عندما تأخذك الاقدار للتجوال في شوارع القاهرة, تحزن أشد الحزن لاسيما لو كنت من جيل الستينيات والسبعينيات, الذي عاش شوارع القاهرة.. وهي تتمتع بجمال أخاذ, وكانت الجنسيات المختلفة مع المصريين يشاركون في صنع الحياة, وكانت الشوارع وحوانيتها هي منطقة الجذب الحقيقي, ولم يكن النيل كما هو الآن, فالشوارع نظيفة ومغسولة ليلا وحوانيتها ملتزمة ومقاهيها منتدي للشعراء والأدباء والفنانين وقناصل الدول, أشجارها وارفة وأناسها مهذبون, وكانت القاهرة لا تسهر لأن الانتقال بالسيارات كان ترفا وكان السهر مقصورا علي شارع الملاهي الليلية, أما السينمات فعروضها افلام الزمن الجميل, هادفة وألفاظ فنانيها تعف عن العيب. الآن كل شيء استبيح. المقاهي داخل الشقق السكنية, وفي مداخل العمارات, والمقاهي تتخذ من جدران أسوار المدارس منتدي للشيشة التي يتسرب دخانها داخل الفصول, حتي محال الأحذية افترشت الأرض ويقيس الزبون حذاءه في الشارع. وانتشر باعة البضائع المهربة, والفاسدة والتالفة والمسروقة وفاقدة الصلاحية, والضاره, كما انتشرت أعداد الباعة من جنسيات مختلفة من الصين وفلسطين, وغزة, الباعة بداخل محطات المترو, وداخل طرقات المنازل, والكنائس والمساجد, في الاسعاف ومحطة مصر, واستباحوا الأرصفة والطرقات, ولم يتركوا للمشاة طريقا, وكلما كانت المنطقة مزدحمة بطبيعتها تكدس الباعة وتعطل الطريق من المعروضات, وأصبح من العادي ان تنتظر دورك في العبور تماما مثل السيارات وكل يوم يتضاعف عدد الباعة النازحين من المحافظات.. وأصبح المربع من محطة مصر حتي التحرير, ومن الاسعاف وحتي العتبة يتكدس بما لا يقل عن ألف بائع وكلما همت الشرطة وأبعدتهم عادوا.. كلاهما معذور, فالشرطة تريد الانضباط, بينما الباعة يسعون لأكل العيش وبضاعتهم للأسف رابحة لأنها رخيصة وقصيرة العمر, هناك جمعيات أهلية ترعي الباعة الجائلين وتتولي شئونهم, آن الأوان لجلوس الباعة والجمعيات وشرطة المرافق والتموين والصحة والشئون الاجتماعية والأحياء والمحليات لوضع صيغة ملائمة ترضي الكل قبل ان تتضخم وتصبح قنبلة موقوتة.