هناك حالة من الانتظار والترقب والأمل فى أن تخرج الأحزاب المصرية بنتيجة إيجابية مما ينشر هذة الأيام حول التحالفات والإئتلافات الانتخابية، وتنعقد آمال كبيرة على هذه التحالفات حتى يكون لدينا برلمان جديد أكثر تماسكا وقادرا على إنجاز مهمته الصعبة فى ترجمة الدستور الجديد إلى قوانين وتشريعات تخدم المواطن المصرى وتحقق آماله بعد ثورتين. لكن ماذا يجرى على أرض الواقع، للأسف ما يجرى لا يرقى إلى مستوى طموحات الجماهير ولا يتناسب مع متطلبات المرحلة الحرجة التى تمر بها مصر. وقد يكون ذلك متوقعا نتيجة لعوامل كثيرة منها ضعف معظم الأحزاب وعدم قدرتها على أن يكون لها صدى داخل المجتمع المصرى بل قد لا أبالغ عندما أقول أن هناك انطباعًا سائدًا لدى الجمهور وبعض الساسة أن هذه الأحزاب لا فائدة منها ولا وجود لها. وبالقطع هذا الانطباع مبالغ فيه بل يحمل فى طياتها معنى الانكسار والتخاذل ومحاولة إنكار حقيقة أن الأحزاب مكون رئيسى للحياة الديموقراطية التى نسعى إليها جميعا. وينتظرها الجميع منا. لكن هذه طبيعة الأمور هذه الأيام نطلق المقولات ونبالغ فيها ونصدقها ونجعلها من الثوابت التى يصعب تحريكها. نعود للائتلافات التى كثرت وقد تتجاوز أعداد الأحزاب المتاح لها الانخراط فى المعركة القادمة. وحتى نتطلع الى المستقبل القريب بتحليل حقيقى للموقف يجب أن نشخص المرض، وفى الحقيقة أن الحياة الحزبية تعانى من عدة أمراض قد نوجزها فى الغرور السياسى وأيضا التخمة المالية، وفى المقابل ضعف القدرة المالية للبعض، وأيضا عدم توفر الكوادر والشخصيات التى تستطيع أن تضطلع بالعمل السياسى فى الفترة القادمة. كما أن هناك أمراضًا أخرى مثل محترفى العمل كنائب فى مجلس النواب. هذه مجموعة من الأمراض التى أصابت نسيج العمل السياسى وبالتالى أى تحالفات أو إئتلافات نتحدث عنها، والمعادلة أحيانا أكثر صعوبة مما نتصور فقد يكون الحزب لديه المال ويجذب بالتالى أشخاصا لا ينتمون للحزب ولا يعترفون بتوجهاته من أجل الدعم المالى فقط، وقد يكون حزب أخر لديه عراقة التاريخ ولكنه فقد فى الآونة الأخيرة مصداقيته على أرض الواقع. من هنا لا أتوقع أن تخرج الجهود النبيلة الحالية بأى تطور إيجابى يشفى انتظار الجمهور ومطلبه الملح فى الحصول على برلمان قوى ومتماسك ولا يسيطر عليه تيار دينى، ومن هنا جاءت الأفكار الجريئة التى كانت تهدف إلى انتاج سياسيين جدد يتفاعلون مع الحاضر من أجل مستقبل أفضل، ولكن يبدو أن بعض الأحزاب اعتبرت أن هذه المساعى ستشكل إزاحة لهم من الحياة السياسية بعد أن سئم الشعب من الوجوه المكررة التى استفادت من عهود سابقة ولم تملك شجاعة الانسحاب من المشهد قبل أن يلفظها الشعب فى الانتخابات القادمة وهذا شىء متوقع. قد يتبادر إلى ذهن البعض فكرة تأجيل الاستحقاق الثالث وأعتقد أن ذلك سيشكل ضررا كبيرا بعد نجاح مصر حتى الآن فى تنفيذ خارطة المستقبل. علينا التأكيد على أهمية إنجاز الاستحقاق الثالث فى موعده حتى لوكان المنتج هشا ومفككا، وأعتقد أن السنوات القادمة مدة المجلس النيابى ستكون بداية جديدة لحياة سياسية جديدة فى مصر وسينتج عن المجلس خلال عمله تحالفات أكثر جدية ولها أساس واقعى تشكل فى المستقبل شكلا جديدا للحياة السياسة المصرية. احتراف المناورات السياسية أمر قد يكون مطلوبًا ولكن فى هذه الأيام الصعبة التى يمر بها الوطن يجب أن نضع مصلحة مصر فوق أى اعتبار، ونحن نتذكر واقعنا منذ عام نستطيع أن نقول إننا خطونا خطوات كبيرة ناجحة ولازال أمامنا الكثير. ولكن الأهم والمهم هو أننا تخلصنا من حكم الإخوان وأى مخلص لهذا البلد يجب أن يعمل بإخلاص من أجل تثبيت مفاهيم جديدة لانطلاق الجمهورية الجديدة. كنت فى باريس أول أيام رمضان والتقيت بمجموعة من السياسيين والبرلمانيين العرب وكانوا جميعا وفى صوت واحد يعقدون آمالا كبيرة على مصر وتحركها المقبل فى المنطقة فى مواجهة أخطار جديدة لم نعهدها من قبل. المهم أن بعضهم قال لى إن ما يجرى فى العراق هو انتفاضة ضد حكم المالكى وضد سيطرة إيران على العراق وسوريا وأن هذا المد الجديد لا يشكل أى خطر على الدول العربية المجاورة بل هو موجه إلى النظم التابعة لإيران.