مكاسب وخسائر هذا هو حال الدنيا، ومصر لم تكن بعيدة خلال عام 2014 عن هذا الحال، إلا أنه يتأكد لكل من يطالع الأحداث الاقتصادية، التى وقعت خلال العام المنصرم أن الأمانى لا تزال ممكنة، وأن النجاح لا يزال فى متناول اليد، وأن الأمور تسير –إلى حد كبير- فى مسارها الصحيح، وإن كانت الأمور لا تزال فى حاجة ماسة إلى المزيد من الجهد، فالتحدى كبير يحتاج إلى أصحاب صدق وعزيمة حتى يمكن إدراكه. ف «البداية» مع الأحداث المهمة جاءت متأخرة بعض الشىء، ففى يوليو 2014، أعلنت الحكومة عن قرارات جريئة طال التفكير فيها حتى مل الجميع الكلام عنها، ولأن الأمر لم يكن يحتمل التأخير، كان القرار زيادة أسعار البنزين والسولار ومشتقات الوقود، بنسب تراوحت من 7% إلى أكثر من 100%، وزيادة أسعار الغاز الطبيعى بنحو أضعاف، ورفع الأسعار المحاسبية للكهرباء للمنازل والمحال التجارية، وكذا زيادة أسعار المياه، مما أحدث قلقا دعا الرئيس السيسى للخروج إلى الناس لتبرير هذه القرارات. ملحمة قناة السويس ثم جاء يوم الخامس من أغسطس 2014، ليشهد ملحمة مصرية جديدة، عندما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى بدء العمل فى مشروع حفر قناة موازية لقناة السويس، لتبدأ كتيبة البنك المركزى حالة الطوارئ إعلانا عن بدء إصدار وطرح شهادات تمويل القناة بعائد 12%، ليأتى الدور على المصريين الذين أبهروا العالم، عندما قدموا 64 مليار جنيه لتمويل هذا المشروع خلال 8 أيام عمل. وعلى الصعيد الضريبى، شهدت الساحة جدلا متصلا حيال ما صدر من تشريعات ضريبية خلال العام، بدءًا من قانون بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005، وقانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980، التى تفرض 10% ضريبة على أرباح تعاملات البورصة، و10% على التوزيعات النقدية للأسهم، ثم إقرار تعديلات قانون الضريبة على العقارات، وفرض ضريبة مؤقتة 5% على من يتجاوز دخله السنوى مليون جنيه. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل خرجت موازنة العام المالى 2014/ 2015 لتؤكد حدوث تعديلات ملموسة فى منظومة الزيادة فى الأجور، بحيث تم إلغاء الإعفاء الضريبى على العلاوات الخاصة، ووقف ضمها للراتب الأساسى بعد 5 سنوات، علاوة على تطبيق قرار الحد الأقصى للأجور فى الهيئات العامة وشركات القطاع العام وكذا القطاع المصرفى. وكذا شهدت مصر خلال صيف 2014، أزمة طاقة غير مسبوقة ووصلت ساعات انقطاع الكهرباء 10 ساعات يوميا، وتراجعت كميات الغاز المخصصة للمصانع فاضطر بعضها وقف خطوط الإنتاج، وهنا اضطرت الحكومة أمام ضغط المستثمرين أن تقر استخدام الفحم لتشغيل مصانع الأسمنت، وهذا أثار جدلا لم ينته إلى الآن. ومع نهاية العام، خرجت علينا مؤسسة «فيتش» للتصنيف الائتماني، لتعلن رفعها التصنيف الائتمانى لمصر درجة واحدة للاقتراض طويل الأجل بكل من العملتين الأجنبية والمحلية، ليصل كل منهما إلى درجة (B)، مع إبقاء النظرة المستقبلية للاقتصاد المصرى عند «مستقر»، نتيجة لتنفيذ الحكومة مجموعة من الإصلاحات المالية، والهيكلية. الإرهاب الأسود لكن على صعيد الخبراء الأمر متفاوت، ف «الإرهاب»، فى رأى د. عادل عامر، الخبير الاقتصادي، كان بلا منافس الحدث الأهم، لما تركه من تأثيرات سلبية على الأداء الاقتصادى خلال العام، حيث تسبب فى زعزعة ثقة المستثمرين الأجانب والمحليين فى السوق، وبالتالى تراجعت مستويات الاستثمار فى الاقتصاد، تواضعت معدلات النمو الاقتصادى، وازدادت معدلات التضخم، وتراجعت عائدات السياحة والاستثمار الداخلى. والأزمة أن التخلص من تلك التأثيرات يستغرق وقتا طويلا، وهو ما يكون عاملا آخر فى إضعاف الاقتصاد، لأن هذه الدول تحتاج إلى إقناع المستثمرين بقوة وسلامة اقتصادها لتشجيعه على الاستثمار فيها، وربما تكون مؤشرات أداء البورصة خير دليل على التأثيرات السلبية لهذه الأحداث الإرهابية، فهى أول من يتأثر بأحداث الإرهاب، فوقوع حادث إرهابى واحد كفيل بتهاوى مؤشرات البورصة وكما حدث وتكرر خلال العام. ف «تكلفة الفاتورة الأمنية للإرهاب»، كما قال د.عامر، سواء التعزيزات أو الحماية أو شراء أسلحة، التى تتحملها موازنة الدولة تسحب من مخصصات القطاعات الأخرى مثل المرافق أو التعليم أو خطط تنموية ما يؤخر تنفيذ هذه الخطط، بالتالى تحدث أثرا سلبياً على البلد ككل، لكن يبقى فى الصورة جانبا مضيئا يتمثل فى الأحداث الإيجابية، التى وقعت خلال العام مثل البدء فى حفر قناة السويس الجديدة، وقرار الحكومة بزيادة أسعار الوقود، وتبرع الرئيس السيسى بنصف راتبه وثروته لصالح الدولة. 64 مليار جنيه الحدث الرئيسى على الساحة الاقتصادية خلال عام 2014، فى رأى د. فرج عبد الفتاح، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، هو قدرة المصريين على تدبير التمويل المطلوب لحفر قناة السويس الجديدة وقدره 60 مليار جنيه، حيث تسابق المصريون فى شراء شهادات الاستثمار الخاصة بتمويل هذا المشروع القومي، وخلال بضعة أيام جمعت البنوك أكثر من 64 مليار جنيه من مدخرات المصريين، مما أثبت القدرة التمويلية الفائقة للاقتصاد المصرى. وتكمن أهمية هذا الحدث فى التبعات السحرية، التى ترتبت عليه وتمثلت فى جذب نظر كافة مؤسسات التمويل الدولية، وكذا المستثمرين إلى السوق المصرى، الذى لم تجد فيه الحكومة أدنى صعوبة فى تدبير تمويل بهذا الحجم لمشروع بهذه العظمة، مما دفع مؤسسات التمويل إلى إعادة النظر فى تقييمها للاقتصاد، بحيث رفعت مؤسسة موديز ثم فيتش تصنيفهما للاقتصاد. وأنه من الممكن، بحسب د. فرج عبدالفتاح، أن تستثمر الدولة هذا الحدث خلال الفترة القادمة، وذلك بزيادة الاعتماد على هذه الآلية التمويلية بطرح المزيد من المشروعات الجادة ذات العائد الاقتصادى المضمون والمرتفع، وتمويلها عبر طرح شهادات الاستثمار، والمصريون لن يدخروا تحت البلاطة ما دام أمامهم للاستثمار بعائد جيد ونتائج إيجابية على الاقتصاد ومن ثم على المجتمع بأثره. أحداث جليلة الأحداث الاقتصادية المهمة، بحسب إبراهيم الغيطانى، الباحث الأول بالمركز الإقليمى للدراسات الاستراتيجية، التى وقعت فى عام 2014 متعددة، ولكن أهمها، فرض الضريبة العقارية، المنتظر أن تحقق حصيلة قدرها 3.5 مليار جنيه فى العام المالى 2014/ 2015، ثم خفض دعم الطاقة فى الموازنة العامة، وبالتالى رفع أسعار المواد البترولية بنسب متفاوتة، وكذا رفع أسعار خدمات الكهرباء والغاز. ومن الأحداث المهمة أيضًا، صدور قانون قصر حق الطعن على العقود التى تبرمها الدولة مع الأشخاص على أطراف التعاقد فقط، وتشكيل اللجنة العليا للإصلاح التشريعى برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وإعادة هيكلة دعم المواد الغذائية، وإقرار قانون الثروة المعدنية والمحجرية، والانتهاء من صياغة مشروعات قوانين مهمة مثل مشروع قانون الاستثمار الموحد، ومشروع قانون الخدمة المدنية. بداية! «بداية الاستقرار والنمو الاقتصادى».. هكذا أطلق د. عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، على عام 2014 فى تقريره الصادر، مؤخرًا عن المركز لرصد الأحداث الاقتصادية المهمة خلال العام المنصرم، وقال د. السيد: 2014 أفضل عام اقتصادياً منذ ثورة 25 يناير 2011، حيث يواجه الاقتصاد تحديات عديدة، تفاقمت بامتداد المرحلة الانتقالية، مما انعكس سلبا على الاقتصاد. وخير دليل، فى رأى د.السيد، على التحسن الاقتصادى، تحقيق الاقتصاد، خلال الربع الأول من العام الحالى نمو 6.8%، وهى الأعلى منذ عام 2007، ونجاح الحكومة فى خفض العجز المتوقع إلى 245 مليار جنيه بعد أن كان 295 مليارًا، ونجاح الاحتياطى فى الصمود، بحيث بلغ نهاية نوفمبر نحو 16 مليار دولار، بعد رد الوديعة القطرية، وسداد أقساط شركات البترول الأجنبية، وسداد أقساط وفوائد الديون، وتراجع التضخم ليدور حول 8% مقابل 13% فى 2013، وتراجعت البطالة إلى 13.1% مقابل 13.6% فى 2013.