أسمر وجميل.. أسمر بلون النيل.. جميل فى عيون أمه.. يخطو خطواته الأولى فى الحياة.. لا يدرى ما أصابه.. لا يعرف معنى كل هذه الآلام.. سمرته تشوبها إصفرار المرض.. المرض الذى سرق براءته.. سرق طفولته واغتالها.. تحمله أمه على كتفها.. تحمل فى يدها كيسا بلاستيكيا تجمع به أوراق مرضه وبعض الملابس الخاصة به.. يظهر عليها الإعياء بوضوح.. تبكى وهى تتذكر رحلتها ورحلته مع المرض.. لم تكن تدرى عندما كان جنينا داخل رحمها أنه بعد أن يولد ويرى نور الحياة سيواجه كل هذا العذاب والألم وتتساءل هل كان عليها أن تحتفظ به داخل رحمها إلى الأبد؟. ولكن ليس لها أى يد فى ذلك فهى «إرادة الله» الذى لا راد لإرادته.. فالأمر كله بيد الله سبحانه وتعالى.. جاء إلى الدنيا ضعيفا هزيلا منذ اليوم الأول له فى هذه الحياة.. حتى عندما بلغ عامه الأول لم يكن يستطيع أن يقف بثبات أو يلعب مثل الأطفال فى سنه.. بل كان يبكى ويصرخ ويتألم ويئن بالرغم من أنه لم يفارق أبدا حضن أمه.. أكلته.. ضعيفة.. يصرخ ويتلوى من الآلام الذى لا تعرف أمه مصدره أو مكانه.. حملته إلى الوحدة الصحية قامت الطبيبة بالكشف عليه ووصفت له دواء فهو طفل لم يتعد عامه الأول وربما يكون مرضه بسبب نوعية الطعام الذى تعطيه له الأم.. ولكن الدواء كأنه جرعة ماء ليس له أى تأثير فيما يشكو الطفل ويعانى منه.. فهو مازال يتألم.. رآه الأب هكذا فطلب منها أن تحمله وتذهب به إلى المستشفى المركزى بمحافظة قنا التى تنتمى لها الأسرة.. ولم تجد الأم مفرا وعليها أن تفعل ما أمرها به الأب.. قام الأطباء بفحصه ثم طلبوا منها إجراء تحاليل سريعة حتى يصلوا لأسباب الشكوى.. ولم يكتفوا بالتحاليل بل قاموا بإجراء أشعة على البطن والجهاز البولى.. كل هذا وهى لا تدرى ما يخفى لها القدر.. ولكن بعد أيام طلب منها الأطباء حمل الابن إلى القاهرة.. حيث المعهد القومى للأورام فهم يشكون أن الطفل مصاب بورم سرطانى بالغدد الليمفاوية ويحتاج إلى أبحاث وفحوصات متخصصة.. لم تفهم ما يقول الطبيب.. أصابها الهم والحزن.. اصطحبت أمها معها لتكون سندها فى الرحلة الطويلة مع الابن، فالزوج يعمل أجيرا ولن يستطيع أن يترك عمله وإلا لن يجد لقمة العيش هو وأسرته.. ركبت قطار الليل لتصل فى الصباح وتتجه مباشرة إلى المعهد القومى للأورام.. قام الأطباء بإجراء التحاليل والفحوصات التى أكدت أن الطفل مصاب بأورام سرطانية بالغدد الليمفاوية ويحتاج إلى جلسات للعلاج الإشعاعى والكيماوى.. أيام طويلة عاشتها الأم وطفلها فى المعهد من أجل العلاج ولكنها لا تستطيع أن تترك أطفالها الذى تتراوح أعمارهم ما بين عشرة أعوام وأربعة.. وكان على الجدة أن تقوم هى بالرحلة المرهقة كل أسبوع.. سبعة أعوام من العذاب الجسدى والمادى، توفيت خلالها الجدة وتركت الرحلة الطويلة للأم التى ترى مدى ما يشعر به الطفل من آلام والذى يفوق قدرة وطاقة الصغير وهو مازال عود أخضر يتعرض للجفاف يوما بعد يوم والظروف المادية للأسرة صعبة جدا، فالأب لا يستطيع أن يتحمل المصاريف التى يحتاجها الطفل المريض.. وأصبحت الأسرة الآن فى محنة قاسية فهى لا تجد ما يغطى تكاليف علاج الابن وغذائه أو حتى مصاريف السفر من قريته بمحافظة قنا إلى القاهرة.. فهل تجد هذه الأسرة المسكينة من يساعدها ويقف بجانبها وبجانب الابن «محمود»؟.. من يرد يتصل بصفحة مواقف إنسانية..