المهم أن يعيش الإنسان على الأمل، وكذلك المؤسسات كالكائن الحى تحتاج دائما إلى جرعة من التفاؤل وأخرى لبث الأمل، خاصة فى ظل الظروف الضاغطة التى تمر بها البلاد حاليا وتمر بها كل المؤسسات دون استثناء. وحين اجتمع الرئيس السيسى مع أعضاء هيئة المكتب بالمجلس الأعلى للصحافة ورؤساء مجالس إدارات الصحف القومية لبحث مشكلات المؤسسات الصحفية القومية بدا أن هناك بصيصا من الأمل وكثيرا من التفاؤل، فالحديث جرى بصراحة كاملة وشفافية غير معتادة، وفى الآن نفسه مغلف بشعور بالمسئولية بالحفاظ على هذه الكيانات العملاقة التى تمثل رصيدا معنويا للدولة المصرية ، وعدم السماح بأن تتعرض إلى ما لا يحمد عقباه. جاءت البداية مختصرة من الرئيس، ذكر فيها الحاضرين بالتحديات التى تمر بها مصر، وبالدور الذى تلعبه بالفعل الصحف القومية فى مواجهة تلك التحديات وفى تنوير الرأى العام المصرى والعربى بحالة الحرب التى تشنها قوى عديدة بهدف إسقاط الدولة المصرية، وإفراغ المنطقة العربية من كل مصادر قوتها المادية والمعنوية، والسماح لكل قوى الشر بأن تعيث فسادا ودمارا فى المنطقة لصالح قوى بعينها تتطلع إلى اليوم الذى تنهار فيه نظم عربية أساسية وتسقط فيه مجتمعات عربية بعينها فى دائرة الفوضى والخراب. وحين استمعنا إلى هذا الحديث جال فى خاطرنا: هيهات أن يحدث ذلك وهناك أعين مبصرة وعقول واعية تقف لكل هذه التحركات الشريرة بالمرصاد. الحديث عن المواجهة وحرب الجيل الرابع، هو حديث عن مسئولية الإعلام بالدرجة الأولى، وفى القلب منه الصحف القومية، التى تستشعر مسئولية خاصة تجاه الوطن والمجتمع والمؤسسات، وهى مسئولية غير متوافرة لدى أدوات إعلامية وصحفية أخرى عديدة الكثير منها خاص، تلعب لحساب مصالحها الذاتية على حساب مصلحة الوطن العليا، وهنا يتضح أهمية الإبقاء على المؤسسات القومية وإعادة التماسك إلى جنباتها، ووضعها على الطريق الصحيح لكى تستعيد قوتها التى تبعثرت بفعل المشكلات والالتزامات المالية والاقتصادية التى تراكمت عبر السنوات الثلاثين الماضية. الحديث عن استعادة عناصر القوة والتماسك للمؤسسات القومية، هو حديث عن تراكم المشكلات التى حدثت خلال ثلاثين عاما وعن تراكم الديون وغياب المشروعات الاستثمارية لدى المؤسسات الصحفية القومية، وعن قرارات حكومية متشابكة، وعن أصول ثابتة بحاجة إلى رؤية غير تقليدية من أجل إدارتها وإصلاح أوضاعها. ولكن يظل التساؤل كيف يتم ذلك وهناك قيود من جهة الحكومة نفسها، والتى ظلت لا تطالب بحقوقها وتجاهلت الكثير من المشكلات ثم تأتى الآن وتطالب بها دفعة واحدة وكأن الأوضاع الاقتصادية فى أفضل حالاتها والعوائد فى أسعد لحظاتها. وهنا يكمن جزء كبير من المشكلة، وهى غياب الرؤية الحكومية المتكاملة للتعامل مع هذه التراكمات، بطريقة تؤدى إلى تحصيل الحقوق القديمة وفى الآن نفسه إفساح المجال أمام المؤسسات الصحفية لكى تستعيد عافيتها. أثلج الرئيس قلوبنا وأسعد نفوسنا جميعا حين قال بحسم إن الحفاظ على المؤسسات الصحفية القومية وتطويرها هو هدف استراتيجى لا خلاف عليه كانت مداخلة رئيس الوزراء إبراهيم محلب ذات مغزى مهم. من أهم ما جاء فيها هو ضرورة فك الاشتباكات بين أجهزة الدولة والمؤسسات الصحفية، وبطريقة لا تؤدى إلى مغالاة فى المطالب أو تجاهل الضغوط الموجودة بالفعل فى داخل كل المؤسسات الصحفية. وقد طرح فى هذا السياق فكرة ترشيد إدارة الأصول الصحفية، وهو مبدأ لا خلاف عليه، ولكنه يطرح تساؤلا أكثر عمقا يتعلق بكيف يمكن أن يتحقق ذلك وفى أى مدى زمنى؟ جزء من الإجابة جاء على لسان أ. جلال عارف رئيس المجلس الأعلى للصحافة، الذى رأى أن الإعلام القومى هو الأقل كلفة مقارنة بالإعلام الخاص الذى يصرف أضعاف ما تصرفه المؤسسات القومية دون أن ندرى من أين تأتى هذه الملايين. وفى الأصل وفى لحظة تأميم الصحف القومية كانت أصولها لا تزيد على 50 مليون جنيه، أما الآن فتصل إلى 100 مليار جنيه، وذلك نتيجة جهودها الذاتية. بعبارة أخرى إن أحد أهم الإجابات هو أن تقوم المؤسسات الصحفية ومن خلال جهودها الذاتية البحتة بتطوير أصولها وتنميتها وإدارتها برشادة، وبالتالى تستطيع أن تستمر فى لعب دورها الوطنى بعيدا عن أى ضغوط قد تلهيها عن أداء دورها المنوط بها. المؤسسات الصحفية كما قال جلال عارف ليست مفلسة، ولكنها أزمة سيولة بحاجة إلى رؤية عملية لتخرج هذه المؤسسات من عنق الزجاجة الذى يحيط بها الآن، وفى هذا السياق فإن أية أفكار عن بيع أصول أو شراكات مع آخرين لإدارة هذه الأصول أو بيع جزء منها لا يعد حلا، ولكن يعد كارثة بمثابة بيع الوطن لأجزاء منه. وهنا يحسم الدستور الأمر كله، كما قال ضياء رشوان نقيب الصحفيين، فالمؤسسات الصحفية هى ملكية خالصة للدولة، تسهر على حمايتها أجهزة الدولة المختلفة بما فى ذلك الحكومة نفسها. ولذا فالمطلوب هو حل عاجل لمشكلة السيولة، وحتى تستطيع المؤسسات القومية أن تستثمر وأن تزيد الإنتاج وأن تُحدث ماكيناتها. باختصار إن حل مشكلة السيولة بيد الدولة أولا وأخيرا.. جنبًا إلى جنب أن تكون هناك رؤية لدور هذه المؤسسات، وفى الآن نفسه فمن غير الجائز أن نسلم هذه المؤسسات إلى الهيئة الوطنية للصحافة القومية التى أقر إنشاءها الدستور، والتى سترث دور المجلس الأعلى للصحافة مستقبلا وهى فى لحظة بحث عن حلول دون جدوى. إن الإقرار بأن مسئولية بقاء وتطوير المؤسسات الصحفية القومية هو أمر مشترك بين الحكومة وبين هذه المؤسسات الصحفية يفتح الباب أمام طاقة من نور، وهذا فى حد ذاته أمر جيد، وإذا ما تطور إلى أسلوب عمل نصبح قد حققنا الكثير، فمن جانب تمت مساعدة المؤسسات الصحفية لكى تتخطى عنق الزجاجة، ومن ناحية أخرى تتفرغ هذه المؤسسات إلى ممارسة دورها الوطنى والتنويرى بأعلى مستوى ممكن، خاصة وأن لديها الكوادر البشرية القادرة والمتميزة والأكثر كفاءة. لقد أثلج الرئيس قلوبنا جميعا حين قال بحسم إن الحفاظ على المؤسسات الصحفية القومية وتطويرها هو هدف استراتيجى لا خلاف عليه، ونريد أن يكون هذا الإعلام قوى وفعال وفى الآن نفسه أن ندرك قدرة الدولة بمنتهى الأمانة والموضوعية والفهم. وأنه إذا كانت كل المعالجات السابقة تتم خارج سياق الواقع، فعلينا أن نفكر بطريقة خلاقة، وأن نضع خريطة طريق تستند إلى مبدأ تحقيق الفوز المشترك لكل الأطراف، حتى لو استطعنا أن نحصل على قرض طويل الأجل من جهة خارجية، مع الوضع فى الاعتبار أن تجارب الآخرين ليست مقياسا لحل مشاكلنا، فنحن لنا خصوصية وحلولنا لابد أن تعالج فى هذا الإطار. وهنا حدد الرئيس الأسلوب، قائلا « مجموعة منكم تجلس معا للوصول إلى حلول واقعية، وأن تضع خريطة للحل، تبحث عن شىء خارج الصندوق، وأن تصل هذه اللجنة إلى 10 أو 12 قرار نقرها قدر الإمكان وبحيث نضمن أسلوبا أمثل لإدارة الأصول وفق خريطة واضحة، على أن تلتزم كل المؤسسات بترشيد الإنفاق حتى نعبر هذه الأزمة. فنحن جميعا فى حرب ضروس وربنا سوف ينصرنا لأننا مع الحق.. حرب فى الداخل وأخرى فى الخارج تشن على المنطقة كلها. ولذا فمصر لابد أن تنجح وإذا لم تنجح لا قدر الله فالكل سوف يقع. فالمنطقة بأسرها على المحك. ولا يمكن لأحد أن يبتز الدولة. إن الإقرار بأن مسئولية بقاء وتطوير المؤسسات الصحفية القومية هو أمر مشترك بين الحكومة وبين هذه المؤسسات الصحفية يفتح الباب أمام طاقة من نور، وهذا فى حد ذاته أمر جيد، وإذا ما تطور إلى أسلوب عمل نصبح قد حققنا الكثير هذه الرؤية للرئيس السيسى التى أفصح عنها بعد أن تداول الحاضرون المشكلات التى نعانيها من كافة أبعادها، وبعد أن استمع لوجهة نظر الحكومة، ووجهة نظر المجلس الأعلى للصحافة والمؤسسات الصحفية القومية تثبت أن الرجل على وعى كامل بأن الخروج من أى مأزق لن يتم إلا بحوار جاد وفعال بين أجهزة الدولة المختلفة، وبين الجهات المعنية بالأزمة أو بالشكوى، وأن وجود آلية وهدف محدد ومبادئ واضحة يعمل على هديها الجميع هو الطريق الوحيد لمعالجة أى موقف شريطة أن يكون مرتبطا بالواقع المصرى وظروفنا الذاتية، دون أن نتجاهل تماما خبرات العالم حولنا. ومرة ثانية لقد أثلج اللقاء مع الرئيس السيسى صدورنا، على الأقل وضع القطار على الطريق الصحيح، والمهم أن نتخذ الخطوة التالية، وأن نجد الحكومة قد حددت أسماء السادة الوزراء المعنيين، للقاء مع ممثلى المجلس الأعلى للصحافة والمؤسسات القومية لترجمة رؤية الرئيس إلى خطة عمل وإلى قرارات وإلى التزامات. إن مدة الأيام العشرة أو أسبوعين كافية تماما للوصول إلى القرارات المطلوبة، والمهم أن نبدأ فورًا خاصة وأن الجميع يعرف ما هو المطلوب وما هو الممكن.