** رأيت فيما يشبه النوم أو رأيتنى بين اليقظة والنوم أو هكذا كان حلمى أو قل إرادتى أو حتى أمنيتى أننى سائرة فى طريق طويل ومستقيم بلا أى منحنيات أو مطبات ونهر الشارع بين رصيفين عريضين بأرضية مزركشة ببلاط ملون بكل ألوان الطيف الجميلة ونظيفة ومغسولة والأطفال تجرى وتلعب بألعابهم بجوار منازلهم المتراصة بجمال ونظافة الجدران والشبابيك والشرفات التى تزينها الزهور والنباتات الخضراء، وبعض الدكاكين الصغيرة والكبيرة تبيع الأشياء والأغراض التى تلزم كل بيت وكل أسرة.. وأنا سائرة بنشاط وحيوية كبيرة وكأنى بنت العشرين.. وأرى من حولى بسعادة وانشراح ويردون التحية بالمثل، والناس حولى مبتسمة لبعض بشكل كله سلام واطمئنان، والأطفال وجوههم كلها براءة وسعادة وعيونهم تضحك وتلعب بكل شقاوة وملابسهم جميلة ونظيفة، والنساء فى الشرفات يستقبلون الصباح بوجه باسم وسعيد. أنا أسير مستمتعة بما أرى وأعجب.. والباعة ينادون على بضائعهم بجد وحيوية بلا مغالاة بل لا يتعبون ولا يتململون من عرض بضائعهم بصبر وأناة.. واجتزت أحد المحلات والبائع يعرض كل ما لديه لأنتقى ما أريد بأرخص الأسعار بل يتمنى منى ألا أعطيه النقود إلا بعد أن أطمئن لبضاعته, وأرسل الصبى ليأتى لى بمشروب من العناب المثلج كتحية وليكسبنى زبون دائم لمحله.. والمحل نظيف ومرتب والبضائع كلها مغرية للشراء. ومازال الشارع أمامى طويلًا والسكة طويلة بلا استسلام، جلست على مقهى فى الطريق لأستريح ولأستمتع بالنسيم الذى يأتينى محملا بروائح من الفل والياسمين مختلطة بروائح الأطعمة المتسللة من المطابخ المطلة على الشارع من الشرفات بورودها ونباتاتها، وكلها زكية وتنم عن الحب والسعادة التى تظلل هؤلاء المنازل.. والمقهى به ركن للكتب وركن آخر للموسيقى وركن ثالث للتسلية والألعاب.. جاءنى النادل وحيانى وطلبت منه الشاى بالنعناع الأخضر أخذ النادل ينحنى ويحيينى وعلى وجه السرعة جاءنى الشاى الجميل ولم أشرب مثله أبدا من قبل، الكوب نظيف وشفاف تكاد ترى فيه صورتك من فرط نظافتة والمقهى كله فى منتهى الجمال والنظافة جلست على راحتى وكأنى فى بيتى مسترخية ومتأملة، ما أنا فيه، ولم أستطع أن أحدد هل أنا فى يقظة أم فى سبات عميق. كم من الوقت مضى لا أعرف المهم الحالة الجميلة اللى أنا فيها.. تابعت مسيرتى إلى محطة المترو, الرجل جالس وراء الشباك ليعطيك التذكرة الرجل سعيد ومبسوط على الآخر ويضحك مع كل ذاهب للمترو اشتريت التذكرة بدون المناوشات العادية التى تحدث كل يوم بين الرجل المكفهر والساخط على اليوم الذى ولدته فيه أمه وجاءت به ليبيع التذاكر لركاب المترو اللعين. ركبت عربة المترو الركاب يملأون المكان بسرعة نهض شاب صغير من كرسية ليجلسنى مكانه تعجبت من فرط الأدب الذى لمحته.. وجوه الناس لامعة ومغسولة بالماء والصابون وشعورهم نظيفة ومصففة والأطفال مكلبظين والأنيميا اختفت من أجسادهم ووجوههم نضرة.. والسيدات ملابسهن جميلة ومرتبة وأنيقة واختفت الأرجل المقشفة العارية والملابس الخفيفة فى الشتاء إلى ملابس ثقيلة مناسبة لطبيعة الطقس. انتظرت الفتيات البائعات المتجولات داخل عربات المترو اللاتى تعودت على شراء بعض الأشياء التافهة منهن فلم أجد.. تساءلت عليهن فأجابوا أنهن توظفن بشهاداتهم الدراسية، المترو هادئ والناس جلوس فى صمت البعض يقرأ كتابًا والبعض يقرأ صحيفة والبعض يهمس لحبيبته ويتضاحك بلا ضجيج.. معى خمس قروش فى يدى وانتظر السائل الذى يقابلنى كل يوم، ولكنه لم يأت، خرجت من باب وصعدت من باب بكل لياقة ودون زحام وبلا التصاق الأجساد وبلا خناق أو زعيق وسباب.. مشيت شبه مخدرة لفرط ما أصابنى من سعادة، لم أر اليوم شحاذين ولا حفاة ولا عراة ولا محتاجين.. ولا متطفلين ولا متحرشين. خرجت إلى الشارع مسرعة كعادتى كدت اسقط على الأرض هرع اكثر من شاب وفتاة لنجدتى ولملمت أشيائى.. وأتانى شاب بكوب ماء، شكرتهم وأدمعت عينى لجمال المشهد ما زال الخير فى أمتى الى يوم الدين.. ذهبت إلى مقر عملى استقبلنى الواقف على الباب بكل ود وترحاب وبابتسامة تنم عن الرضا، صعدت مكتبى نظيفًا ولامعًا كل شئ فيه يبرق ويلمع وحولى خلية نحل، ناس ذاهبة وناس آتية والكل يعمل فى صمت وفى حب وتعاون، سافر من سافر وعاد من عاد وترقى من ترقى ونال من نال من استحسان الكل سعيد وراض والكل آخذ حقه بالتمام والكمال بلا نفاق ولا مسح جوخ وبلا قريب فلان وحبيب علان.. والمسائل ماشية كما يرضى الله سبحانه بميزان العدل والقسطاس.. والكل مبتسم والوجوه لم تعد مكفهرة ولا ساخطة ناقمة من الظلم ولا حقد ولا كره ولا حسد ولا نميمة لم أسمع أحدًا يسب أحدًا ولا يشكو من أحد ولا أحد يكيد لأحد ولا أحد يتآمر على أحد لأنه لا داعى لذلك الكل أخذ حقه ولا يضيره ما أخذ الآخرين.. سرت فى الشارع أدندن من فرط السعادة بكره أحلى من النهاردة.. ووجدت الصوت أيضا ياتينى بأحلى صوت مصرى غنى لمصر (صوت شادية) بنفس الأغنية أن الغد أحلى وأجمل من النهاردة.. غردى يا أغنية بالبشرى بأن الغد سيكون أجمل وسيكون كله خير ونماء وقوة.. ووجدت من يهزنى بقوة اصحى الفطار جاهز.. اللهم اجعله خيرعلى ما رأيت وما سمعت وعلى الله التحقيق.