كل لحظة يولد تحالف. وفى كل دقيقة نفاجأ بائتلاف. والحاصل أن قيادات المشهد السياسى أو فلنقل النخبة السياسية. تحاول الاستعداد للانتخابات البرلمانية التى تشكل الاستحقاق الثالث فى خريطة الطريق التى أعلنت فى الثالث من يوليو من العام الماضي. وبيننا وبين مرور عام عليها أيام قليلة. ومجرد الجرى وراء التحالفات أو الائتلافات معناه أن الأحزاب السياسية الراهنة لا تصلح بمفردها لخوض معركة انتخابية تستحوذ فيها على الأصوات التى تحلم بها. لذلك تحاول الكيانات القديمة البحث عن مسميات جديدة ليس لخداع الجماهير بقدر ما هى لخداع أنفسها وللخروج من المأزق الذى تمر به. لا تسألنى عن عدد الأحزاب المصرية «هنا والآن » فالرقم يرتفع بين لحظة وأخري. وآخر رقم قرأته كان 84 حزباً قابلة للزيادة. وهذه الأحزاب باستثناء حزبين أو ثلاثة نشأت بقرارات إدارية فوقية عليا. ولم تعبر عن رغبة فى أرض الواقع. فالحزب السياسى كيان ينشأ لأن مجموعة من المصريين فى زمان ومكان محددين وفى ظرف سياسى يعرفه الجميع قرروا أن ينشئوا حزباً سياسياً يعبر عن الحد الأدنى من التوافق السياسى والاجتماعى بينهم. الأحزاب لدينا نوعان. الأول ما كان قائماً قبل الخامس والعشرين من يناير. ومعظمه خرج إلى الوجود بأحكام من القضاء. ونحن نعرف أن لعبة القضاء ذ مع كل احترامنا له ذ لعبة أوراق. فمن يقدم أوراقه دقيقة وسليمة يضمن الحكم فى النهاية. أما بعد الخامس والعشرين من يناير،فقد تقرر ضمن ما مر بمصر من متغيرات أن يكون قيام الأحزاب بمجرد الإخطار. حتى لو كان الأمر هكذا فى الدول الأوروبية حيث الديمقراطيات العريقة. فإن نقل واقع ما إلى واقعنا يجب أن يتم عبر عملية مراعاة لظروفنا التى نمر بها. ولآليات واقعنا. ويكون لهذه الأولويات الأولوية على الرغبة فى النقل من الغرب. أنظارنا متجهة للغرب منذ أن جاء إسماعيل باشا وقال قولته الشهيرة إنه يريد أن يجعل مصر قطعة من أوروبا. وأنا لا أجتزئ هذه العبارة لأحاسب إسماعيل باشا. فالرجل من البناة العظام فى تاريخ هذا البلد. ويذكر له الكثير،لكن عبارته التى يحلم بها أن تكون مصر قطعة من أوروبا زرعت فى أعماقنا فكرة الرحيل إلى الشمال عبر البحر الأبيض المتوسط. باعتبار أن ذلك أسلم ما يمكن أن نقوم به إن أردنا الخروج مما نمر به من مآزق. ليس إسماعيل باشا وحده. فالتجربة الأوروبية وجدت من يعتبرها المثال الذى لا بد أن نعمل على منواله من مفكرى النصف الأول من القرن العشرين. لا أستثنى منهم أحداً من فكرة الجرى وراء هذا الحلم المستحيل. بعضهم كتب عن أوروبا باعتبارها جنة الله على الأرض. والبعض الآخر دوَّن رحلته إلى أوروبا على أنها محاولة للخروج من التخلف الشرقي. أعود لموضوعى وأقول إننا فى انتظار الاستحقاق الثالث فى خريطة الطريق. الذى هو الانتخابات البرلمانية. ولن أتحدث عن صورة الانتخابات كما تبدت فى النصوص الروائية المصرية. ولكنى أقول عن قناعة وعبر تجربة شخصية إن أى انتخابات لا بد أن يتوافر لها أمران حتى تعبر عن صورة الواقع كما هو. الأمر الأول: ألا يكون بين المصريين أُمى واحد. أن نقضى على الأمية المستشرية التى لا نعرف الرقم المعبر عنها. لكن من المؤكد أن الأميين المصريين يعدون بالملايين. وهذه الأمية تعنى أحد احتمالين: أن يذهب الناخب لصندوق الانتخاب حاملاً ختمه. وأن المرشح لا بد أن يكون له رمز يعرفه به من لا يجيدون القراءة والكتابة. الأمر الثانى: الاحتياج والفقر. أو بمعنى أدق من يعيشون تحت مستوى خط الفقر. لأن هؤلاء ينظرون لأصواتهم على أنها من مصادر الرزق ويقدمونها لمن يدفع أكثر. لكل قاعدة استثناء. ولا يمكن أن أتهم المصريين أبداً. فمازالوا ضحايا المثلث الذى كان من دوافع قيام ثورة يوليو فى منتصف القرن الماضي: الفقر، الجهل والمرض. ما يقال عن الانتخابات يقال عن الأحزاب. فالارتباط بحزب سياسى والعمل تحت مظلته يتطلب معرفة برنامجه واستيعابه واعتباره دستور حياة بالنسبة لمن يقبل عضوية هذا الحزب أم ذاك. وفى حالة الأمية فإن الارتباط بالحزب قد يخضع لمنطق القبيلة أو القرية أو العشيرة دون إدراك فردى لما يقدمه هذا الحزب أو ذاك. لأن الوعى الفردى له وسيلة وحيدة هى القراءة والكتابة. لن أبحر كثيراً مع الهموم والأحزان وأقول إ ن كثيرين ممن يقرءون ويكتبون يمكن أن تنطبق عليهم الأمية الفكرية والأمية السياسية والأمية الثقافية وأمية الوعى والإدراك. القيادات التى تقود عمليات التحالف والتآلف والائتلاف كلها وجوه من الماضي. لا يملك أى واحد منهم سوى شخصه وتاريخه وما يمكن أن يمثله. لكن لم يسأل أحد نفسه من معه؟ أو عن أى الجماهير يعبر؟ بتحديد أكثر من هم أفراد جيشه الذى يقف وراءه ويخوض معاركه ويلعب السياسة انطلاقاً من مواقفه؟. بل إن بعضهم لم يقدر له خوض العمل السياسى من قبل، لا من قريب أو بعيد. وكأن العملية مكافأة نهاية خدمة أو وظيفة أو دور يقوم به هذا الشخص أو ذاك بعد أن لم يبق له سوى تلك الوظيفة أو هذا الدور. اختلطت الأمور وتبدلت الأحوال ونوشك أن نجد أنفسنا فى قلب موقف لا نعرف ما الذى أوصلنا إليه. والأهم من هذا لا ندرك كيفية الخروج منه. يجب ألا ننسى أن البرلمان القادم يختلف عن أى برلمان سابق. لأن الحزب أو التآلف أو التحالف الذى سيحقق الأغلبية هو الذى سيشكل الحكومة. الأمر ليس أمر برلمان فقط. ولكنها انتخابات ستحدد مستقبل هذا البلد. فهل استطاع الماضى رسم صورة المستقبل؟ الماضى مهم عندما نستخلص دروسه. ونتعامل مع الحاضر على أساسها. وننطلق منها إلى المستقبل. أما أن يمتد الماضى ويصبح المستقبل ويقول لنا هأنذا. فلا أعرف شكل هذا المستقبل عندما يجىء. لمزيد من مقالات يوسف القعيد