كان السائد حتى وقت قريب أن سماسرة الهجرة غير الشرعية «شلة» متخصصة فى تهريب الشباب إلى بلاد «برة» عبر «المتوسط»، ولكن ظهر من خلال الواقع أن تلك «الشلة» من السماسرة المنتفعين ما هم إلا عصابة متخصصة فى «صناعة الموت» ولا يعنيهم الوطن أو الشباب فى شىء مؤمنين بشعار «أنا ومن بعدى الطوفان». ومن خلال الأحداث والرصد فقد ثبت أنه بعد 25 يناير وتراجع دور الأجهزة الأمنية فى الدولة نشطت تلك العصابات على الحدود البرية والبحرية، ونجحوا فى تهريب الشباب الراغب فى الهجرة خارج البلاد، فمنهم من نجح فى الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبى، ومنهم من مات غريقًا فى عرض البحر، وقد نجح سماسرة الموت فى تلك الفترة نجاحًا باهرًا لدرجة أن الواحد منهم كان يقوم بعملية هجرة غير شرعية كل شهر تقريبًا.وكانت الكارثة عند توسع سماسرة الموت فى النشاط، وتم تقسيمهم إلى جماعات متخصصة فى تسفير الشباب تارة، وتهريب المخدرات تارة ثانية، وتهريب السلاح تارة ثالثة. وفى السنة التى تولى فيها المعزول مرسى حكم مصر ركز سماسرة الموت- كما يقول الخبير الاستراتيجى اللواء نبيل شكرى على تجارة السلاح والمخدرات، وتم تخزين آلاف القطع من الأسلحة والذخيرة وقذائف الهون ودانات المدافع فى سيناء، وحدث زواج كاثوليكى بين سماسرة الموت، وبيت المقدس والتوحيد والجهاد من باب أن المصالح تتصالح، مما أتى بنتائج عكسية فى مقاومة الإرهاب الآن. وبعد سقوط المعزول مرسى طفا سماسرة الموت على السطح، وركزوا فى طريق أكثر إجرامًا وثراء وهو تكثيف عمليات تهريب السلاح والمخدرات ومقاومة السلطات وتهريب قيادات الإخوان الكبيرة والوسطى إلى قطر وتركيا وليبيا والسودان، من دروب ومدقات وعرة على الحدود الغربية والشرقية عبر الأنفاق بعيدًا عن أعين الأمن أو أجهزة الدولة، ولذلك أطالب كما يقول اللواء نبيل بأن يطبق قانون الإرهاب على هؤلاء الخونة وأن ينفذ حكم الإعدام لكل من يخون الوطن بالقول أو الفعل. وكانت أخطر شحنات السلاح التى حاول سماسرة الموت إدخالها داخل البلاد ما رصدته الأجهزة السيادية وقوات حرس الحدود على الحدود الغربية، حيث نجحت فى ضبط 12 ألف طبنجة تركى كاتمة للصوت قبل أيام من الذكرى الثالثة ل 25 يناير، وقد جاء فى التحقيقات الأولية أنها دخلت البلاد عبر السواحل الليبية بتسهيلات مباشرة من أعضاء المؤتمر الإخوانى المنحل الذى كان يحكم ليبيا قبل انتخاب البرلمان الليبى الحالى برئاسة د. عقيلة صالح، وكذلك شحنة المدافع الكلاشنكوف وقذائف الهاون والبنادق الآلية التى تم ضبطها أيضا على الحدود الغربية، وتبين أنها أسلحة قطرية وتركية مهربة عبر مطار طرابلس الذى يسيطر عليه ميليشيات فجر ليبيا الإخوانية.. وكان من المخطط دخولها البلاد عبر وسطاء ليتم توزيعها على أعضاء التنظيم السرى واللجان النوعية التى شكلها الإخوان لاستهداف ضباط الجيش والشرطة، وتفجير محولات وأبراج الكهرباء وخطوط الغاز. المصالح تتصالح وإذا كان الشىء بالشىء يذكر كما يقول اللواء كمال عامر مدير المخابرات الحربية السابق فإن سماسرة الموت فى سيناء يتعايشون بشكل توافقى مع جماعات أنصار بيت المقدس، حيث يُخدم كلاهما على الآخر فى تجارة السلاح والمخدرات، وكانت الأنفاق فى مرحلة ما شوكة فى ظهر الأمن القومى المصرى، وأضاف أن الهدف من الأنفاق كان لأغراض إنسانية بحتة، وفك الحصار عن الشعب الفلسطينى المغلوب على أمره، ولكن تم استغلالها فى مرحلة الانفلات الأمنى فى تهريب الأسلحة للتكفيريين لدرجة أنه تم العثور على أسلحة وقذائف وقنابل ومتفجرات وألغام لدول أجنبية ومعادية، مضيفًا أن طائرات الأباتشى وال 16R تقوم بمهام بعيدة حاليًا فى سيناء، ناهيك عما تقوم به القوات البرية على الأرض من تطهير بؤر سماسرة الموت من تجار السلاح والمخدرات، ولا يخفى علينا جميعا، وما أعلن عنه المتحدث العسكرى من تدمير مخازن أسلحة ثقيلة مهربة ومن مخلفات الحروب فى الشيخ زويد ورفح. وأشار إلى أن سماسرة الموت ومن تحالف معهم من التكفيريين فى سيناء يعتقدون أن الجيش المصرى يمكن أن ينسحب من الشيخ زويد ورفح والعريش ليتحقق لهم ما يخططون له ولكن هيهات.. ويجب علينا أن نفخر بأن الجيش المصرى جيش وطنى شريف، من كل قرية وحارة وشارع ومدينة مصرية، لا يعرف التخريب أو الطائفية أو الطبقية، ولذلك كان ولا يزال خير أجناد الأرض، وما يفعله سماسرة الموت من تفجير واستهداف للضباط والجنود وخطوط الغاز، وسيارات المرافق لن يستمر وسيتم القضاء عليهم واحدًا تلو الآخر، كما تم القضاء على شادى المنيعى فى سيناء وهمام عطية فى قلب القاهرة. ومن التجارة فى البشر والسلاح إلى التجارة فى المخدرات، فقد لجأ سماسرة الموت إلى تدمير الشباب، وإدخال الوطن فى دوامة، والدليل شحنات الهرويين والأقراص المخدرة التى يتم ضبطها والإعلان عنها من آن لآخر، وكانت ضبطية القرن كما قال عنها اللواء أسامة عز الدين مدير أمن الإسكندرية السابق من أكبر الشحنات التى ضبطها فى العشرين سنة الأخيرة، حيث تم ضبط سفينة تحتوى على أكثر من 20 طن مخدرات، وكانت الشحنة قد تحركت من المغرب عبر المتوسط، وقد تتبعت الأجهزة المعنية خط سير السفينة وتبين أنها خرجت من ميناء «جيهان» التركى، وعملت ترانزيت فى مالطة ثم ضاعفت الحمولة على سواحل المغرب، وفور دخول السفينة المياه الإقليمية المصرية تم ضبطها ومعها الشحنة وأفراد العصابة، وكان فضيحة عندما اعترفوا فى التحقيقات أنهم يتحركون تحت سمع وبصر أجهزة مخابرات دولية، وقد غضت الطرف عنهم لإغراق السوق المصرية بالمخدرات وتدمير الشباب المصرى، وهو الهدف الذى تدركه الأجهزة المعنية فى مصر جيدًا، حيث تسببت القبضة الأمنية القوية لقوات حرس الحدود والقوات البحرية، وقوات حرس السواحل فى رفع ثمن قرص الترامادول من 2 جنيه إلى 20 جنيها لدرجة أنه غير موجود فى الأسواق بعد أن كان يباع على الرصيف. ومن تهريب الشباب والسلاح والمخدرات إلى تهريب قيادات الإخوان الكبرى والصغرى والوسطى، فبعد أن تم تحديد مكان الإرهابى عاصم عبد الماجد بالطريق الصحراوى بمحافظة المنيا وصبيحة إلقاء القبض عليه مع مجموعة من أنصاره تمكن هذا المجرم من الهروب من أحد المدقات على الحدود الليبية، وقد تمكنت قوات الأمن من ضبط سماسرة الموت الذين ساعدوه فى الهرب وكانت المفاجأة أنه «إخوانى ابن إخوانى» ومن ضمن الخلايا النائمة التى تعمل فى دولاب العمل الحكومى، أو تمارس الأعمال الحرة، ونفس الشىء حدث مع مدير مخابرات الإخوان، والرجل الحديدى فى التنظيم محمود عزت والذى نجح فى الهروب عبر الأنفاق إلى غزة، أما محمد الصغير ومحمد عبد المقصود وطارق الزمر وحمزة زوبع فقد تمكنوا من خلال سماسرة أيضا من الهروب عبر الحدود الجنوبية، ومنها إلى السودان ثم إلى قطر وتركيا، حيث بيت الطاعة الأمريكى والصهيونى. فيما فشل سماسرة الموت فى تهريب محمد البلتاجى وعصام العريان وصلاح سلطان ومحمد بديع الذى كان يدخل ويخرج من «رابعة» بالنقاب، وبسيارة إسعاف، كما فشلوا فى تهريب أسامة ياسين قائد مجموعة 95 إخوان ومراد على ووليد شلبى وصفوت حجازى وسعد الحسينى وحسام أبو بكر محافظ القليوبية السابق والمقرب من الإرهابى خيرت الشاطر. واستمرارًا لمسلسل سماسرة الموت فقد حصلت أكتوبر على مستندات وأرقام محاضر، ومكاتبات رسمية بين الخارجية ورئاسة مجلس الوزراء وبلاغات للنائب العام تكشف الدور الإجرامى الذى يقوم به هؤلاء السماسرة لتهريب قيادات وعناصر الإخوان تارة، وشباب يبحث عن لقمة عيش حلال فى بلاد «بره» كما يقول أهالى الضحايا. وكشف بلاغ مقدم للنائب العام المستشار هشام بركات أن أولياء أمور 34 شابا من محافظتى الغربيةوالقليوبية، مراكز زفتى وسمنود والمحلة الكبرى والقناطر الخيرية وبنها تقدموا ببلاغ يفيد خروج 34 شابًا بمتوسط أعمار 14 و17 سنة من أبناء تلك المراكز فى عملية هجرة غير شرعية مع التأكيد بأنهم لا ينتمون إلى أى حزب سياسى، على حد قولهم، وذلك عن طريق مجموعة من سماسرة الموت فى القليوبيةوالغربية. وقال ناصر حسين سالم والد أحد الضحايا المغيبين: إنه طرق كل الأبواب مع باقى أولياء الأمور للتوصل إلى خيط يجمعه بابنه مرة ثانية إلا أنه فشل فشلا ذريعا، وقد تم تحرير 11 محضرًا منها محضر 35262 أحوال القناطر الخيرية و7250 إدارى القناطر و7615 إدارى بنها و14984 إدارى سمنود و32805 جنح زفتى و10409 إدارى مطوبس، مضيفًا أن كل هذه المحاضر وغيرها ذهبت دون جدوى ولم تحرك ساكنًا، ومازال أبناؤنا فى علم الغيب. وقال إنه أمد الأجهزة الأمنية فى القليوبيةوالغربية بأسماء سماسرة الموت ولكن لا مجيب، ومازالت الأسماء تحت يدى حتى الآن، كما قمت بتزويد الأجهزة بأسماء أصحاب المراكب والمهربين، وعلى رأسهم (جمال م. خ) و(سيد أ. ب)، و(عادل ع. أ) و(السيد ع. ن) و(أحمد ث) و(حسن أ ن) غربية. وفى كفر الشيخ تم الكشف عن 9 من أصحاب المراكب والمهربين وسماسرة الموت على رأسهم (سعيد م أ ح) و(سمير م أ س) و(حنفى ف ف) و(فهيم أ. ز) و(عيد م أ) و(يوسف م. ب) و(إبراهيم م. أ) و(فؤادأ.أ) و(أشرف أ. ف). وفى مكاتبة بين رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الخارجية، حصلت أكتوبر على نسخة منها خاطبت الأمانة العامة بالمجلس السفير عمرو معوض مساعد وزير الخارجية بتاريخ 16 ديسمبر 2014 تحت بيان «هام وعاجل» تطالب فيه بالمعاونة والاستدلال على عدد 34 من الشباب الواردة أسماؤهم فى الالتماس والذين فقدوا خلال سفرهم بحرًا فى هجرة غير شرعية عن طريق سماسرة الموت من الإسكندرية إلى دولة إيطاليا بتاريخ 9/9/2014، وتم توقيع المكاتبة بمعرفة محمد ماهر شمس مساعد الأمين العام للاتصال والإعلام مع «خالص التقدير والاحترام». تراخٍ أمنى وعن أبعاد قضية سماسرة الموت مجتمعيًا يقول عادل عامر محلل سياسى: أى تراخ من أجهزة الدولة يؤثر بالسلب على القيادة السياسية، وبالتالى يجب أن تدرك أجهزة الدولة المعنية أنها فى خندق واحد، وأنها عبارة عن حلقات متصلة ببعضها البعض، فإذا قصرت الخارجية تأثرت الداخلية، وإذا تراخت الداخلية تأثر الأمن الجنائى والسياسى. والمشكلة أن تنظيم الإخوان يستغل أى تقصير ويلعب عليه لتأليب الرأى العام على النظام السياسى.. ويعمل من «الحَبّة قُبّة»، بل يكذب ويستمر فى الكذب حتى يصدقه أصحاب الغرض، ومن المعلوم أن الغرض مرض. ومن هنا يجب أن تتعامل الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة مع مشاكل الناس بيقظة أكثر ولابد من فك شفرة ال 34 شابًا المفقودين.. هل هم ماتوا، كما يتردد، وهل تم احتجازهم فى الأمن الوطنى، كما يردد الإخوان، وهل هم فى غزة عند ميليشيات حماس، أم عند ميليشيات فجر ليبيا، لابد من رد قاطع من الأجهزة، لأن السكوت ليس دائمًا من ذهب. حلول عملية وللقضاء على ظاهرة الهجرة غير الشرعية وسماسرة الموت قال عبد المنعم بدوى وكيل محافظ البنك المركزى السابق: لابد من علاج الاقتصاد بحلول عملية بعيدًا عن المهدئات أو المسكنات، والعلاج يكمن فى الاستثمار، ورفع الدعم، وبالتالى يتم توفير الفائض، لافتتاح مشروعات جديدة للشباب، وتوفير حياة كريمة لهم. فلا يعقل أن يلتهم الدعم ثلث الموازنة، وتلتهم فوائد الديون الثلث الثانى، ويتم صرف الثلث الأخير على الصحة والتعليم، والبنية التحتية. لذلك والكلام على لسان وكيل محافظ البنك المركزى لابد من رفع الدعم على مراحل وبطريقة مدروسة حتى لا يتأثر محدود الدخل، مع التأكيد بأن أى علاج اقتصادى مؤلم، ولا يوجد ربح بدون ألم، كما لا يوجد شفاء بدون ألم أيضا. ومن هنا ستنحصر ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وسماسرة الموت، مع الإدراك بأن كل الدول المتقدمة ذاقت الأمرين فى بداية صعودها، وصعدت السلم درجة درجة.. المهم أن تسير على الطريق الصحيح.