الخيانة ليست وجهة نظر.. الخيانة فعل خسيس لا يغسل عاره ادعاء البطولة ولا امتطاء أحصنة النبل والشهامة الخشبية .. ولا تطيير التغريدات البليغة التى تصدر عن خونة قناة الجزيرة و«أرجوزاتها» مثل فيصل القاسم الذى كتب على حسابه فى تويتر: «من عادة القوى الكبرى تاريخيًا أن تستخدم الآخرين كأحذية تعبر بها المستنقعات القذرة ثم ترميها جانبًا»!! وتغريدة بتغريدة أقول للحذاء الصغير فى قدم الجزيرة: «أصبت يا كاذب فيما نقلت.. وكذبت فيمن رميت.. فما أنت وجزيرتك والدولة الرعاية لكليكما إلا أحذية تطأ بها أمريكا الضعفاء والجبناء.. وما أمريكا نفسها إلا حذاء فى قدم الصهيونية.. وأضيف أن ما سبق لا ينفى وجود مستنقعات عربية قذرة.. وفى السطور التالية كشف لإحداها. (1) ليس جديدًا هذا القلق الأمريكى على المستوى الرسمى بسبب علاقات قطر ونشاطاتها ولعبها مع أعداء إسرائيل المصنفين إرهابيين فى منطقة الشرق الأوسط وخارجها.. ويمكننا أن نرصد هذا القلق فى وثيقة رسمية كشف عنها موقع ويكيليكس ضمن الوثائق الكثيرة التى كشفها.. وتاريخ الوثيقة يعود إلى 15 أكتوبر 2008 وتصنيفها سرى ورقمها الكودى O8DOHA718_a ومناسبتها التى خرجت بها من سفارة أمريكا فى الدوحة كانت زيارة نائب المدعى العام الأمريكى مارك فيليب لقطر، والوثيقة موجهة إلى أكثر من جهة رسمية فى الإدارة الأمريكية وبالطبع موجهة بالأساس للضيف الذى تنتظر قطر زيارته.. وفى الوثيقة الشارحة لطبيعة العلاقات الأمريكيةالقطرية هناك توضيح كبير لنقاط الالتقاء والتعارض فى سياسات كل من الدوحةوواشنطن، ولأن الضيف ينتمى لمؤسسة العدالة الأمريكية، وذاهب إلى الدوحة لضبط أمور تتعلق بالقضاء والأمن فقد ركزت الوثيقة على ما يتعلق بالتشريعات فى قطر، والتنسيق الأمنى بين الدولتين ونشاطات الدعم القطرى لمن تعتبرهم الولاياتالمتحدة إرهابيين.. هذا هو الهدف من الزيارة لكن رسالة السفير الأمريكى فى الدوحة شملت ما هو أكثر من ذلك لتوضح للضيف القادم نقاط الدعم وأوجه الخلاف الحاكمة للعلاقات بين واشنطنوالدوحة – كما أسلفنا - لكن قراءة واعية للوثيقة يكشف بوضوح الامتطاء الأمريكى لظهر قطر على المستويين الاقتصادى والعسكرى.. بغض النظر عن ضحك أمريكا على ذقن قطر حين تصف فى الوثيقة هذا الامتطاء بالتعاون أو الأهمية كما هو مذكور فى الفقرة التالية ونصها: «العلاقة العسكرية بين الولاياتالمتحدةوقطر فى غاية الأهمية، فقطر تمد الجيش الأمريكى بمنفذ استثنائى لاثنتين من المنشآت العسكرية القطرية وهما قاعدة العيديد الجوية وقاعدة السيلية اللتين ربما يمثلان أهم منشآت التشغيل للقيادة المركزية الأمريكية خارج العراق». ومع إضافة الوثيقة عبارة: «قطر ترعانا لا تؤجرهما لنا» نكتشف لعبة الضحك على الذقون التى تمارسها واشنطن على الدوحة.. لكن ماذا عن الأخيرة؟ أقصد ماذا تريد قطر من أمريكا غير الحماية العسكرية؟! أعتقد أن الإجابة الصحيحة والحصرية لهذا السؤال هى: إن قطر تريد أن تركب جناح المشروع الغربى الصهيونى لتحقق حلمها الإمبراطورى.. نعم بات من الواضح أن رؤوس الأسرة الحاكمة فى قطر تحلم باعتلاء أبناء آل ثان كرسى الخلافة الإسلامية فى حال تكوينها، وأن هناك من أقنعهم أن هذه الخلافة لن تأتى إلا عبر جهاد جماعات الإسلام السياسى، وانظر لخريطة العلاقات القطرية الداعمة لهذه الجماعات، وتاريخ التورط القطرى فى حملة الغرب لإسقاط الديكتاتوريات العربية، وما مشروع الغرب هو الآخر إلا مشروع أممى مضاد لمشروع الخلافة، وهدفه المرحلى فى مرحلة الربيع كان زرع الأنظمة والحكام العرب المؤمنين بأفكار وقيم وتطلعات الغرب ليقودوا التغيير المنشود فى البلدان العربية.. ورغم اختلاف وتضاد المشروع الغربى مع مشروع الخلافة على الطريقة القطرية إلا أن كلًا من قطر والغرب وعلى رأسه أمريكا ارتضيا التعاون لأجل تحقيق هدف إسقاط بن على فى تونس والقذافى فى ليبيا ومبارك فى مصر وصالح فى اليمن والعمل على إسقاط بشار فى سوريا، وحتى الممالك الخليجية لم تنج من المخطط وأبرز نموذج فى هذا الصدد هو ما يحدث وما يحاك ضد المملكة السعودية والبحرين. (2) وكان التحرك القطرى نحو دعم جماعات الإسلام السياسى مقبولا من أمريكا الرسمية والدوائر الصهيونية لكن إلى حين وهذا الحين أتى أوانه خاصة بعد حرب غزة الأخيرة وخسائر إسرائيل بسببها حتى ولو كانت ضئيلة بالقياس إلى خسائر غزة إلا أن إسرائيل واليهود فى خارجها لم يعودوا يطيقون لعب قطر لدور العميل المزدوج وممارسة القفز الحر بين حبلى المعسكرين أمريكا وإسرائيل والغرب من جهة.. وجماعات الإسلام السياسى من جهة أخرى. (3) لهذه الأسباب رأى الصهاينة فى إسرائيل وخارجها أنه لابد من قمع التحركات القطرية نحو حماس وداعش وبوكو حرام والإخوان وغيرها، وأن الخطوة الأولى فى هذا القمع بدأت الآن بفتح ملفات قطر وتأليب الشعوب والدول والمنظمات الدولية ضدها.. وانطلقت حملة التشويه والفضح فى أكثر من اتجاه وبعديد من وسائل الإعلام والاتصال والتأثير.. بات من الواضح أن رؤوس الأسرة الحاكمة فى قطر تحلم باعتلاء أبناء آل ثان كرسى الخلافة الإسلامية فى حال تكوينها فى صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية كتب المحلل السياسى المدعو جدعون كوتس بتاريخ 14 أكتوبر الحالى :»قطر متهمة اليوم بدعم الإرهاب.. ومتهمة بشراء المونديال 2022 وتسيطر اليوم على صناعات أساسية ومبان عامة وفنادق فاخرة، وفرق كرة قدم إلى جانب وسائل الإعلام. وأشار الكاتب اليهودى إلى كتاب أصدره كاتبان فرنسيان يحمل عنوان: «فرنسا تحت التأثير» وقد جاء فيه أنه منذ عام 2007 أصبحت الجمهورية الفرنسية المفتخرة مستعبدة للإمارة الصغيرة وزعائمها ليس اقتصاديًا فقط ولكن أيضًا استراتيجيًا، فى مجال السياسة الداخلية والعلاقات الخارجية والأمن القومى.. ولم تتردد النخب الفرنسية فى العمل ضد المصلحة القومية بسبب تعلقها بالمال القطرى. وفى نفس السياق انطلقت دورية «فورن بوليسى» المُعبِّرة عن التوجهات الاستراتيجية للسياسة الخارجية الأمريكية تفضح الدور القذر للدوحة فى ثورات الربيع العربى وتقرر ما ذهبنا إليه سابقًا من أن قطر تسعى للسيطرة على النفوذ فى الشرق الأوسط والولاياتالمتحدة من خلال أموالها التى تحصل عليها من النفط، وبالتزامن نشرت أيضًا صحيفة النيويورك تايمز تقريرا جاء فيه أن هناك دعاة دينيين مثل الشيخ حجاج العجمى يقومون بأنشطة جمع تمويلات فى قطر لحساب جماعات الإرهاب التى تقاتل فى سوريا، وأضاف التقرير أن هذا العجمى الذى تلقى أنشطته دعم ومساندة من قناة الجزيرة هو وشقيقه شافعى العجمى مرصود من قبل أجهزة الأمن فى واشنطن كداعم وممول للإرهاب فى الشرق الأوسط بينما يقوم أخوه بدور الوسيط لتوريد السلاح الذى تشتريه قطر لحساب الحركات الإرهابية المسلحة التى تقاتل فى سوريا (!!). (4) ولم تقتصر الحملة على الميديا التقليدية، فهناك منظمات مكافحة الإرهاب الغربية وقد نشطت فى الهجوم على قطر وتأليب الرأى العام الأمريكى والمؤسسات الأكاديمية ومراكز «الثنك تانك» عليها، ومن المعلوم أن هناك تعاونًا كبيرًا بين بعض المؤسسات الأكاديمية ومراكز الأبحاث مثل كارينجى ميلون وجامعتى جورج تاون ونورث ويسترن وبين قطر. وهناك أيضا من الشواهد ما يشير إلى أن الحملة سوف يتم دعمها ومدها للداخل القطري نفسه، وسوف يقوم بهذا الدور الحقوقيون ونشطاء المجتمع المدنى قطريين وغيرهم، وسوف يشتغلون على ملفات السجناء السياسيين فى قطر والعمال الأجانب. وكما يقولون انقلب السحر على الساحر، ولن يجدى اليوم حكام آل ثان الذين خانوا عروبتهم أن جعلوا من بلدهم مطية يركبها الصهاينة، أو حذاء تخوض به القوى الكبرى المستنقعات كما يقول مذيع الجزيرة.