طال العمر أم قصر فلابد من نهاية في يوم مقدور من الله تعالي ومصيبة الموت كما ذكرها الله تعالي في كتابه الكريم تباغتنا بالرغم من إيماننا بحدوثها في يوم من الأيام. ولكن نسياننا لهذا اليوم وتلك اللحظة التي تنتهي فيها أنفاس أحبائنا يجعلنا نصاب بصدمة وكذلك حينما نسمع عن رحيل شخصيات مشهورة كان لها دور في حياتنا. ومن هؤلاء الفنانة القديرة فاتن حمامة سيدة الشاشة العربية التي رحلت في هدوء مساء السبت الماضي كما عاشت بيننا دائما لتلحق بزميلات عصر السينما الذهبي ومنهم مريم فخر الدين وصباح وإن اختلفت وصية صباح الخاصة بجنازتها عن تلك التي أوصت بها فاتن والتي توضح طبيعة شخصية كل فنانة منهما فقد آثرت فاتن ألا يكون لها عزاء للرجال أو السيدات لأنها عاشت في هدوء لا نعرف عنها إلا ما تنوي تمثيله من أفلام سينمائية تعالج قضايا تهم الجماهير تتمسك فيها بالقيم الإنسانية والأخلاق القويمة التي كانت حريصة علي تعليمها للأجيال الشابة فيما قدمته طوال سبعين عاما بينما كانت صباح تحب الحياة ولا تخفي أخبار وتفاصيل حياتها الشخصية وتريد أن يستمتع محبوها بالفرح والرقص حتي ولو في لحظات وداعها الحزينة. وسيدة الشاشة العربية استحقت هذا اللقب بجدارة لأنها جسدت أدوارا عديدة ومختلفة للمرأة المصرية منهم الفتاة الفقيرة التي أصبحت "سيدة القصر". والفلاحة التي عملت خادمة لتعول أسرة شقيقتها في "أفواه وأرانب". والفلاحة التي تقع في الخطيئة في "الحرام". والشابة التي تشتاق للحب وتعيش جفاف الحياة الزوجية مع رجل قاس كبير السن في "نهر الحب". والبدوية التي تريد الانتقام من مغتصب شقيقتها ولكنها تقع في حبه في "دعاء الكروان" فيكون هذا الدور من أنضج ما قدمت في الخمسينيات من القرن الماضي عصر السينما الذهبي. والمرأة المقهورة في زواجها وتعاني سنوات أمام المحاكم لتنال حريتها بالطلاق في "أريد حلا" فيكون إصدار قانون الخلع نتيجة طبيعية لهذا الفيلم. ويتم تكريم فاتن في كل محفل سينمائي وتكرمها الدولة في عهد الرئيس عبدالناصر الذي يمنحها ميدالية الشرف وفي عيد الفن حيث يمنحها الرئيس المؤقت عدلي منصور وسام العلوم والفنون في حفل أقيم بدار الأوبرا. وفي لقائه بالفنانين يقطع الرئيس عبدالفتاح السيسي خطابه ليسأل عنها وينزل إليها حيث تجلس ليحييها وتقديرا لها كرمز للفن الهادف الراق. وتنال جوائز عديدة كأحسن ممثلة من مهرجانات مصرية وعالمية ويقرر الأب دانيال رئيس مهرجان المركز الكاثوليكي إهداء الدورة القادمة في فبراير المقبل لروح فاتن حمامة. وتبقي لها جائزة أكبر من كل هذه الجوائز هي محبة المصريين الذين قدروا فنها وأقبلوا علي أفلامها وحرصوا بالآلاف علي وداعها الوداع الأخير في ميدان الحصري بمدينة 6 أكتوبر. وتنتهي حياة تلك الاسطورة الذهبية التي رحلت بجسدها لكنها باقية في أفلام ومسلسلات كانت دائما مؤثرة في حياة المشاهدين.. رحم الله فاتن حمامة وشملها بواسع رحمته.