فى السنوات الأخيرة وخاصة بعد ثورة 25 يناير برز دور المرأة المصرية بقوة فى الحياة السياسية خاصة بعد مشاركتها المميزة فى الانتخابات الأخيرة سواء الانتخابات الرئاسية أو الاستفتاء على الدستور، وقد تكون أصوات المرأة هى التى حسمت نتائج هاتين المعركتين، وينتظر الجميع الدور الذى ستلعبه المرأة المصرية فى الانتخابات البرلمانية المقبلة سواء كمشاركة بالتصويت أو كمرشحة لعضوية البرلمان، وهو ما أثار التساؤلات حول دور المرأة المصرية فى الحياة السياسية والبرلمانية فى العصور السابقة، وهل كان لها بالفعل دور فاعل أم لا، وهو ما أجابت عنه الدراسة التى أعدها المؤرخ إبراهيم العنانى عضو اتحاد المؤرخين العرب والتى عرضها خلال الندوة التى عقدها المجلس القومى للمرأة بالإسكندرية برئاسة د.بهية شاهين مقررة المجلس حول الدور السياسى للمرأة المصرية فى التاريخ الحديث فى إطار حملة التوعية التى يقيمها المجلس قبل الانتخابات البرلمانية القادمة .يقول إبراهيم العنانى فى دراسته، فى عام 1907 تأسس الحزب الوطنى بزعامة مصطفى كامل وشاركت المرأة فى أنشطته، ولكن قبلها أسست ملك حفنى ناصف الاتحاد النسائى ومارست العمل السياسى من أجل المرأة ووقفت أمام الحكومة. واذا كان المؤرخون يعتبرون أن ثورة 1919 هى بداية نهضة المرأة بعد أن خرجت 500 سيدة فى مظاهرة تطالب بالإفراج عن سعد زغلول وأرسلن خطابا لزوجة المعتمد البريطانى بذلك، ولكن الحقيقة، كما يذكر إبراهيم العنانى أن أول سيدة قامت بالكفاح للمطالبة بحقوق المرأة السياسية هى «هند نوفل» والتى أصدرت مجلة عام 1892 وفتحت المجلة للكاتبات من النساء المصريات والأجانب وسميت برائدة الصحافة النسائية وكانت تستعين بأمثلة من السيدات الأجنبيات لتطالب بحقوق المرأة السياسية. حقوق المرأة وفى عام 1908 شاركت المرأة فى التوقيع على العريضة التى قدمها الحزب الوطنى للخديوى للمطالبة بإنشاء مجلس نيابى، وفى عام 1910 مثلت السيدة «انشراح شوقى» المرأة المصرية فى المؤتمر الدولى الذى عقد فى بروكسل من أجل تأييد مصر، كما شهد عام 1914 تكوين (الرابطة الفكرية للنساء المصريات) للمطالبة بحقوق المرأة السياسية، وفى عام 1923 أنشئ الاتحاد النسائى برئاسة السيدة «هدى شعراوى» وطالبت بحقوق المرأة فى الترشيح والتصويت واقترن أول برلمان لمصر بعد إعلان 28 فبراير 1922 بتصاعد الدعوة للمطالبة بمنح المرأة حقوقها السياسية بيد أن نصوص دستور 1923 لم تتضمن ما يشير إلى حقوق المرأة السياسية إذ نصت المادة 3 من كل من دستورى 1923، 1930 على أن: «المصريين لدى القانون سواء» وهم متساوون فى التمتع بالحقوق السياسية والمدنية وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين. إلا أن قوانين الانتخاب الصادرة قصرت الحقوق السياسية على الرجال دون النساء، وقد شهدت الأربعينيات تكوين أول حزب نسائى مصرى تحت اسم (نساء مصر) 1942 برئاسة «فاطمة نعمت راشد» وطالب الحزب بمنح المرأة الحق فى الانتخابات والترشيح فى المجالس النيابية وقد ساندها فى مطالبها «سلامة موسى، وطه حسين، وزكى عبد القادر». ويضيف إبراهيم العنانى قائلا إن الرائدة «منيرة ثابت» عميدة الصحفيات عام 1925 قد شكلت هذه القضية أهم معاركها على صفحات الصحف المصرية عام 1925 إلى حد أنها ألفت كتابًا عنوانه (حقوق المرأة السياسية) وأول رسالة مباشرة كتبتها «منيرة ثابت» تحت عنوان (البرلمان المصري) الذى افتتح فى 15 مارس 1924 وكان الذى تلقى هذه الرسالة هو الزعيم «سعد زغلول» وكان مضمون الرسالة الأولى التى تلقاها هذا البرلمان فور انتخابه يعيب على دستور 1923 الذى جاء بهذا البرلمان وبهؤلاء النواب أنه أغفل الحقوق السياسية للمرأة فهى ليست ناخبة وهى ليست مرشحة والنتيجة أن نصف الأمة يتفرج على ما يفعله نصفها الآخر. تعديل قانون الانتخابات لقد جاهدت المرأة عبر التاريخ للحصول على حقوقها السياسية وعلى سبيل المثال: (1) فى عام 1924 صدر بيان مشترك للجنة التحضيرية للسيدات الوفديات والاتحاد النسائى المصرى يتضمن المطالبة النسائية، وقد أرسل البيان إلى الصحف وأعضاء البرلمان والمحافل الدولية وتضمن البيان المطالبة بتعديل قانون الانتخاب باشتراك النساء مع الرجال فى حق الانتخاب. (2) فى عام 1942 أقر الحزب النسائى المصرى برئاسة «فاطمة نعمت راشد» الحقوق السياسية للمرأة، حيث كان من أهم أولويات برامج الحزب مساواة الرجل بالمرأة فى الحقوق السياسية. (3) فى 12 مارس 1952 قامت مظاهرة نسائية تطالب بدخول المرأة للبرلمان واعتصمت المتظاهرات فى دار نقابة الصحفيين وأضربن عن الطعام وكان من ضمن المعتصمات «درية شفيق، وراجية حمزة، وأمانى فريد ومنيرة حسنى». أما الدستور المصرى الصادر سنة 1956 فقد أعطى للمرأة الحق فى الانتخاب إذ نص: «على كل مصرى ومصرية بلغ ثمانية عشرة سنة ميلادية أن يباشر الحقوق السياسية متمثلة فى الاستفتاء الذى يجريه لرئاسة الجمهورية وكل استفتاء آخر ينص عليه الدستور». أما الدستور الصادر سنة 1971 فلقد نصت المادة 40 منه: «أنه لا تمييز بسبب الجنس بين الرجل والمرأة فى أى حقوق ومنها الحق فى الانتخاب والترشيح لعضوية المجالس النيابية.. كما نص على أن المعاهدات الدولية التى توافق عليها الدولة تعتبر فى حكم القانون الداخلى. وعلى المستوى العربى نظمت جامعة الدول العربية أول مؤتمر تحت عنوان (المرأة العربية والتنمية) وأنشأت الجامعة لجنة المرأة العربية وإدارة خاصة بها. وفى 14/12/1986 صدر الإعلان العالمى للحق فى التنمية الذى اعتبر التنمية حقًا من حقوق الإنسان وهو حق عالمى وغير قابل للتصرف أى لا يمكن للإنسان التنازل عنه وهو حق مخاطبة الدول والمجتمعات والأفراد على كل المستويات وهو مسئولية الدول ومسئولية الفرد ومسئولية المجتمعات لخلق الظروف المواتية لتحقيق هذا الحق، وقد أشار تقرير التنمية البشرية 1994 الذى أصدره برنامج الأممالمتحدة الإنمائى إلى مفهوم الأمن الإنسانى بأبعاده ومنه الأمن السياسى ويعنى أن تستطيع المرأة ممارسة حقوقها المنصوص عليها فى الدستور والقوانين والمعاهدات الدولية.. وأيضًا حقها فى الإدلاء بصوتها فى الانتخابات وترشيح نفسها للمجالس النيابية دون أى ضغوط. وقد صَّدقت مصر على هذه المعاهدات والاتفاقيات الدولية لتعزيز مساهمة المرأة فى الحياة العامة والسياسية، كما وقّعت على الاتفاقية الدولية لمناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة والاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة، وبالتالى تعبر المعاهدات الدولية عن حقوق المرأة والتى وقعت عليها مصر جزءا من النظام القانونى المصرى الذى لا يفرق بين الفرص التى يحصل عليها المواطنون سواء كانوا ذكوراً أو إناثا. ويحدثنا التاريخ عن جهود المرأة فى الحصول على حقها النيابى ونذكر من ذلك ما حدث فى فبراير عام 1952 عندما أعلن الهلالى باشا «رئيس الحكومة» عزم حكومته على إجراء انتخابات برلمانية جديدة فبادر عدد من رائدات النشاط النسائى بتقديم أوراق ترشيحهن لمجلس النواب مشفوعة بقيمة التأمين وقدرها 150 جنيها وتصدرت هذه الرائدات الدكتورة «درية شفيق» رئيسة اتحاد بنت النيل واختارت الترشيح فى دائرة عابدين ولكن محافظ القاهرة «محمد كامل القاويش بك» رد إليها الأوراق والتأمين ومعها خطاب اعتذار بأن قانون الانتخاب ينص على أن حق الانتخاب والترشيح مقصور على الذكور ولم يقتنع اتحاد بنت النيل بهذا الرد، وأعلَّن عزمهن على رفع الأمر إلى مجلس الدولة، حيث نص الدستور على المساواة بين المصريين فى الحقوق والواجبات وبذلك فإن قانون الانتخاب يخالف الدستور بقصر الانتخاب على الذكور فقط، والدستور أولى بالتنفيذ من قانون الانتخاب لأن الدستور «الأصل» والقانون «فرع»، ومن بين المرشحات من اتحاد بنت النيل (د. درية شفيق) مرشحة عابدين وهى صحفية تصدر ثلاث مجلات.. وأمينة رشاد مرشحة المعادى ونالت رتبة اليوزباشى بين المتطوعات فى الجيش أيام حرب فلسطين– ورفيعه فاضل «مرشحة فم الخليج» وكانت تشرف على مدرسة مكافحة الأمية والآنسة «روحية القلينى» مرشحة دسوق وكانت معلمة وشاعرة، «وفتوحه عثمان» مرشحة مصر الجديدة وكانت مراقبة معاهد المعلمات والمدارس الابتدائية فى وزارة المعارف، والآنسة «أمينة مصطفى خليل» مرشحة المنشية بالإسكندرية تخرجت فى كلية الحقوق عام 1948 وعملت بالمحاماة وتقدمت للالتحاق بوظائف النيابة فلما رفض طلبها رفعت أمرها إلى مجلس الدولة ولم تتم الاستجابة لطلبها. بنت النيل ويضيف العنانى أن السيدة «درية جمعة» مرشحة محله روح عضو مؤسس فى اتحاد بنت النيل وجمعية الهلال الأحمر ومبرة الأميرة فريال واشتركت فى المظاهرة النسائية التى ذهبت إلى البرلمان للمطالبة بحق المرأة فى الانتخاب.. والسيدة «أمينة شكري» مرشحة الرمل بالإسكندرية تعلمت بالمدارس الأجنبية، السيدة إيزابل وجدى «مرشحة العطارين بالإسكندرية» أول مصرية اشتغلت بالمحاماة بالإسكندرية.. ورغم مطالبتهن بالترشيح فى مجلس الأمة فإنه لم تتحقق أحلام المرأة المصرية فى الحصول على حق الانتخاب والترشيح فقد تراجع الهلالى باشا عن قراره بإجراء الانتخابات وأعيدت الأوراق والتأمينات إلى أصحابها وبقيت قضية الحقوق السياسية للمرأة معلقة إلى أن قامت ثورة 23 يوليو وصدر دستور 1956 وتضمن لأول مرة حق الانتخاب والترشيح للمرأة المصرية. ويسجل التاريخ أن الدكتورة «درية شفيق» قد كرست جهودها وبخاصة فى الفترة التى أعقبت قيام ثورة يوليو 1952 من أجل إعطاء المرأة حق الانتخاب والتصويت، وقد اتبعت أسلوبًا عنيفًا فى هذا السبيل، حيث اعتصمت عام 1954 فى نقابة الصحفيين ودعت مندوبى الصحافة العالمية ووكالات الأنباء لتسجيل هذا الحدث التاريخى فى محاولة منها للضغط وصولاً إلى الهدف المنشود.. كما أن «درية شفيق» اعتصمت وأضربت عن الطعام ولجأت إلى سفارة الهند. ويقول إن أحدًا لا ينكر أن الدكتورة «درية شفيق» قد قادت حركة المرأة فى وقت من الأوقات وكان له تأثيرها ثم قامت «درية شفيق» باعتصامها الثانى عام 1957 وهى فى دائرة الظلال لا تستطيع أن تخرج منها ولا تجد منفذًا للحياة العامة إلى أن وقع الحادث فى صباح 20 سبتمبر 1975 عندما سقطت من الطابق السادس بالعمارة التى تقطنها لتنطوى صفحة التاريخ الحى وتبدأ صفحة التاريخ المكتوب.