكرية فائقة الدقة.. تضمنت خطة خداع استراتيجى أعدها وأشرف على تنفيذها الرئيس الراحل أنور السادات، وفى الساعة الثانية وخمس دقائق ظهر يوم السادس من أكتوبر.. العاشر من رمضان.. وبتكبيرات الجنود والضباط.. بدأت مصر الحرب.. حرب تحرير واستعادة الأرض.. وأيضًا استعادة الكرامة.. كرامة مصر وشعبها وجيشها الذى لم يكن جنوده وضباطه مسئولين عن الهزيمة، ونجحت القوات المسلحة المصرية فى أن تُفقد إسرائيل قدراتها العسكرية فى 6 ساعات.. على حد تعبير الرئيس السادات. لقد كانت حرب أكتوبر والانتصار الذى حققته مصر معجزة حقيقية بكل المقاييس العسكرية حسبما شهدت بذلك مؤسسات ومراكز الدراسات العسكرية فى العالم، إذ نجحت القوات المصرية فى عبور أكبر مانع مائى متمثلاً فى قناة السويس ثم فى اقتحام أكبر مانع حربى متمثلاً فى خط بارليف المنيع.. ذلك الجدار الحديدى المصفح الذى ظلت إسرائيل تُروج لاستحالة تحطيمه إلا بقنبلة ذرية. وفى أيام معدودات واصل الجيش المصرى تقدّمه داخل سيناء.. يُحررها شبرًا شبرًا حتى خط المضايق الاستراتيجية، غير أنه بعد تدخل أمريكا المباشر فى الحرب وإمداد إسرائيل بأحدث أنواع العتاد الحربى وبعد تفاصيل كثيرة وافقت مصر على قرار الأممالمتحدة بوقف القتال لتبدأ معركة أخرى لاستكمال التحرير بالمفاوضات. ??? لم تقل معركة السلام التى خاضتها مصر.. صعوبة وضراوة عن حرب أكتوبر، ولما بدا أن المفاوضات التى كانت تجرى برعاية أمريكا لن تسفر عن تحقيق السلام العادل وانسحاب إسرائيل من بقية أراضى سيناءالمحتلة.. أقدم الرئيس الراحل أنور السادات على خطوة صادمة وشجاعة وغير مسبوقة فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى بإعلانه عن مبادرته للسلام وزيارة إسرائيل فى عقر دارها من منطلق القوة إذ كان القائد المنتصر فى الحرب. هذه المبادرة وضعت إسرائيل فى مأزق صعب أمام المجتمع الدولى وهى المبادرة التى أجبرتها على الجلوس على مائدة مفاوضات سلام.. انتهت بتوقيع اتفاقية «كامب ديفيد» فى سبتمبر عام 1978 فى البيت الأبيض برعاية الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر ثم معاهدة السلام فى مارس عام 1979 والتى أنهت الاحتلال الإسرائيلى وتحرير سيناء وعودتها إلى الوطن الأم.. مصر. وبانتصار أكتوبر الذى قاده السادات وبمفاوضات السلام.. استحق هذا الرجل الذى أثبتت الأيام أنه كان سابقًا لعصره أن يوصف بأنه بطل الحرب والسلام، واستحق أيضًا جائزة «نوبل» للسلام، فكان أول مصرى وعربى يحصل على هذه الجائزة الدولية الرفيعة. وإذا كانت سيناء تشهد حاليًا حربًا أخرى يخوضها الجيش المصرى وتخوضها الدولة المصرية ضد الإرهاب والتنظيمات الإجرامية الإرهابية، فمن المؤكد أن القوات المسلحة المصرية التى انتصرت فى حرب أكتوبر قبل 42 سنة على واحد من أقوى جيوش المنطقة المدعوم من أقوى دولة فى العالم.. لقادرة على أن تنتصر بعون الله وببسالة رجالها فى هذه الحرب المقدسة لاستئصال كل تجمعات وبؤر الإرهاب وتطهير سيناء من أعداء الوطن ومن كل من يريد بمصر السوء. ??? أما هذه المجلة التى تحمل اسم «أكتوبر».. هذا الاسم العزيز على قلب كل مصرى وعربى، فإنها وهى تحتفل فى آخر يوم من أيام هذا الشهر بمرور 39 سنة على إصدار عددها الأول وبداية عامها الأربعين.. لتذكر بكل الاعتزاز والتقدير صاحب قرار إصدارها.. الرئيس الراحل أنور السادات، بقدر ما تذكر أيضا وبكل الفخر والامتنان مؤسسها ورئيس تحريرها الأول الكاتب الكبير الراحل الأستاذ أنيس منصور، حيث كانت سياستها التحريرية تستهدف وكما أراد السادات تخليدًا لذكرى نصر أكتوبر العظيم. ??? .. تحية لأبطال نصر أكتوبر المجيد.. وتحية لأرواح الشهداء الأبرار.. تحية لجيش مصر.. خير أجناد الأرض.. الذى حرر الأرض قبل 42 سنة فى السادس من أكتوبر عام 1973 والذى حرر المواطن المصرى فى الثالث من يوليو عام 2013.. الساهر على أمن وسلامة واستقرار الوطن. N