خدم الحظ فاتن حمامة عندما جاءت أغلب الشخصيات التى لعبتها على الشاشة فى أعمال مأخوذة عن روايات أدبية، حيث أتاح ذلك وجود شخصيات متكاملة التفاصيل نجحت فاتن حمامة بعبقرية أدائها التمثيلى أن تحول هذه التفاصيل إلى بيانات ثورية. لم يكن نتيجة ذلك فقط أن لفاتن حمامة 18 فيلمًا ضمن أحسن مائة فيلم فى تاريخ السينما المصرية من 94 فيلمًا قدمتها فاتن فى السينما، وإنما النتيجة الأبرز والأهم كانت هى أن هذه الأعمال كانت الدافع لإصدار قوانين وذيوع قيم جديدة نالت بها المرأة المصرية حقوقا ضاعت منها سنوات. فى كل هذه الأفلام كانت الشخصيات التى لعبتها فاتن صورة طبق الأصل للبنت والسيدة المصرية فى مختلف الطبقات وفى شتى الطوائف فى تنوع لم يتح لنجمة غير فاتن حمامة. لظروف المساحة نقف عند بعض العلامات فى هذا المشوار، مشوار الثائرة فاتن حمامة.. فى فيلم (دعاء الكروان- الفتاة البدوية) التى أفزعها صوت القطار ومنظره على مشارف المدينة لتكون تلك اللحظة ملخصة لحالة سوف تواجهها فى ذلك المجتمع الجديد (الدهس) من بشر فى هيئة وجمود ذلك القطار.. وفى (أفواه وأرانب) أدخلتنا ثورة فاتن فى أعماق بنت الطبقة الدُّنيا فى ريف مصر وفى (سيدة القصر) غاص بنا بيانها الثورى فى تفاصيل القوة التى فى شخصية بنت بسيطة.. وكذلك فى (امبراطورية ميم) وفى (لا عزاء للسيدات) وفى (أريد حلا)، كانت فاتن ثائرة مصممة على أن تنتزع لهذه الفئة من النساء حقوقهم من مجتمع متمسك بأن تبقى المرأة فى هامش الصورة. .. فى فيلم (دعاء الكروان) هى فتاة بدوية دفعتها ظروف العوز إلى النزول للمدينة لتعمل خادمة فى بيوت أكابرها.. فى المدينة مرت هذه الفتاة بتجربتين كبيرتين على مداركها البسيطة. فى بيت المأمور الذى كان به بنت فى مثل سنها لمست المسافة بينها وبين بنت هذا المجتمع الجديد، وتعرفت على مفردات حياة الناس فى المدينة.. وكان صوت القطار الذى أفزعهم على مشارف المدينة ومنظره ذلك الرجل (الباشمهندس) الذى دخل بيت المأمور طالبا يد ابنته وهو ذاته الشخص الذى نهش عرض أختها (هنادى) دون أن يؤلمه ضميره لحظة.. التجربة الثانية لهذه الفتاة كانت فى بيت ذلك الرجل (الباشمهندس) الذى دخلته عامدة مشحونة بالغل والحدق، وقد قررت الثأر لدم وشرف أختها وقد اختارت (الحب) سلاحا.. (الحب) الذى بسطوته سلب ذلك الرجل من أختها شرفها.. بين التجربتين عاشت الفتاة البدوية أزمة نفسية جعلتها ثائرة، هذه الأزمة التى دخلتها عقب موت أختها مطعونة بسكين على يد خالها- الخال هنا كان رمزًا مكثفًا لقيم المجتمع الذكورى الذى كتب الموت على أختها دون رحمة. .. فى (أفواه وأرانب) كانت الشخصية التى جسدتها فاتن بنت ريفية من أسرة تنتمى إلى الطبقة الدنيا، وفى (سيدة القصر) كانت الشخصية التى جسدتها شخصية بنت من الطبقة البسيطة.. فى العملين نقلت لنا فاتن حمامة بحرفية شديدة تفاصيل بيانها الثورى.. فى سيدة القصر تمسكها بكرامتها ثارت على قيم مجتمع الكبار، وفى (أفواه وأرانب) ثارت على ظروف الفقر. .. فى فيلم (ولا عزاء للسيدات)، وفى فيلم (أريد حلا)، كان للثورة وللثائرة فاتن حمامة بيان آخر بتفاصيل أخرى.. .. فى فيلم (ولا عزاء للسيدات) جسدت فاتن شخصية سيدة انفصلت عن زوجها (مطلقة يعنى) ظلت متمسكة بأن تبقى واقفة دون انكسار متجاهلة كل تصورات المجتمع عنها، وعندما دق الحب باب قلبها فتحت له دون تردد.. شعورها بأنها امرأة وحيدة مهجورة لم تكن هذه الأزمة التى دفعتها للثورة على هذا المجتمع، إنما كان الدافع لذلك حالة (التخلى) التى باغتها بها الجميع فور انتشار كلام مس شرفها ثبت فيما بعد أنه اتهامات ملفقة خرجت من خيال طليقها الذى فقد عقله من جريرة مفاهيمه الذكورية العقيمة.