إذا كان فيلم الجزيرة الذى عرض فى عام 2007 يركز على قضايا اجتماعية وإنسانية من خلال دراما صعيدية قوية ومتقنة الصنع، فإن فيلم الجزيرة2 الذى عرض فى العيد يقدم جزءا ثانيا به الكثير من الإسقاط السياسى عما جرى بعد ثورة 25 يناير، السيناريو الذى كتبه محمد دياب وخالد دياب وشيرين دياب وأخرجه للسينما شريف عرفه يضع دائرة حول تجار الدين والعنف، يعتبرهم الخطر الأكبر الذى يستدعى أن تتوحد الجزيرة وأهلها وناسها ضدهم، يقول الفيلم بدون مواربة إن الذين يستخدمون العنف ويرفعون السلاح لابد من مواجهتهم بنفس الطريقة، الجزيرة 2 بهذا المعنى، ومن خلال تلك الزاوية الواسعة، فيلم سياسى أيضا، ومركز الثقل، ومحرّك الدراما فيه هو شخصية الشيخ جعفر بأداء الراحل خالد صالح (الفيلم أهدى إلى روحه)، وليست شخصية منصور الحفنى مع أن الأخير يظهر فى معظم المشاهد، ولديه كذلك مشاكله وطموحاته. ??? تبدأ الأحداث من يوم 24 يناير 2011، وتنتهى فى منتصف 2012، تواكب هذه الفترة أحداث ثورة يناير، وترتبط بمصير منصور الحفنى الذى نراه فى أول الفيلم مرتديا بدلة الإعدام الحمراء، ومع اقتحام سجن وادى النطرون تتاح الفرصة لمنصور أن يهرب، نلاحظ أن بين مقتحمى السجن من يرتدون ما يشبه ملابس الأفغان، يذهب منصور (أحمد السقا) إلى الإسكندرية حيث يلتقى ابنه بعد عشر سنوات من الغياب، أصبح على شابا فى الثامنة عشرة من عمره، رباه فضل( نضال الشافعى)، شقيق منصور الأخرس، يعيش على قصة حب مع فتاة إسكندرانية، مع ظهور منصور تتغير حياة الابن لأن والده سيصر على أن يأخذه هو وفضل إلى الجزيرة من جديد، لاستعادة الأرض التى اشتراها خصومه من عائلة الرجايحة، ولاستعادة النفوذ الضائع، فى الجزيرة نفسها تبدلت الأحوال تماما: كريمة (هند صبرى) أصبحت تقوم بدور الكبيرة، تتاجر فى السلاح بدلا من المخدرات، ولكن التبدل الأهم هو ظهور الشيخ جعفر (خالد صالح) وجماعته الذين يطلقون عليها اسم الرحّالة"، لاترمز الجماعة إلى الإخوان، ولكنها توسع الدائرة لكى تشمل كل جماعة دينية كانت تعمل تحت الأرض، وتحاول أن تسيطر على الآخرين بدعوى دينية، وتريد أن تفرض رؤيتها هى، كان الرحالة يعيشون فى الجبال حول الجزيرة، كانت القاعدة هى ألا يعيشون فيها، كانوا جماعة مغلقة، يبيعون ويشترون ويتزوجون من بعضهم، بعد ثورة يناير أصبح الرحالة يتاجرون فى السلاح وفى السيارات المسروقة، ويقوم نظامهم على مبدأ السمع والطاعة المطلقة، إضافة هذا الخط وتلك الشخصية أكسب الفيلم بعده السياسى الواضح، بل إننا سنكتشف أن الشيخ جعفر هو الذى يدير الدفة سواء أمام الستار أو من خلف الستار. ??? عندما يعود منصور إلى جزيرته مصطحبا ابنه على، وفضل الأخرس (شقيق منصور)، يدور الصراع بالأساس مع كريمة كبيرة الجزيرة، وحبيبة الماضى القديم، يحاول منصور توحيد ما تبقى من عائلته، يحاول ترميم أطلال قصر العائلة، ويريد استعادة مجده الشخصى فى مجال تجارة المخدرات، أصبحت هناك صعوبة فى تصريف البضاعة بسبب دخول التجار الصغار، أسرة كريمة تريد الثأر من منصور الذى ارتكب مذبحة ضدهم، يدخل الشيخ جعفر على الخط، يقنع منصور بصفقة، يمنحه جعفر أسلحة، ويأخذ مخدرات بدلا منها، جعفر يقتع منصور أيضا بأنه يستطيع أن يحصل له على عفو على جرائمه، أصبحت مشكلة منصور بعد ذلك البحث عن وسيلة لبيع الأسلحة التى حصل عليها، والحصول على أموال يدفعها لمزارعى الجزيرة الذين وثقوا فيه، وأعطوه محاصيلهم لتصريفها. يلجأ منصور إلى الضابط رشدى (خالد الصاوى)، غريمه السابق، كان رشدى الذى حصل على رتبة اللواء، قد اعتقل بعد ثورة يناير، ينجح منصور فى إطلاق سراحه من سيارة الترحيلات، يبتزه لكى يساعده فى تصريف الأسلحة، يقاوم رشدى الذى يقدمه الفيلم بصورة إيجابية بعكس الجزء الأول، بل إن الجمهور يتعاطف تماما مع رشدى عندما يقوم الرحالة بتفجير سيارته وفيها طفلاه، يستقيل رشدى من عمله لأنه شعر بعدم قدرة رئيسه (خليل مرسى) على حمايته، فى الوقت الذى يخوض فيه منصور الحفنى صراعا من نوع آخر مع ابنه "على" الذى لايريد أن يعيش فى الجزيرة، كما يتزوج منصور من صفية (أروى جودة) ابنة أحد كبار العائلة ممن قتلهم الرحالة، يدور الصراع حادا وعنيفا بين كريمة ومنصور من ناحية، وبين منصور ورشدى من ناحية أخرى، ثم نكتشف أن الرحالة كانوا وراء عمليات القتل، وأنهم تسللوا بهدوء ليقتلوا أطفال رشدى، وفضل شقيق منصور، وكذلك قتلوا قريب منصور العجوز الذى ترك ابنته صفية وشقيقيها، لم يكتف الشيخ جعفر بذلك، ولكنه حصل بصفقته مع منصور على إذن بالنزول مع الرحالة إلى الجزيرة والإقامة فيها، بل إن جعفر استطاع إقناع كريمة بأن توافق أخيرا على الزواج منه. تستيقظ الجزيرة ذات يوم لتجد الرحالة فى كل مكان، يطبقون أحكامهم، يشترون الأراضى من المزارعين، يقام منبر لكى يخطب فيه الشيخ جعفر، يقوم جعفر بقتل فضل أمام منصور، يضربون منصور ويهينونه حتى يكسرونه، لم يعد أمام الغرماء الثلاثة: منصور وكريمة ورشدى سوى الاتحاد معا أمام العدو الجديد، الشيخ جعفر والرحالة، فى مشهد أخير ضخم، يبدأ الرحالة بقصف الجزيرة بالصواريخ من الجبال، تنتفض الجزيرة كلها، رجالا ونساء، يخرجون بالسلاح، يحاصر جعفر وأنصاره، يهرب وهو يردد :النصر أو الشهادة"، يواجهه رشدى ومنصور، يهدد جعفر بتفجير المكان، يطلب صلحا يرفضه منصور، يدوّى انفجار هائل، فى الخارج يعتقدون أن منصور قد مات، يختارون عليّا كبيرا على الجزيرة، وسط الانفجار، تتسلل الكاميرا، نلمح حركة يد للشيخ جعفر، ولرشدى، ثم يفتح منصور عينيه، فى الخارج مازال فلول الرحال واقفين يحملون السلاح. ??? سارت الأحداث كلها فى خدمة الخط السياسى، تضاءل خطر منصور تاجر المخدرات وخطر كريمة تاجرة السلاح وخطر رشدى ضابط الشرطة الفاسد أمام خطر الرحالة تجار الدين والعنف، أعلنت هدنة مؤقتة بين الجميع أمام كارثة أكبر، هؤلاء الغرباء فكرًا وطباعا عن أهل الجزيرة، قدم شريف عرفة ملحمة صعيدية بلمسات سياسية ذكية وإسقاطات واضحة، كان معه فريق كبير من الفنانين الكبار: أيمن أبو المكارم (تصوير)، فوزى العوامرى (ديكور وإشراف فنى)، عمر خيرت (موسيقى)، داليا الناصر (مونتاج)، ناهد نصر الله (ملابس)، وفريق من المشخصاتية المميزين، أحمد السقا وهند صبرى وخالد الصاوى وخالد صالح فى أحد أروع أدواره وأروى جودة ونضال الشافعى فى دور فضل الأخرس والواعد أحمد مالك فى دور الابن على، والقدير جميل برسوم فى دور قصير مميز جدا، مشهد واحد فقط. الجزيرة 2? أحد أفضل أفلام 2014، وسينافس بقوة كذلك فى فروع فنية وتقنية كثيرة عندما نختار الأفضل فى نهاية العام.