فى ظل أزمة داخل الحكومة التركية وصفها محللون بأنها الأخطر منذ أكثر من 12 عاما، اتسعت حدة الخلاف بين الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وحكومته بسبب عملية السلام مع المتمردين الأكراد، فى الوقت الذى جدد فيه زعيم حزب العمال الكردستانى دعوته لقيادات الحركة لإنهاء التمرد ضد انقرة معلنا بداية عصر جديد فى إطار مسيرة السلام الداخلى التى تشهدها تركيا. وفى رسالة ألقيت أمام أكثر من 200 ألف شخص فى مدينة ديار بكر جنوب شرق تركيا بمناسبة عيد النيروز أو رأس السنة الكردية دعا أوجلان المسجون حركته إلى تنظيم مؤتمر من أجل إنهاء ثلاثين عاما من الصراع المسلح مع الحكومة التركية مشيرا إلى أنه وصل لمراحل لا تحتمل. وكان أوجلان الذى يمضى عقوبة السجن مدى الحياة أطلق نداء مماثلا فى 28 فبراير الماضى، فيما استؤنفت محادثات السلام التى بدأت فى خريف عام 2012. وفى الأشهر الأخيرة دفع أردوغان فى اتجاه سلام مع الأكراد على أمل ضم الأصوات الكردية والحصول فى الانتخابات التشريعية المرتقبة فى يونيو القادم على نسبة المقاعد الضرورية لإجراء تعديل دستورى يعزز صلاحياته، ولكن مع اقتراب موعد الانتخابات اضطر إلى تشديد خطابه كى لا يفقد أصوات الناخبين القوميين مجازفًا بمعارضة حكومته التى تقوم حاليا بالتفاوض مع الجانب الكردى بوساطة حزب الشعب الديمقراطى حيث أكد أردوغان أن الحكومة لن تقوم بأى خطوة إضافية على طريق السلام مع المتمردين الأكراد ما دام لم يلق حزب العمال الكردستانى السلاح فعليا وقال فى خطاب له إن السلام ليس ممكنا تحت تهديد السلاح ولا يمكننا التقدم فى بيئة تنكث فيها الوعود باستمرار إلا إذا اتخذت قرارات ملموسة. وفى انتقاد مباشر وغير معتاد، وجه بولنت ارنيتش نائب رئيس الوزراء التركى لأردوغان نداء طالبه فيه بالتوقف عن التدخل وإطلاق التصريحات الانفعالية بخصوص جهوده لإنهاء التمرد المستمر منذ ثلاثة عقود فى جنوب شرق البلاد والذى أدى إلى مقتل حوالى 40000 شخص. وقد رد أردوغان قائلا إن «عملية السلام بدأت ووصلت إلى المرحلة الحالية فى ظل مسئوليتى وأنه من حقى وواجبى أن أعبر عن رأيى». وينبع الخلاف من خطة الحكومة بتشكيل لجنة مراقبة للإشراف على عملية إنهاء النزاع المستمر منذ عقود، وقد تولى أردوغان شخصيا الإشراف على عملية السلام عبر رئيس الاستخبارات التركية حقان فيدان لكن قال إنه لم يبلغ بأمر اللجنة. ولاحظ مراقبون زيادة التوتر بين أردوغان وبين رئيس حكومته الذى اختاره بنفسه داود أوغلو وهو الخلاف الذى يعد الأكبر منذ تولى أردوغان الرئاسة فى 2014 بعد توليه منصب رئيس الوزراء لأكثر من عقد. كما وصف محللون الخلاف بأنه إشارة إلى تصدع فى الحزب الحاكم وأخطر أزمة داخلية رغم محاولات الرئيس التركى ونائب رئيس الوزراء نفى وجود خلافات بين الطرفين حول آليات حل القضية الكردية وإظهار الأمر أنه تباين طبيعى فى وجهات النظر. على الجانب الآخر انتقد دولت بهتشلى زعيم حزب الحركة القومية مواقف رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه بسبب التفاوض مع الأكراد مؤكدا أن التحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب العمال الكردستانى ما هو إلا مساومات التحالف والخيانة والغدر لتقسيم البلاد، حسب وصفه. يذكر أن مسيرة السلام الداخلى فى تركيا انطلقت قبل أكثر من عامين لإنهاء التمرد الكردى من خلال مفاوضات غير مباشرة بين الحكومة التركية وعبدالله أوجلان زعيم العمال الكردستانى الذى تم القبض عليه فى 15 فبراير 1999 فى كينيا فى عملية استخباراتية نقل بعدها إلى تركيا للمحاكمة ووضع أوجلان فى الحبس الانفرادى بجزيرة فى بحر مرمرة فى تركيا منذ أن قبض عليه وبالرغم أنه حكم عليه بالإعدام إلا أن الحكم تم تحويله إلى السجن مدى الحياة بعد أن ألغت تركيا عقوبة الإعدام فى أغسطس 2002.