استمرت مصادر المخابرات منذ العاشر من أكتوبر تتابع تدفق الإمدادات الأمريكية على إسرائيل، واتضح للقيادة المصرية أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تعوض إسرائيل عن خسائرها فقط بل تمدها بدعم جديد من الأسلحة والمعدات الحديثة وأهمها الدبابات والصواريخ الحديثة المضادة للدبابات وصواريخ الشرايك والقنابل التليفزيونية ووسائل الشوشرة والإعاقة الإلكترونية.وبعد نجاح القوات المصرية فى تخفيف الضغط عن جبهة سوريا وإجبار العدو على تحويل مجهوده الجوى الرئيسى إلى الجبهة المصرية وظهور بوادر انتقال اهتمام العدو من الجولان إلى سيناء، قرر الفريق أول أحمد إسماعيل دعم رءوس الكبارى وتقويتها وتحويلها إلى صخرة تتحطم عليها أمواج دبابات العدو التى توقع القائد العام أن القيادة الإسرائيلية سوف تدفع بها فى هجمات وضربات مضادة قوية خلال الخامس عشر من أكتوبر. تأكدت القيادة المصرية مما توقعته من عزم العدو على شن هجمات وضربات مضادة قوية يوم 15 أكتوبر، إذ لاحظت أنه حشد فى مواجهة رءوس الكبارى حوالى 9 ألوية منها 6 لواءات مدرعة وبعض الكتائب المستقلة من المشاة والدبابات والأسلحة الأخرى بالإضافة إلى مختلف أنواع القوات، فضلا عن احتياطياته التعبوية والاستراتيجية وقواته الجديدة التى استمر فى تشكيلها فى الخلف والتى شملت لواءين ميكانيكيين ولواء مظلات، وتابعت القيادة المصرية نشاط العدو فى أعمال الاستطلاع بقوة على طول المواجهة لتحديد نقاط الضعف والأجناب المعرضة فى أوضاعنا. وبالفعل اعتبارا من يوم 15 أكتوبر، ركز العدو هجماته وضرباته المضادة القوية المتفوقة ضد رءوس الكبارى على طول المواجهة، ووجهة جهوده الرئيسية بصفة خاصة ضد الجانب الأيمن للجيش الثانى الميدانى وتوالت هجمات العدو الليلية بوتيرة عالية. واستمر العدو حتى 17 أكتوبر فى شن الضربات والهجمات ضد نفس اللواء، يلقى بقوات جديدة إلى المعركة مستغلا فيض الأسلحة الأمريكية التى أصبحت تصل إليه من العريش بدلا من ميناء حيفا توفيرا للوقت، فدفع بأربعة لواءات مدرعة جديدة لتعويض الخسائر الفادحة التى ألحقناها به أثناء ضرباته المضادة ضد ذلك القطاع الضيق من خط الجبهة، فدفع فى هذه المرحلة ب 1200 دبابة هاجمت معظمها القطاع الأيمن للجيش الثانى الميدانى وتحطم خلال هذا القتال العنيف جزء كبير منها، وبالتالى فشلت عدة مرات من فتح الثغرة أو دعم القوات التى تسللت إلى الغرب. إلا أن العدو تمكن خلال نفس الفترة من عبور بعض القوات الصغيرة مستغلا ظلام ليلة 15/16 أكتوبر ليغطى به آثار الأعمال الحربية المجيدة للقوات المسلحة المصرية والسورية لرفع الحالة المعنوية للجيش والشعب الإسرائيلى التى كانت قد تدهورت ووصلت إلى الحضيض تماما، واستمر على دفع قوات جديدة طوال الفترة من 15 إلى 19 أكتوبر حتى تمكن فى النهاية من دفع أحد اللواءات نحو الشمال مسافة 8 كم، لكنه لم ينجح فى أى هجوم مضاد بل فشلت جميع هجماته وتكبد فيها خسائر فادحة واستولت قواتنا على الكثير من المعدات الصالحة والأسرى. وعلى الضفة الغربية للقناة، قامت القوات الإسرائيلية المتسللة صباح السادس من أكتوبر بالتسرب صوب مواقع الصواريخ المضادة للطائرات وهاجمتها بالنيران وأسكتت البعض منها مما أحدث ثغرة فى نظام دفاعنا الجوى، استغلتها قوات العدو الجوية فى مهاجمة مؤخرة قواتنا، وستر أعمال القوات المدرعة المتسللة التى اصطدمت ببعض القوات المصرية، فتمكنت من تدمير جزء من دبابات العدو وأجبرت الباقى على الاختفاء فى منطقة الأحراش حول الدفرسوار. وكانت القيادة المحلية فى موقع التسلل على يقين من قدرتها على القضاء على باقى قوة التسلل المعادية ولهذا دفعت قوة صغيرة كلفتها بالقضاء عليها إلا أن العدو استمات فى فتح الثغرة ودعمها وألقى بكل ثقله الجوى ضد أعمال قواتنا البرية غرب القناة. رأت القيادة العامة المصرية ضرورة التدخل لإنهاء هذا الوضع وأصدرت أوامرها بعدم العمل بقوات صغيرة وقررت استخدام لواء كامل من الاحتياطات الموجودة بالغرب لتدمير قوات العدو هناك، وكانت خطة القيادة العامة تقضى بحصار القوات المتسللة فى أضيق مساحة فى الغرب وسرعة تدميرها بواسطة ذلك اللواء من الاحتياطى والعمل على حرمان العدو من تدعيمه لقوته فى الغرب بغلق مداخل الثغرة من الشرق بواسطة قوات من الجيش الثالث تقوم بالهجوم شمالا على امتداد الشاطئ الشرقى للبحيرات المرة للاتصال بقوات من الجيش الثانى تهاجم جنوبا من داخل رأس كوبرى الفرقة 16 مشاة. ولكن لم يحقق الهجوم المضاد للواء المصرى النتائج المرجوة وذلك لتركيز العدو مجهوده الجوى لمساعدة قواته الموجودة هناك المنتشرة فى المناطق الزراعية وداخل الحدائق والأحراش واختفائها داخل المبانى الخالية فى المعسكرات المهجورة، لذا لم تتمكن قواتنا من حصر تجميع العدو الرئيسى وتدميره بالكامل. وعلى الضفة الشرقية لقناة السويس تم دفع لواء مدرع من داخل رأس كوبرى الجيش الثالث للهجوم والاتصال بقوات الجيش الثانى وإتمام إغلاق الثغرة من جهة الشرق، وبنهاية يوم 16 أكتوبر وصلت المسافة بين القوات التى دفعت من الجيشين الثالث والثانى إلى حوالى 4 كيلو مترات ولكنها لم تتمكن من تحقيق الاتصال الذى استمات العدو لمنعه وتوقفت العناصر المتقدمة للواء المدرع جنوب النقطة الحصينة عند تل سلام على الضفة الشرقية للبحيرات المرة الكبرى. وتوالت إشارات القادة الإسرائيليين التى تمكنت أجهزتنا من التقاطها، تطلب الإذن بتأجيل تنفيذ المهام لفداحة الخسائر وخطورة الموقف وعنف النيران المصرية التى تسد فى وجوهم كل طرق الاقتراب إلى القناة، ولكنه علم أن قرار وقف النيران على وشك الصدور وبالتالى سيكون سريانه ضمانا له فى مغامراته التى بدت ملامح فشلها، ولهذا قرر الاستمرار فى المغامرة رغم ما حاق به من خسائر، وبالتالى تأهبت القوات المصرية لتوجيه الضربة القاضية ضدها عندما جاءها قرار وقف اطلاق النار الذى أصدره مجلس الأمن بتأييد من المجتمع الدولى كله، وبالفعل أعلنت مصر وإسرائيل عن قبول هذا القرار ليسرى من الساعة 1825 يوم 22 أكتوبر واحترمت مصر القرار الذى كان ينص على انسحاب إسرائيل من كل الأراضى العربية المحتلة إلى حدود 4 يونيو 1967 وأصرت على البدء فورا فى تنفيذ ذلك، أما سوريا فقبلت إيقاف النيران يوم 24 أكتوبر. وعلى هذا استمر العدو يعزز قواته تدريجيا فى الغرب مبتدئا باستخدام المعدات البرمائية ثم المعديات، وبعد أن تمكن من دفع العناصر الأمامية للواء الأيمن للفرقة 16 المشاة شمالا، أنشأ كوبرى استخدمه فى عبور قواته إلى الغرب. وكان ذلك الكوبرى بعيدا عن طائلة أسلحة المشاة ولكن بفضل التعاون الوثيق بين قائد مدفعية الجيشين الثانى والثالث، أمكنهما أن يحولا معبر الكوبرى إلى جحيم مستمر وغرق الكوبرى والدبابات من فوقه. وأخيرا جاءت المرحلة الرابعة من الحرب، وقامت قواتنا المسلحة خلال هذه الفترة بحصر قوات العدو التى نجحت فى العبور غرب القناة وتدمير عناصرها التى اقتربت من مدينة الإسماعيلية تهدف إلى الاستيلاء عليها، وتمكنت قواتنا المسلحة بالتعاون مع عناصر الدفاع الشعبى وقوات الشرطة والأهالى من حصر قوات العدو فى قطاع ضيق ملاصق للقناة شمال البحيرات المرة فى مناطق الأشجار والأحراش. وقامت قواتنا الجوية خلال هذه المرحلة بألف وخمسين طلعة لحماية الأهداف الحيوية والقوات البرية ضد الهجمات الجوية المركزة التى حاول العدو توجيهها مرتين ضد بعض الطائرات والقواعد الجوية دون نجاح وأيضا حماية قطاع بورسعيد، كما قامت بمهاجمة قوات العدو شرق وغرب منطقة الدفرسوار وأغرقت كوبرى آخر للعدو. ويكفى دفاعنا الجوى فخرا أنه دمر للعدو 40 طائرة خلال هذه المرحلة والتى بلغ حجم طلعات العدو الجوية فيها نحو 700 طلعة طائرة. واستمرت القوات البحرية فى تنفيذ مهامها فى البحرين الأبيض والأحمر، فقامت بقصف منطقة رأس سدر باللنشات المسلحة وصدت محاولات العدو الكثيرة للاقتراب من منطقة بورسعيد وبعض مراسينا على البحر الأحمر فى الغردقة ليلة 18/19 أكتوبر، كما دمرت مجموعة من الضفادع البشربة التى حاولت مهاجمة بعض القطع البحرية فى ميناء بورسعيد، وأغرقت القوات البحرية خلال نفس الفترة لنشا مسلحا للعدو وأصابت لنشا آخر ليلة 21/22 أكتوبر، وخلال هذة الفترة تم تدمير 1 إلى 2 هليكوبتر حاولت إنقاذ أفراد هذه اللنشات المصابة، واستمرت غواصاتنا ومدمراتنا فى فرض سيطرتها على مياة البحرين وقطع مواصلات العدو البحرية وغلق موانيه.