**انظر حولك وتأمل الشارع المصرى وأنت تسير فى أى شارع أو أية منطقة وفى أى حى تجد العجب العجاب سواء ما يرتديه المصريون أوحتى فى الفترينات وواجهات المحال التجارية أو الإعلانات التى تعلو المبانى أو البانوهات الكهربائية التى على جانب الطريق.. لقد افتقدنا نحن المصريين الى الحس الجمالى والذوقى الذى يمكن أن تتأكد أنه كان من سمات المصريين عندما تشاهد فيلما من أفلام الأبيض والأسود.. عصر كله شياكة وأناقة وجمال حتى مفردات الحديث بينهم والكلمات تجدها فى غاية الرقى وتنم عن ذوق رفيع.. هل نحن نتقدم أم نتأخر؟ ما نراه حاليا فى الشارع المصرى من الملابس التى ترتديها البنات والنساء بلا أى ذوق أو أية شياكة بعدما عرفنا عصر الكاجوال والجينز والتيشرت المدهول.. أين الفستان الأنيق والتايير الشيك والبدلة المحترمة التى كانت ترتديها المرأة المصرية على كل المستويات.. المرأة المتريشة ترتديه من قماش غالى السعر والمرأة المتوسطة الحال ترتديه من قماش سعره مناسب لقدرتها المالية، لكنه هو هو والكل متقارب من حيث الذوق والحرص على المظهر بجمال وشياكة.. الآن تجد التى ترتدى الجينز والبادى الضيق والطرحة كغطاء للرأس وتجد من ترتدى الجلباب والطاقية، ومن ترتدى الإسدال وهو زى إيرانى خليجى.. وكانت المرأة المصرية البسيطة التى لاتعرف بيوت الأزياء الراقية تكون نجمات السينما من أمثال ليلى مراد وشادية وفاتن حمامة هن مصدر أناقتها وشياكتها وسعاد حسنى لجيلى.. فكانت سعاد حسنى يرحمها الله هى مصدر الموضة والشياكة لكل افراد جيلى من البنات، ملابس وتسريحات الشعر وحتى خطوط حواجبها.. أما الآن أصبح الذوق فى الملابس «سمك لبن تمر هندى».. والمصانع التى تملأ السوق بالملابس الجاهزة إما أن تقدم ملابس غالية السعر لايقدر عليها عامة الناس. وإما تجد ملابس ليس فيها ذوق ولا عناية ولا أى شىء بسعر معقول.. ومهنة الخياط التى كانت منتشرة فى كل شارع وكل حى الى حد ما تضاءل وجودها أمام انتشار الجاهز وتعليب الناس فى أزياء متشابهة بعد ان كان الترزى او الخياط يعد لك الفستا أو التايير المناسب لك ولك انت بالتحديد وعلى ذوقك، وما زلت أحافظ على وجود الترزى الخياط الذى يعد لى الملابس على ذوقى وتصميمى وبالقماش الذى أختاره وليس المفروض علىّ من ملابس جاهزة.. وطبعا أنا لست ضد المصانع التى تقدم الملابس الجاهزة لكن يجب ان تراعى الارتقاء بالذوق وليس الانحطاط به كما نرى فى الشارع المصرى.. والفوضى التى عمّت أزياء المصريين وأبعدتهم عما تميزوا به من أناقة وشياكه عمّت أيضا كل شىء فى حياتنا، فالشوارع أصبحت مزدحمة بكل لون من ألوان القبح: الفترينات المزعجة للعين، الأرصفة التى تفترش بالبضائع والباعة الجائلين.. الإعلانات المصممة والتى تستهدف المشترين بمنتهى الإهمال والقبح والاستخفاف بنا.. البنايات والعمارات التى ارتفعت عالية فى الحارات دون مراعاة ان ذلك لا يناسب ضيق الشارع، لأكثر من ثلاثين سنة يبنون مساكن الفقراء منتهى القبح والذل.. انظر الى كل المساكن الاقتصادية التى بنوها للفقراء والتى دفع فيها هؤلاء تحويشة العمر حتى يجدوا مسكنا ملائما، مدن وعمارات قبيحة عبارة عن دشم سكنية لا فيها أى جمال أو خيال مهندس يحب هذا البلد ويحب الفقراء وبعد أن تسكنها فأنت فى حاجة إلى أن تبنيها من جديد سباكة وبياض وكهرباء، والله يرحم د. حسن فتحى الذى تبنَّى البناء للفقراء فأجلسوه فى بيته.. لكنهم بنوا مساكن ومدنا استثمارية كلها جمال ودلال لهؤلاء.. وهؤلاء.. ويقول لى قائل إن القاهرة كانت تغسل بالماء والصابون ليلا.. شوارعها وميادينها وحدائقها وبناياتها ويستيقظ أهل القاهرة صباحا فيجدونها نظيفة ومغسولة وجميلة وأرد واقول والله بلدنا أيضا عرف عربات الرش التى كانت تسير عصرا تغسل الشوارع وكنا نفرح ونجرى وراءها كفرحتنا بالمطر.. لكن الحال الآن تغير ونحن مقبلون وذاهبون إلى عهد جديد وبعد الثورة يجب أن ننظر إلى بلدنا من كل الوجوه.. ونحاول ان ندرس ما كان وما أصبح وما يجب ان يكون..على كل المستويات فى حياة المصريين حتى السلوكيات الخاصة بكل ما هو سلبى وتغييبهم عن كل موروثاتهم الجميلة التى تميز بها، فترة طويلة تغيرت فيها كل مفاهيم الشعب المصرى كله.. وأصيبت بعض قيمنا وعطبت، وتاه المصريون ونسوا أو تناسوا أنهم الذين علّموا البشرية الجمال والذوق والرقى والحضارة، وهذا مدون على جدران مقابرهم ومعابدهم ومتاحفهم.. وليس لى الفضل غير أننى أذكّر.