فى الحلقة الماضية استعرض اللواء دكتور طلعت موسى أحد أبطال حرب أكتوبر أحداث الأيام الأولى لحرب أكتوبر وكيف استطاع الجندى المصرى أن يقهر الصلف الإسرائيلى ويحطم أسطورة الجيش الذى لا يقهر. ويواصل اللواء طلعت موسى خلال هذه الحلقة حديث الذكريات فى حواره مع «أكتوبر» حول ما تم خلال مراحل القتال على طول الجبهة المصرية وكيف لقن الجيش المصرى الجيش الإسرائيلى درسًا لن ينساه. * لماذا توقفت القوات فى يوم 10 أكتوبر؟.. ولماذا لم تستكمل تطوير الهجوم شرقا؟ ** قامت تشكيلات الجيوش الميدانية بصد العشرات من الهجمات المضادة للعدو فى محاولة لاختراقها أو الالتفاف حولها أو تطويقها، ونظرا للخسائر الفادحة التى تحققت لديه فى الأيام الأولى للقتال أكثر من 200 دبابة.. فقد اتصلت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل بريتشارد نيكسون رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية يوم 8 أكتوبر وهى تصرخ: «أنقذوا إسرائيل»، فما كان إلا أن بدأ الإمداد الأمريكى بالدبابات والمعدات التى تم تدميرها عن طريق الجسر الجوى من أمريكا إلى مطار العريش إلى ميدان المعركة مباشرة.. ولقد تم أسر دبابات للعدو يشير عداد المسافة بها إلى قطع حوالى 150 كم وهى المسافة من مطار العريش إلى ميدان المعركة. ولذلك كان للوقفة التعبوية لمدة أربعة أيام أهداف تعبوية مهمة لصالح قواتنا أستطيع أن ألخصها فى الآتى: 1- ضمان ثبات وتعزيز رءوس الكبارى عن طريق استكمال أعمال التجهيز الهندسى لتوفير الوقاية للقوات ولتكون قاعدة قوية للتطوير بعد ذلك. 2- انتقال عناصر وحدات الدفاع الجوى إلى شرق القناة وإجراء التجهيز الهندسى الملائم لها لتوفير الحماية لقواتنا أثناء أعمال القتال. 3- ضمان تحقيق الاتزان الاستراتيجى فى المسرح بفضل وجود الانساق الثانية للجيوش الميدانية واحتياطيات القيادة العامة غرب القناة. 4- إعادة تنظيم وتجميع القوات فى رءوس الكبارى والاستكمال الإدارى والفنى بالاحتياجات. * وكيف تم تطوير الهجوم فى 14 أكتوبر؟ ** ظهر من سير أعمال القتال فى المرحلة الأولى للعملية الهجومية الاستراتيجية أن العدو يركز جهوده الرئيسية لإيقاف هجوم القوات بصورة مباشرة، ولهذا ركزت إسرائيل مجهودها الرئيسى ودفعت جزءا كبيرا من احتياطياتها التعبوية والاستراتيجية نحو الجبهة السورية، حيث اضمحلت هجمات العدو المضادة وتحولت بعض قواته لتجهيز خطوط دفاعية جديدة إلى الشرق من رءوس الكبارى بعيدا عن قواتنا، ولإحباط مخطط العدو قررت القيادة المصرية إجبار العدو على نقل جهوده صوب سيناء لتخفيف الضغط على سوريا، ولإجبار العدو على المناورة تقرر التعجيل بقيام القوات المصرية بالضغط شرقا على العدو فى سيناء. وتلخصت فكرة عملية التطوير يوم 14 أكتوبر فى دفع أربعة مفارز مدرعة ميكانيكية على المحاور الرئيسية الأربعة فى سيناء: بقوة لواء مدرعة وكتيبة مشاه ميكانيكية فى اتجاه ممر متلا الجبلى، وبقوة لواء ميكانيكى فى اتجاه ممر الجدى، وبقوة 2 لواء مدرع فى اتجاه المحور الأوسط، وبقوة لواء مدرع فى اتجاه المحور الساحلى، وتعرضت خلال تقدمها إلى ستائر الصواريخ المضادة للدبابات التى وصلت حديثا من الولاياتالمتحدةالأمريكية. ولكن المفارز تمكنت من التوغل لمسافة 12 -15كم وأوقعت به خسائر كبيرة، واحتلت بعض مواقعه، ورجحت كفة قواتنا فأسرع بتحويل جهد قواته الجوية من الجولان إلى سيناء. * تمكنت القوات الإسرائيلية من العبور إلى غرب القناة.. فيما أطلق عليه بالثغرة.. فكيف كانت بداية هذا العمل؟.. وما حجمه الحقيقى من وجهة النظر العسكرية؟ ** تأكدت القيادة العامة المصرية من عزم العدو على شن الهجمات والضربات المضادة يوم 15 أكتوبر، حيث لاحظت أنه حشد ستة ألوية مدرعة واثنين لواء ميكانيكى فى مواجهة رءوس الكبارى. واعتبارا من النصف الثانى من يوم 15 أكتوبر نشط فىتوجيه الضربات المضادة ضد رءوس الكبارى جميعا وركز جهوده على الجانب الأيمن للجيش الثانى الميدانى ثم توالت هجماته الليلية بوتيرة عالية بهدف الاستيلاء على جزء من الضفة الشرقية للقناة لإنشاء المعابر اللازمة لنقل جزء من قواته إلى الضفة الغربية، ولم ينجح إلا فى دفع بعض العناصر الأمامية لمسافة 2 -3كم، وتمكن تحت ستر الهجمات المضادة الليلية من أن يدفع بقوات صغيرة لا يتجاوز حجمها سرية دبابات وسرية مشاه ميكانيكية، تسللت تحت ستر الظلام إلى مطار الدفرسوار المهجور، واختبأت داخل الأشجار تحت الأحراش الكيفة فى تلك المنطقة.. وفى نفس الوقت دفع بأكثر من أربعة لواءات مدرعة حوالى 400 -450 دبابة للقيام بهجمات مضادة على نفس الجانب الأيمن للجيش الثانى الميدانى، وذلك طوال الفترة من 15- 19 أكتوبر حتى تمكن من دفع اللواء 16 مشاه الجانب الأيمن للفرقة 16ش نحو الشمال، ولم ينجح فى أى هجوم مضاد ضد أى من رءوس الكبارى الأخرى. وخلال هذه المرحلة توالت إشارات القادة الإسرائيليين- التى تمكنت أجهزتنا من التقاطها- تطلب الإذن بتأجيل تنفيذ المهام لفداحة الخسائر وخطورة الموقف.. وعنف النيران المصرية التى تسد فى وجوههم كل طرق الاقتراب إلى القناة. ولعلم العدو بقرب صدور قرار وقف إطلاق النار فلقد قرر الاستمرار فى المغامرة رغم ما لحق به من خسائر، فاستمر يعزز قواته تدريجيا فى الغرب، وطوال تلك الفترة لم يتمكن من تعديه سوى لواء مدرع واحد استغل بقاياه الممزقة من جحيم المدفعية المصرية فى عمل الكمائن حول الدفرسوار وتشكيل الدوريات الصغيرة 1-2 للتسلل إلى مواقع الصواريخ المضادة للطائرات لإخلال نظام الدفاع الجوى، وكانت المساحة التى يحتلها يوم 22 أكتوبر وهو يوم صدور قرار وقف إطلاق النار رقم 338 لا تتعدى 40كم غرب القناة. وعلى امتداد تلك الفترة قامت بعض القوات المصرية من المشاه والدبابات الموجودة على الضفة الغربية وبعض احتياطيات القيادة العامة من عناصر الصاعقة والمظلات بالهجوم على قوات العدو المتسللة لحصرها وتدميرها وأنزلت بها خسائر ثقيلة، وكان الجنرال أندريه بوفر المدير السابق للمركز الاستراتيجى الفرنسى أول من أطلق عليه اسم «المعركة التليفزيونية». * لماذا ركز العدو على فتح الثغرة من الدفرسوار بالذات؟.. ولماذا اختار لها هذا التوقيت؟ ** لقد تم التخطيط لعمل الثغرة منذ عام 1970 عندما كان الجنرال شارون قائدا للمنطقة الجنوبية، ووضع فىتصوره أنه يمكن له أن يعبر ويطوق ويحاصر مدينة بورسعيد شمالا.. وخرج من الخدمة وعمل فى الحقل المدنى.. ولكن تم استدعاؤه مع قيام الحرب فى أكتوبر 1973 وأوكل إليه قيادة مجموعة عمليات.. ودفعه ليعمل تحت قيادة الجنرال جونين قائد المنطقة الجنوبية الأحدث منه تحت ضغط الهجوم المصرى، مما كان له الأثر الكبير فى المشكلات الكثيرة داخل القيادة الإسرائيلية على الجبهة المصرية وكان شارون هو قائد مجموعة العمليات التى كلفت بالضغط على الجانب الأكبر للفرقة 16 فى المزرعة الصينية فى اتجاه الدفرسوار وكان يهمه كثيرا أن ينفذ خطته التى أعدها عام 1970. من ناحية أخرى قامت طائرة الاستطلاع الأمريكية يوم 13 أكتوبر باختراق سماء مصر قادمة من الشمال.. من الإسكندرية إلى القاهرة إلى أسوان والعودة إلى القاهرة فى اتجاه الإسماعيلية ثم فى اتجاه سيناء على ارتفاع 25 كم خارج مدى نيران وسائل الدفاع المصرية، وأرسلت نتائج التصوير إلى القيادة الإسرائيلية مباشرة حيث أوضحت أوضاع القوات المصرية فى الجبهة شرق وغرب القناة، وأوضحت وجود الفاصل بين الجيشين، مما جعل القيادة الإسرائيلية تدفع باحتياطيها الاستراتيجى فى منطقة الدفرسوار للعبور، ولكنه واجه جحيما من النيران وتحطمت هجماته المضادة على صخرة دفاع اللواء 16 مشاه فى المزرعة الصينية والخسائر الفائقة التى تكبدها العدو فى هذه المعركة، مما تسبب فىتأخير محاولاته للعبور غربا. وعندما تمكن من العبور ليلة 15 /16 حاول الاتجاه شمالا لمهاجمة والاستيلاء على مدينة الإسماعيلية، ولكنه تكبد خسائر فادحة على أيدى رجال الصاعقة فى مدخل مدينة الإسماعيلية فى المنطقة الزراعية المحيطة بها.. ولم يتمكن من احتلالها مما اضطره إلى تحويل الهجوم جنوبا مستغلا صدور قرار وقف إطلاق النيران رقم 388 الذى صدر يوم 22 أكتوبر سن 1852. وقام العدو بهذه العملية بالرغم من علمه بأنها خاسرة لكى يكسب نصرا دعائيا.. يحاول رفع معنويات جنوده وشعبه.. بعد الغطرسة التى كان يشعر بها قبل ذلك.. وأن الخبراء العسكريين يعرفون تماما أن القوات الإسرائيلية الموجودة غرب القناة هى فى مصيدة ومحكوم عليها بالإعدام وخير دليل على ذلك ما قاله الجنرال أندريه بوفر الفرنسى أبرز فلاسفة الحرب المعاصرين. * حضرت حرب 67 وذقت مرارة النكسة وحاربت عام 73 وذقت حلاوة النصر.. هل لك أن تحدثنى عن نوعية الجندى المصرى فى كلتا الحالتين؟ ** الجندى المصرى خير أجناد الأرض وله تاريخ حافل طويل عبر آلاف السنين، وكانت له فتوحات عظيمة ضد الغزاة ورد المعتدين وتاريخ العسكرية المصرية حافل بالعديد من الأمثلة لهذا المقاتل الذى ذكره الله فى القرآن وقال عنه «إنه خير أجناد الأرض». والجندى المصرى الذى خاض حرب 48 هو نفس الجندى الذى خاض حرب 56، وهو نفس الجندى الذى خاض حرب 67 وهو الذى خاض حرب 1973 أيضا، ولكن الظروف المحيطة به فى كل حرب من هذه الحروب هى التى اختلفت طبقا للظروف السياسية والعسكرية العالمية والإقليمية والمحلية التى قاتل فيها.. وما من مرة حدث قتال بين الجندى المصرى وعدوه إلا وقاتل بشجاعة فائقة وإقدام وبروح معنوية عالية.. شعاره النصر أو الشهادة..