ما الذى يدفع شبابا فى أوروبا وأمريكا إلى التخلى عن حياة الترف التى يعيشونها فى دولهم من أجل السفر للقتال فى بلدان مزقتها الحرب مثل سورياوالعراق؟ تساؤل يطرح الآن على نطاق واسع فى محاولة لفهم ظاهرة اجتذاب تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام المعروف ب «داعش» لأعداد متزايدة من المقاتلين الأجانب، خاصة بعد أن أظهر تقرير أممى أن نحو 15 ألف أجنبى من 80 بلدا توجهوا إلى العراقوسوريا خلال السنوات الماضية للقتال فى صفوف تنظيمات متطرفة مثل داعش. ووفقا للاستخبارات الأمريكية، فإن عدد الغربيين الذين سافروا إلى العراقوسوريا للانضمام إلى داعش يقدر بنحو ألفى مقاتل، من بينهم أكثر من مائة من الولاياتالمتحدة، و500 على الأقل من بريطانيا، وأكثر من 700 من فرنسا، بحسب تقديرات السلطات فى هذه الدول. ويؤكد خبراء نفسيون أن الشباب الغربيين الذين تنجح داعش فى تجنيدهم عبر الانترنت هم أشخاص ذوى تركيبة نفسية معينة، فهم فى الغالب شباب محبطون يفتقرون إلى الهوية والانتماء ويبحثون عن معنى لحياتهم أو مجد أو أهمية أوهوية جديدة.. وبعضهم لا يفهم المعنى الحقيقى للإسلام. وفى هذا السياق، يقول آرى كروجلانسكى، أستاذ علم النفس فى جامعة ماريلاند، والذى شارك فى إعداد دراسة لتحليل ظاهرة انجذاب الشباب الغربى لداعش، إن الأشخاص الذين يبحثون عن المجد والإحساس بالأهمية يكونون أكثر عرضة لتقبل الايديولوجيات المتطرفة لأنها تعد بتحقيق ذلك لهم. ويضيف كروجلانسكى لشبكة «إن. بى سى. نيوز» الأمريكية أن البيئة المحيطة بالشخص قد تؤجج الغضب الكامن وتثير الرغبة فى التواصل مع قوى أجنبية تسعى للإضرار بالغربيين، فعلى سبيل المثال التعرض للإهانة والافتقار إلى الإحساس بالأهمية يؤديان إلى الإقبال على الإيديولوجيات الراديكالية. وفى السياق ذاته، يوضح ريتشارد باريت، الرئيس السابق لقسم مكافحة الإرهاب فى جهاز الأمن الخارجى البريطانى أن الصورة العامة التى يقدمها المقاتلون الأجانب عن حياتهم فى سوريا توحى بالألفة والروح المعنوية المرتفعة والنشاط الهادف وكل ذلك ممزوج بشعور من البطولة وهو ما يهدف إلى جذب أصدقائهم. أما جون هورجان، أستاذ علم الجريمة والعدالة بجامعة ماساتشوستس لويل، فيرى أن التحول إلى الايديولوجيات المتطرفة أحيانا ما ينتج عن أسباب تافهة مثل فكرة أن الالتحاق بداعش يوفر فرصة للخروج من الملل أو تحقيق أحلام الشخص بخوض المغامرة أو خلق شخصية جديدة. ويشير الباحث البريطانى جيمى بارتليت مدير مركز تحليل مواقع التواصل الاجتماعى فى مركز أبحاث ديموس، إلى أنه اكتشف من خلال الدراسات التى أجراها أن الكثير من المتطرفين يفهمون الإسلام بشكل سطحى وهو ما يؤدى إلى انجذابهم للأفعال الإجرامية التى يرتكبها الإرهابيون باسم الإسلام، على نحو مشابه بانجذاب الشباب على مر العصور للتنظيمات العصابية أو التنظيمات الفوضوية أو الشيوعية. ويرى بول كريكشانك محلل الشئون الأمنية ومكافحة الإرهاب لدى «سى. إن. إن» أن داعش تلعب على الفهم الخاطئ للواجب الدينى لدى الشباب حيث إن الرسالة التى تنشرها داعش على مواقع التواصل الاجتماعى هى «عليك بالانضمام.. إنه واجب دينى»، وبالتالى فإن البعض يذهب بدافع مساعدة السنة المضطهدين فى سورياوالعراق أو المساعدة فى بناء الدولة الإسلامية. كما أن البعض ينجذب بفعل الرغبة فى الموت شهيدا وهو يحارب العدو الكافر. وعلى نحو مشابه يتم التغرير بالفتيات الصغيرات، حيث يرى لوى كابوريولى الرئيس السابق لوكالة المخابرات الفرنسية أن الفتيات الأوروبيات يسافرن إلى سوريا مدفوعات بفكرة مساعدة الإخوة المجاهدين وإنجاب مقاتلين جدد يجاهدون فى سبيل الدولة الإسلامية، مشيرا إلى أن كل منهن تطمح لأن تصبح زوجة الشهيد فى حال مقتل زوجها. أما أهم سبب لنجاح داعش فى الوصول إلى الشباب الغربى، فهو ما أكد عليه معظم الخبراء من إدارته لحملة دعائية متطورة على شبكة الانترنت حيث يقوم التنظيم بنشر فيديوهات ذات تقنية عالية ويصدر مجلة إلكترونية باللغتين العربية والانجليزية خاصة به، كما أنه يملك حضورا قويا على مواقع التواصل الاجتماعى مما يساعده فى تجنيد المقاتلين من جميع أنحاء العالم، الأمر الذى دفع وزراء داخلية الاتحاد الأوروبى لمطالبة جوجل وفيس بوك وتويتر ومايكروسوفت، وهى الشركات الأربع الأكبر فى عالم التكنولوجيا الحديثة، أن يساهموا فى وقف المد الإعلامى لداعش.