وأكد الرئيس أن تلك بإيجاز شديد، معالم اللحظات الفارقة التى عاشتها مصر فى الفترة الماضية، لكنها ليست إلا مرحلة من مسيرة ممتدة، بطول وباتساع آمال وتطلعات المصريين، ليومٍ أفضل وغدٍ أكثر ازدهارًا. وأشار الرئيس إلى أن العالم بدأ فى إدراك حقيقة ما جرى فى مصر، وطبيعة الأوضاع التى دفعت الشعب المصرى، بوعيه وحضارته، إلى الخروج منتفضاً ضد قوى التطرف والظلام، التى ما لبثت أن وصلت إلى الحكم، حتى قوضت أسس العملية الديمقراطية ودولة المؤسسات، وسعت إلى فرض حالة من الاستقطاب لشق وحدة الشعب وصفه.. ولعل ما تشهده المنطقة حالياً، من تصاعد التطرف والعنف باسم الدين، يمثل دليلاً على الأهداف الحقيقية لتلك الجماعات التى تستغل الدين، وهو ما سبق لنا أن حذرنا منه مراراً وتكراراً. وخاطب السيسى دول العالم قائلا: لقد أدرك الشعبُ المصرى، وأُدرِكُ من واقع المسئولية التى أتحملها منذ انتخابى رئيساً، أن تحقيق أهدافنا بدأ ببناء دولة مدنية ديمقراطية، فى ظل المبادئ التى سعينا إليها من خلال الاِلتزام بخارطة المستقبل، التى توافقت عليها القوى الوطنية المصرية، والتى تكتمل بإجراء الانتخابات البرلمانية، بعد أن قال الشعب المصرى كلمته، وعبر عن إرادته الحرة فى الانتخابات الرئاسية ومن قبلها الدستور، لنبنى « مصر الجديدة».. ..دولةٌ تحترم الحقوق والحريات وتؤدى الواجبات، تضمن العيش المشترك لمواطنيها دون إقصاء أو تمييز .. دولةٌ تحترم وتفرض سلطةَ القانون الذى يستوى أمامَهُ الكافة، وتَضْمَنُ حريةَ الرأى للجميع، وتَكْفُلُ حريةَ العقيدةِ والعبادةِ لأبنائها.. دولةٌ تسعى بإصرار لتحقيق النمو والازدهار، والانطلاق نحو مستقبل واعد يلبى طموحات شعبها. وأشار الرئيس إلى أن مصر بدأت فى تنفيذ برنامج شامل طموح لدفع عملية التنمية حتى عام 2030، يستهدف الوصول إلى اقتصاد سوق حر، قادر على جذب الاستثمارات فى بيئة أمنية مستقرة.. ولعل فى مشروع قناة السويس الجديدة، هدية الشعب المصرى إلى العالم، ما يؤكد على جدية هذا التوجه، وعلى حرص «مصر الجديدة» على بناء غدٍ أفضل لأبنائنا وشبابنا، ولذا أدعوكم للمشاركة فى المؤتمر الاقتصادى الذى سيُعقد فى مصر خلال شهر فبراير القادم، من أجل تحقيق التنمية وبناء المستقبل، ليس لمصر فحسب، وإنما للمنطقة بأكملها. مواجهة الإرهاب إن هذه الخطوات تُعَبِرُ باختصار عن مضمون العقد الاجتماعى، الذى توافق عليه المصريون فى دستورهم الجديد، لبناء حاضر ومستقبل مشرق لشبابنا، ولتأسيس دولة المؤسسات وسيادة القانون، التى تحترم القضاء، وتضمن استقلاله، وتُفَعِّل مبدأ الفصل بين السلطات، دون تراجع أمام إرهاب يظن أن بمقدرة اختطاف الوطن وإخضاعه. وأوضح الرئيس أن الإرهاب الذى عانت مصر من ويلاته منذ عشرينيات القرن الماضى، حين بدأت إرهاصات هذا الفكر البغيض تبث سمومها، مستترة برداء الدين للوصول إلى الحكم وتأسيس دولة الخلافة، اِعتماداً على العنف المسلح والإرهاب كسبيل لتحقيق أغراضها. وهنا أريد أن أؤكد، أنه لا ينبغى السماح لهؤلاء الإساءة للدين الإسلامى الحنيف، ولمليار ونصف المليار مسلم، الذين يتمسكون بقيمه السامية؛ فالدين أسمى وأقدس من أن يوضع موضع الاختبار فى أية تجارب إنسانية، ليتم الحكم عليه بالنجاح أو الفشل. وأكد السيسى للعالم أجمع أن الإرهاب وباءٌ لا يفرق فى تفشيه بين مجتمع نام وآخر متقدم.. فالإرهابيون ينتمون إلى مجتمعات متباينة، لا تربطهم أية عقيدة دينية حقيقية، مما يحتم علينا جميعاً، تكثيف التعاون والتنسيق لتجفيف منابع الدعم الذى يتيح للتنظيمات الإرهابية مواصلة جرائمها، إعمالاً لمبادئ ميثاق الأممالمتحدة وتحقيقاً لأهدافها. وتطرق الرئيس إلى قضايا المنطقة قائلا: إن ما تعانيه منطقتنا من مشكلات ناجمة عن إفساح المجال لقوى التطرف المحلية والإقليمية، وحالة الاستقطاب إلى حد الانقسام والاقتتال، أضحى خطراً جسيماً يهدد بقاء الدول ويبدد هويتها.. مما خلق للإرهاب وتنظيماته بيئة خصبة للتمدد وبسط النفوذ. مصر وأزمات المنطقة ومن هذا المنطلق، فإن الأزمات التى تواجه بعض دول المنطقة، يمكن أن تجد سبيلاً للحل يستند على محورين رئيسيين، لدعم بناء الدولة القومية: يشمل الأول، تطبيق مبدأ المواطنة وسيادة القانون بناءً على عقد اجتماعي وتوافق وطني، مع توفير كافة الحقوق، لاسيما الحق فى التنمية الشاملة، بما يُحصِن المجتمعات ضد الاستغلال والانسياق خلف الفكر المتطرف؛ أما المحور الثانى، فهو المواجهة الحاسمة لقوى التطرف والإرهاب، ولمحاولات فرض الرأى بالترويع والعنف، وإقصاء الآخر بالاستبعاد والتكفير. وقد طرحت مصر بالفعل، وبتوافق مع دول جوار ليبيا، مبادرة ترسم خطوات محددة وأفقاً واضحاً لإنهاء محنة هذا البلد الشقيق، يمكن البناء عليها للوصول إلى حل سياسى يدعم المؤسسات الليبية المنتخبة، ويسمح بالوصول إلى حل سياسى شامل، يضمن وقف الاقتتال ويحفظ وحدة الأراضى الليبية، وفى سوريا الشقيقة، وعلى الرغم من متابعتنا للوضع الإنسانى المحزن، وما خلفته الأزمة السورية من دمار وضحايا أبرياء، فإننى أثق فى إمكانية وضع إطار سياسى، يكفل تحقيق تطلعات شعبها، وبلا مهادنة للإرهاب أو استنساخ لأوضاع تمردَ السوريون عليها. كما يمثل تشكيل حكومة جديدة فى دولة العراق الشقيقة، وحصولها على ثقة البرلمان تطوراً مهمًا، يعيد الأمل فى الانطلاق نحو تحسن الأوضاع فى العراق، ونجاح المساعى الداخلية والخارجية الرامية إلى تحقيق الاستقرار، وعلى الرغم من تعدد الأزمات التى تهدد منطقتنا، والتى تحدثت عن بعضها، تبقى القضية الفلسطينية على رأس اهتمامات الدولة المصرية.. فمازال الفلسطينيون يطمحون لإقامة دولتهم المستقلة على الأراضى المحتلة عام 1967، وعاصمتها «القدسالشرقية»، تجسيداً لذات المبادئ التى بُنِيت عليها مسيرة السلام بمبادرة مصرية، منذ سبعينيات القرن الماضى. القارة السمراء وعن قضايا القارة الأفريقية، قال الرئيس، لا يمكن أن أغفل الإشارة إلى الاهتمام الذي توليه مصر لقضايا قارتها الأفريقية. إن التضامن والإخاء الذي يجمع بين شعوبها وأيضاً التحديات المشتركة التي تواجهها، تفرض علينا العمل بمزيد من الجد ووضوح الرؤية لتحقيق طموحات شعوبنا، في الديمقراطية والتنمية، والحفاظ علي كرامة الفرد، وإيلاء الاهتمام الواجب لشبابنا، وتطلعهم لمستقبل أكثر إشراقا، إن نجاحنا فى ذلك هو ضمان مستقبل دولنا. وأكد أن ما سبق يضع مسئولية خاصة على مصر، ودولتها القوية التى سبق لها مواجهة الإرهاب والتطرف فى تسعينيات القرن الماضى، والتى أثق فى نجاحها فى اجتثاث جذور التطرف، بفضل هويتها الوطنية.. ومصر قادرة دوماً، على أن تكون منارة حضارية تدعم استعادة النظام الإقليمى لتماسكه.. ولن يتوانى المصريون عن القيام بدورهم هذا، تجاه محيطهم، الذى يأتى فى القلب منه، الأمن القومى العربى، والذى تعتبره مصر جزءاً لا يتجزأ من أمنها القومى، بناءً على الاِنتماء المشترك، والمصير الواحد، وحرصاً على استقرار هذه المنطقة الهامة والحيوية للعالم. وفى نهاية كلمته، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى أن شعب مصر بعد ثورتيه، بات المصدر الوحيد لما نتخذه من سياسات داخلية وخارجية، فى إطار سعينا لتحقيق الاستقرار والتنمية.. وأن تلك هى مصر التى اِستعادت ثقتها بنفسها.. مصر التى تُعْلِى قيم القانون والحرية.. مصر بهويتها العربية وجذورها الأفريقية، مهد حضارة المتوسط، ومنارة الإسلام المعتدل.. مصر التى تصبو نحو تسوية الصراعات فى منطقتها.. مصر التى ترنو إلى تحقيق قيم العدل والإنسانية فى عالمها. قمة المناخ جاءت مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة الأممالمتحدة للمناخ، تأكيدا على دور مصر في المجتمع الدولي من خلال طرح رؤى عملية لحل هذه المشكلة التي أصبحت واقعا نعيشه، كما عرض الرئيس وجهة النظر العربية في الاتفاقية التي سيجري توقيعها في العام القادم بحيث يكون عنوانها الرئيسي الإنصاف والمساواة وتحمل المسئولية لأن المنطقة العربية في أغلبها اقتصادات ناشئة وتطمح في التنمية مناشدا دول العالم أن تساعدنا في مواجهة ظاهرة التصحر. وألقى الرئيس كلمته في قمة المناخ ممثلا للدول العربية واستعرض فيها الجهود الوطنية لمكافحة تغير المناخ، وعرض لقضايا القارة الأفريقية فيما يخص مكافحة الآثار السلبية لتغير المناخ، وفي مقدمتها التصحر، وكذا الإجراءات الواجب اتخاذها لتخفيف تلك الآثار السلبية والتكيف مع الواقع المناخي الجديد عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة، فضلا عن أهمية تقديم المساعدة للدول الأفريقية لتحقيق ذلك.