حالة من الجدل تسود الأوساط الجماهيرية منذ تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسى على تعديلات قانون الضرائب بما يكفل زيادة حد الإعفاء من ضرائب الدخل إلى 6500 جنيه سنويًا، بحيث فتح هذا الإجراء الإيجابى فى نظر الكثيرين الباب لتداول العديد من التساؤلات المرتبطة بمدى مصداقية النظام الضريبى، وقدرته على تحقيق الأهداف الرئيسية لأى نظام ضريبى المتمثلة فى تأمين حصيلة معتبرة للخزانة العامة وأدراك المزيد من العدالة الاجتماعية.«الضرائب»، كما تعرفها د. هويدا عبدالعظيم، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، فريضة إلزامية تقوم الدولة بتحديدها بما تتمتع به من سيادة، ويلتزم الممول بأدائها متى انطبقت عليه شروطها دون مقابل تحقيقا لأهداف المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأنها بذلك أفضل الوسائل الإيرادية، التى تتفق مع طبيعة الحاجات الاجتماعية، وتنقسم الضرائب إلى «ضرائب مباشرة» تقتطع عند المنبع على الدخل والثروة، و«غير المباشرة»، وتفرض على الاستهلاك. أشكال الضرائب وتلجأ كل دولة إلى شكل محدد من الضرائب أو الاثنين معا، حسب أهداف السياسة الاقتصادية للدول، علما أن لكل نوع ميزات وعيوبا، فالضرائب المباشرة «الثروة والدخل»، تتميز بمراعاتها البعد الاقتصادى للمكلف بما يجعلها أكثر قدرة على تحقيق العدالة الاجتماعية، فضلا عن أنه يسهل التنبؤ بها لتمويل النفقات العامة، ويصعب تجنبها أو التهرب منها لأنها تقتطع من المنبع مثل ضريبة الأجور مثلا، لكن يعاب على هذه النوعية من الضرائب أن الأغنياء هم الأقدر على التهرب منها، وأنها لا تتسم بالمرونة بمعنى لا تتغير بتغير الظروف الاقتصادية «تضخم مثلا أو ركود». أما الضرائب غير المباشرة (المبيعات والمشتريات والصادرات والواردات) التى تفرض على الاستهلاك، والكلام ل د. هويدا، تتسم بأنها تحقق التوازن فى الأسواق، بحيث يمكن زيادتها على سلع دون غيرها، علاوة على أنها ضريبة مرنة تستجيب للتغيرات الحاصلة فى السوق «تضخم أو ركود»، ولا يشعر بها الممول لأنها جزء من سعر السلعة، ويصعب التهرب من دفعها لذا لا تتطلب كفاءة الجهاز الضريبى، وأخيرًا تلعب دورا ملموسا فى تخصيص الموارد فى الأسواق، إلا أنه يعاب عليها أنها تؤثر سلبا على فائض المنتج «الربح»، والمستهلك «الادخار»، ولا تحقق العدالة الاجتماعية كونها تفرض على الغنى والفقير بنفس النسبة. هذا وقد تطور النظام الضريبى المصرى بحسب د. سالى فريد مدرس الاقتصاد بمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، للاعتماد على الضريبة الموحدة، فيعتمد على تجميع الدخول الصافية للمكلف من كافة المصادر فى وعاء واحد، ثم فرض الضريبة على مجموع هذه الدخول من دون تمييز بين طبيعة أو مصدر هذه الدخول، واتباع إجراءات موحدة فى التحقق والتحصيل، وذلك بعد استبعاد مبالغ معينة لمراعاة الظروف الشخصية للمكلف 6500 جنيه سنويا وفقا لآخر التعديلات على قانون الضرائب. ويعتمد النظام الضريبى على المزج بين الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وأنه من الضرائب المباشرة الضريبة العامة على الدخول والأرباح، التى ينظمها القانون 91 لسنة 2005 ، التى تعد من أهم مصادر الإيرادات الضريبية، وتفرض على الدخل المتجدد الناتج عن المرتبات والأجور وما فى حكمها مثل أرباح المهن غير التجارية والأرباح التجارية والصناعية، وتحسب هذه الضريبة طبقا للتعديلات الأخيرة بشكل تصاعدى، فالدخول أقل من 6500 جنيه معفاة، والشريحة الثانية (6500 – 30000) تفرض عليها ضريبة 10% سنويا، والشريحة الثالثة (30000 – 45000) تفرض عليها ضريبة 15%، والشريحة الرابعة (45000 – 250000) ضريبة 20%، أما الشريحة الخامسة (أكثر من 250000 جنيه) تفرض عليها ضريبة 22.5%. ومن الضرائب المباشرة أيضا الضريبة على شركات الأموال التى تفرض على صافى الأرباح السنوية لشركات الأموال المشتغلة فى مصر أيا كان الغرض منها، ويحدد القانون رقم 91 لسنة 2005 وتعديلاته سعر هذه الضريبة ب 25%، بينما تم الإبقاء على بعض الاستثناءات، حيث يخضع كل من البنك المركزى وشركة قناة السويس والهيئة العامة للبترول لضريبة 40.5%، بينما تخضع الشركات المنقبة عن البترول والمنتجة له لضريبة قدرها 40% من الأرباح، ثم يجرى الحديث الآن عن فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية فى البورصة والتوزيعات النقدية وتداولات الأجانب سعرها 10%. فيما تفرض ضريبة على إيرادات الثروة العقارية، وفقا ل د. سالى فريد، وأن هناك ضريبتين من هذا النوع، الأولى، الضريبة على الأطيان الزراعية، ويحكمها القانون 131 لسنة 1939، وهى تفرض على الإيراد الناتج عن الملكية الزراعية، وتتخذ وعاء لها القيمة الإيجارية بسعر 14%، التى تقوم بتقديرها لجان إدارية بإعفاءات عديدة، أما الضريبة الثانية، الضريبة على المبانى، وتسرى على الإيرادات الناتجة عن ملكية المبانى ويتحملها المالك وتتخذ وعاء لها صافى القيمة الإيجارية المتخذة أساسا لربط الضريبة، وتحسب الآن على القيمة السوقية للعقار، والتى تحددها لجنة أنشأها القانون الجديد رقم 196 لسنة 2008. فيما تعد الضريبة العامة على المبيعات، أهم الضرائب غير المباشرة المطبقة فى مصر، وينظمها القانون رقم 11 لسنة 1991، والذى استبدل ضريبة الاستهلاك ب «ضريبة المبيعات»، وتطبق تلك الضريبة على السلع المحلية والمستوردة، والخدمات، وذلك بإعفاءات خاصة ينص عليها القانون، ويعد سعرها العام 10%، بينما تخضع بعض السلع إلى ضرائب متفاوتة من 1.2% إلى 45%، وذلك وفقا لجداول تحتوى على أسماء السلع والخدمات وأسعار الضريبة المستحقة عليها، فالخدمات المتعلقة بأعمال البناء تخضع لضريبة 1.2%، وتخضع السيارات المستوردة ذات السعة المرتفعة لضريبة 45%. وكذا تعد ضريبة التمغة من الضرائب غير المباشرة، وينظمها القانون 111 لسنة 1981، وتفرض على المحررات والعقود والأوراق والمطبوعات والسجلات وغيرها، وتمتد هذه الضريبة أيضاً لتشمل غير ذلك من العمليات المختلفة كالمراهنات واليانصيب والموازين، وتتضمن أيضاً استهلاك الكهرباء والغاز، علاوة على ذلك هناك عدد من الضرائب غير المباشرة أقل أهمية مثل رسوم السيارات ورسوم التسجيل ورسوم الملاهى وغيرها، وبالطبع، الضرائب الجمركية، وهى الضرائب المفروضة على السلع المستوردة. والجدير بالذكر أن الضرائب الجمركية قد شهدت انخفاضاً ملحوظاً عبر السنوات، وذلك بسبب اتفاقات التجارة الحرة المختلفة، سواء أكانت الاتفاقات الثنائية أو متعددة الأطراف كالجات أو منظمة التجارة العالمية وهو ما نتج عنه انخفاض شديد فى إيراد الضريبة الجمركية، والتى مثلت نحو 20 - 30% من إجمالى الضرائب حتى 2000/ 2001، ثم انخفضت لتمثّل نحو 4% من إجمالى الإيرادات الضريبية فى 2010/ 2011. إمكانيات مهدرة «النظام الضريبى فى مصر» فى رأى د.سلوى العنترى الخبيرة الاقتصادية يمثل نموذجا صارخا للإمكانيات الضخمة المهدرة والمحاباة لأصحاب الدخول المرتفعة، سواء تعلق الأمر بالسمات الرئيسية لذلك النظام أو بالحصيلة الفعلية للضرائب، بحيث يقوم النظام الضريبى تطبيق سعر ضريبة على الدخل والأرباح دون تفرقة بين المشروعات والأفراد من جهة، ويمثل هذا الوضع محاباة صريحة للدخول من عوائد الملكية مقارنة بدخل العمل، فيتم المساواة على سبيل المثال بين الحد الأقصى للضريبة على كل من الأجور والمرتبات والضريبة على أرباح شركات التطوير العقارى التى حققت أرباحا خيالية من الفرق بين السعر المدعم لأراضى الدولة التى خصصت لها وسعر متر المبانى التى تطرحها للبيع. ليس هذا فحسب، بل تعتبر د. العنترى الحد الأقصى لسعر الضرائب على أرباح المشروعات فى مصر 22.5% من أقل المعدلات فى العالم، كونه يتراوح بين 25% و35% فى معظم النظم الضريبية، ويصل إلى 40% فى الولاياتالمتحدةالأمريكية و41% فى اليابان، وتؤكد أن الزعم بأن خفض سعر الضريبة يجذب المزيد من الاستثمار بقولها، معدلات الضرائب على أرباح الشركات فى كل من الصين وماليزيا تبلغ 25% وفى كل من أندونيسيا والمكسيك 28% وفى الهند والبرازيل 34%، وجميعها دول تحقق معدلات مرتفعة للاستثمار والنمو، وأن خفض الضريبة فى مصر لم يترتب عليه طفرة فى الاستثمارات الوافدة. قضية الإنفاق القضية فى رأى د. عادل عامر، مدير مركز المصريين للدراسات الاقتصادية، لها بعد آخر يتمثل فى فاعلية الإنفاق العام، بحيث لا يجد المواطن أية فاعلية للانفاق العام، وبالتالى فإنه يتفنن فى سلك الطرق للتهرب من الضريبة أو تجنب دفعها، لأنها لا تعود عليه بأى فائدة تذكر، ومن ثم فلا مانع أبدا من أن ينفق الممول نصف ما يفرض عليه من ضرائب فى سبيل التهرب الضريبى، فالمواطن لا يلمس أى مردود للضرائب المدفوعة، وأن النظرة العامة فى مصر أنه لا يوجد نفقات عامة حقيقية، وأنه فى حال وجود نفقات عامة، فإنها لا تعادل قيمة الحصيلة الضريبة. ليس هذا فحسب، بل لا يتسم الإنفاق العام بالكفاءة والرشد، لأن الدولة لا تمتلك المقومات الصحيحة لعلاج المشاكل الاقتصادية، وأن القطاع الخاص فى مصر ضعيف وغير قادر على قيادة عملية التنمية، وأن موارده محدودة وتحميله بأعباء ضريبية أكبر سوف يؤثر على أداءه الاقتصادى، وبالتالى فإنه من الضرورى العمل على اصلاح هذه المنظومة بما يترتب عليها زيادة قدرة المجتمع على حشد حصيلة ضريبية كبيرة توفر للحكومة القدرة على الانفاق الفعال. وينبغى، وفقا ل د. عامر أن يتم استكمال السير فى اتجاه التحول إلى العمل بضريبة القيمة المضافة لما يمثله هذا التحول من إضافة هامة للنظام الضريبى المصرى، لأن ظاهرة التهرب الضريبى فى جزء كبير منها يرتبط بضريبة المبيعات، حيث تمثل ظاهرة البيع بدون فاتورة أوضح مظاهر التهرب الضريبى، لتأتى ضريبة القيمة المضافة لتغلق بابا مهما من أبواب التهرب الضريبى، حيث تسرى ضريبة القيمة المضافة على السلع عند تداولها من شخص إلى آخر منذ أن تكون مواد أولية إلى أن تصل إلى المستهلك النهائى. العدالة الاجتماعية «العدالة الاجتماعية»، فى رأى عبد الفتاح الجبالى مستشار وزير التخطيط والمتابعة والاصلاح الإدارى، يجب أن تكون قاعدة رئيسية تنطلق منها جهود إصلاح النظام الضريبى المصرى، نظرا لأن الدستور ينص فى مادته رقم (26) على أن العدالة الاجتماعية أساس الضرائب وغيرها من التكاليف المالية العامة، وهو ما يشير وبحق إلى جوهر النظام الضريبى فى المجتمع، وأنه فى هذا السياق، أشارت المحكمة الدستورية العليا إلى أنه ينبغى أن تكون العدالة الضريبية مضمونا لمحتوى النظام الضريبى وغاية يتوخاها، ويتعين تبعا لذلك أن يكون العدل من منظور اجتماعى مهيمنا عليها بمختلف صورها محددا الشروط الموضوعية لاقتضائها. وبالتالى، فإن النظام الضريبى الجيد، بحسب الجبالى، يتسم بالعدالة أى تساوى عبء الضريبة على جميع دافعى الضرائب وبحسب طاقة الفرد على الدفع، وبالأرقام، هناك انخفاض كبير فى مساهمة الضرائب فى الاقتصاد القومى والضعف الشديد فى الطاقة الضريبية، نتيجة محدودية المجتمع الضريبى، إذ مازال هناك العديد من الانشطة والقطاعات غير الخاضعة للضرائب، بسبب ما يتمتع أصحابها الأغنياء من نفوذ سياسى واجتماعى، وخير دليل على ذلك الضريبة الخاصة بالمعاملات الرأسمالية، والمشكلة أن هذه المقاومة جعلت صانع السياسة الضريبة، خلال العقود الأخيرة، يركز على زيادة الأعباء على الممولين الفعليين. هكذا، يعاقب النظام الضريبى المصرى الملتزم بفرض المزيد من الضرائب عليه بدلا من محاولة الوصول إلى الشرائح المجتمعية الأخرى، التى تتهرب من دفع الضرائب، مما يترتب عليه من ضعف شديد فى الجهد الضريبى، الذى يقاس بنسبة المتحصلات الضريبة إلى الناتج المحلى الإجمالى، فالأرقام تشير إلى تراجع الجهد الضريبى من 15.8% فى العام 2005 / 2006 إلى 13.4% عام 2013 / 2014، ذلك على الرغم من زيادة الحصيلة من 97.8 مليار جنيه إلى 260.4 مليار، وكذا هبطت نسبة تغطية الإيرادات الضريبية إلى المصروفات العامة من 47.1% إلى 37% فى 2013 / 2014. ويتجلى خلل المنظومة الضريبية، وفقا ل «الجبالى»، فى هيكل الحصيلة الضريبية الإجمالية، التى تتوزع بواقع 46.5% من الضريبة على الدخول والأرباح والمكاسب الرأسمالية، التى يأتى معظمها من أرباح هيئة البترول والشريك الأجنبى وقناة السويس والبنك المركزى، ثم تأتى الضريبة على الرواتب والأجور، التى شكلت 17.6% من إجمالى الحصيلة، فيما لا تمثل الضرائب على المهن الحرة إلا أقل من 0.5%، والضريبة على النشاط التجارى والصناعى 5.6%. تعديلات الحكومة لكن هانى قدرى وزير المالية أكد أن التعديلات الأخيرة بقانون الضرائب على الدخل ستؤدى إلى توسيع الشريحة المعفاة من ضريبة الدخل، حيث تم زيادتها بنسبة 30%، لتصل إلى 6500 جنيه، وبالتالى سيصل إجمالى قيمة الدخل غير الخاضع للضريبة بفضل التعديل الأخير إلى 13.5 ألف جنيه سنوياً، حيث يتضمن هذا المبلغ 7 آلاف جنيه قيمة الإعفاء الشخصى لكل ممول، بما يسهم فى زيادة صافى قيمة أجور جميع العاملين بالحكومة وقطاعى الأعمال العام والخاص بنحو 150 جنيها سنويا. وقال قدرى فى بيان صحفى إن هذه التعديلات يترتب عليها خفض حصيلة الخزانة العامة من الضريبة على الدخل بنحو 2.5 مليار جنيه سنوياً، وأن التعديلات تستهدف التيسير على المواطنين ودعم النمو الاقتصادى من خلال تهيئة المناخ المناسب لجذب الاستثمارات، وتحفيز المستثمرين على ضخ المزيد من الأموال لإنشاء مشروعات جديدة، وهو ما يعكسه التعديل الخاص بإلغاء الضريبة الإضافية بنسبة 5% على من يزيد دخله على مليون جنيه سنويا، حيث تم تخفيض فترة سريانها لعام واحد فقط أى عام 2014 بدلاً من ثلاث سنوات. وأضاف أن التعديلات تمنع أيضا الازدواج الضريبى الخاص بتوزيعات أرباح الشركات الأجنبية العاملة بمصر للأشخاص المقيمين، حيث تم استبعاد هذه التوزيعات من الوعاء الضريبى لهؤلاء الأشخاص مادامت الشركة سددت الضريبة المستحقة عليها، وأن وزارة المالية راعت عند إعداد هذه التعديلات أن قيمة الخفض فى الحصيلة سيعاد ضخه مرة أخرى فى شرايين الاقتصاد الوطنى من قبل المستفيدين، وذلك فى صورة إنفاق على شراء السلع والخدمات، وهو ما سيدعم بدوره جهود الحكومة فى تنشيط الأسواق وتشجيع الادخار.