يظل الطيار متأهبا على مقربة من طائرته فإذا سمع ورأى فى السماء طلقة الخرطوش الأحمر أدرك أن ساعة الانطلاق قد وجبت.. فيسرع ملبيًا النداء.. فإذا ارتفع فى الجو تحول هو والطائرة إلى كيان واحد لا تعرف من يقود الآخر.. ويصبح دفاعه عن حياته هو ذاته الدفاع عن سلامة الطائرة ونسور مصر منذ عام 1932 عندما تأسس سلاح الطيران كان شعارهم ولا يزال «إلى العلا فى سبيل المجد»وكم من طائرات انضمت إلى سلاح الجو المصرى.. وإذا بالطيار يحولها ويسخرها ويعدل فيها ويبدل ويضيف لكى تكون على مستوى طموحاته. والضربة التى استيقظ عليها أهل مصر والتى وجهها النسور إلى عصابة داعش فى ليبيا.. تكشف لك أن الاستعدادات كانت موجودة.. والمعلومات متوفرة.. والنوايا حاضرة للثأر.. وتحقق الهدف على أعلى مستوى.. وقد أسعدنى الحظ أن استمع إلى لقاء رائع أجراه الإذاعى حمدى عبد المجيد على موجات البرنامج العام مؤخرًا مع اللواء نصر موسى نائب مدير القوات الجوية سابقًا.. وأحد النسور الأكابر فى تاريخنا العسكرى جوًا.. وقد شرح البطل كيف كانت الضربة مدروسة فى أماكن بعينها وتستهدف مخازن ذخيرة وأسلحة داعش فى المقام الأول.. وبعيدًا تمامًا عن أى أهداف مدنية وليس كما تدعى القناة الكاذبة المشبوهة. وحتى تفخر بنسور بلادك وتعرف أنهم دائمًا وأبدًا قد تعودوا على التعامل مع الطائرة على أنها «حتة منهم».. وكم من طائرات وصلت إلينا فاقدة للإمكانيات القتالية المطلوبة.. لكن الطيار المصرى كان يعوض كل هذا بروحه الجسورة الشجاعة وعقليته النشطة وإدارته الحديدية فى الفترة ما قبل حرب أكتوبر كان الروس يحذرون من النزول بسرعة الطائرة إلى مادون 300 كيلو متر فى الساعة.. لكن المصرى تدرب على أن يطير ويتلاعب بالطائرة وهى عند السرعة صفر.. وطار عقل الذى صنعها من هذا الذى تدرب عليها من أشهر قليلة ولكنه حفظ كل قطعة فيها عن ظهر قلب. ثم إذا تنوعت مصادر الأسلحة وتبدل الروس بما هو فرنسى أو أمريكى وجدت الطيار المصرى قد استوعب التغيرات بكل سهولة كأنه صانعها.. والرائع فى هؤلاء النسور أنهم يعترفون بأفضال كبارهم عليهم جيلًا بعد جيل.. فعندما اتصل الطيار أحمد المنصورى هتف موسى فرحا: أستاذى وهو صاحب حكاية اسطورية فى حرب أكتوبر وأطلق عليه جيش الدفاع الإسرائيلى لقب «المقاتل المجنون» لأنه قام بمناورات خرافية فى الجو أمام طائرات العدو من طراز «فانتوم» وتفوق عليهم.. وضربهم وكانوا يتفرجون عليه. ونصر كان نقيبا فى قلعة المنصورة الجوية مع العقيد أحمد نصر وأغلب دفعات آواخر الشتا.. يعرفونهم فى القوات الجوية بأنهم أولاد «مبارك» فهو الذى دربهم وقت أن كان مديرا للكلية الجوية ويمشى كل شىء فيها بالثانية مع تمام الضبط والربط.. حتى أصبح قائدًا للقوات الجوية أثناء حرب أكتوبر 73. وقد رجعت إلى كتاب زميلى أحمد سليمان مدير تحرير جريدة المساء «نسور الضربة الجوية» وقد أصدره عام 1999 وحاور فيه مجموعة كبيرة من أبطال طيران أكتوبر وتركهم يسردون ذكرياتهم فى حوارات ممتدة معهم. وتشعر بالفخر والاعتزار وأنت تقرأ سيرة هؤلاء الأبطال وأسأل نفسى كمؤلف درامى: ماذا يمنع المنتج أن يقدم سيرة هؤلاء لأجيال جديدة لا تعرف عنهم إلا أقل القليل؟. اليست هذه هى النماذج التى تقوى العزم وتربى الرجال على حب الوطن وترصد من تاريخهم أمجادنا التى دفعنا فيها الغالى والنفيس من الدم والأرواح الطاهرة. اليست هذه القصص جديرة بأن تروى بالصوت والصورة.. لقد جلست أمام حديث اللواء نصر موسى بالراديو لأكثر من ساعة لا استطيع أن أتحرك لحظة بعيدًا عن الراديو.. وهو يحكى ويكشف ويحلل بأسلوبه البسيط وتواضعه العظيم رغم ما قدمه هو ورفاقه إلى مصرنا.. وكان معه فى البرنامج تامر إسماعيل موفقًا فى الأسئلة التى كتبها وفى اختياره للطيار موسى.. بعد الضربة القاتلة إلى أوباش الإخوان والقاعدة وداعش وكلها مسميات متعددة لأصل إخوانى واحد تاريخه يقولك إنه حليف الأمريكان من قديم الأزل وأن بدا لك أنه ضدهم فى العلن وأمام أجهزة الإعلام. ولكن هل تعلم أن أعظم طيار فى العالم هو الهندى ثم الباكستانى ثم المصرى فى المركز الثالث.. هذه المعلومة قدمها اللواء موسى فى حديثه وكشف كيف ترك كلية الفنون الجميلة لكى يلتحق بالبحرية لأنه «سويسى» لكن حسنى مبارك وكان رئيسًا للجنة الاختيار حول اتجاهه إلى كلية الطيران. ومن يريد أن يعرف اليوم التاريخ العظيم فى ذاكرة نسور مصر عليه ان يرجع إلى 14 أكتوبر 1973 عندما تلاعبت طائراتنا.. بأسطول العدو وهذه وحدها قصة يجب أن تعرفها الأجيال حتى تدرك عظمة رجال جيشها.. والمؤسف إننا حتى وقتنا لم نقدم عملا يرصد بطولات قواتنا البرية والجوية والبحرية كما ينبغى ولهذا السبب غاب الانتماء فى فترة من الفترات بفعل فاعل. يكفى أن الطيار المصرى يتدرب على أن يتزامن تفكيره وقراره فى لحظة واحدة لأن الجزء من الثانية قد يحول المعركة إلى غير صالحه.. وهو يدرس علوم الفلك والرياضيات وطبقات الجو ويعيش حياته على الصراط المستقيم. هذا قليل من كثير عن نسور جيشك البواسل فهل تردد معى نشيد الجو الذى كتبه طاهر أبو فاشا ولحنه رياض السنباطى عام 67 بعد أشهر قليلة من النكسة وغنته أم كلثوم أمام جمال عبد الناصر وأظن أن الرئيس السيسى ردده أمام أبطالنا مؤخرًا وهو يزورهم فى مرسى مطروح. فى جبين السماء لاح فجر أغر من غزاة الفضاء يتحدى الخطر صاعد فى الفضاء نازل كالقدر يانسور الحما يا غزاة السما يومكم للنيل عيد وانتصار وخلود أنه الفجر الجديد أنه الصبح الوليد