فى الوقت الذى تزايد فيه الاهتمام العالمى بجريمة خطف أكثر من 270 فتاة على أيدى جماعة بوكوحرام النيجيرية المسلحة، وما تبع ذلك من تحركات قادتها على الأرض عدة دول غربية لتحرير هؤلاء الطالبات، كانت جماعة بوكوحرام تناور فى الخفاء من أجل استغلال هذه الجريمة لتحقيق بعض المكاسب رغم ما تسببت فيه هذه الجماعة المتطرفة من أضرار بالغة بصورة الإسلام المتضررة أساسا لدى الغرب منذ أحداث سبتمبر 2011، وجاءت جريمة بوكوحرام الأخيرة لتسىء للإسلام أكثر مما تصور أعداؤه. ولم يكن معهودا فى أجندة بوكوحرام التى نشأت بصورة أساسية لمناهضة التعليم الغربى، القيام بعمليات اختطاف، إذ أحدثت الجماعة تغييرا تكتيكيا لنشاطاتها المسلحة، عندما قام مسلحون تابعون لها فى 14 أبريل الماضى، باختطاف 276 طالبة من إحدى المدارس المسيحية فى منطقة «شيبوك» بولاية «بورنو» شمال نيجيريا، قبل أن تتمكن 53 فتاة من الفرار فى وقت لاحق، بينما لا تزال 223 فتاة قيد الاختطاف، بحسب تقارير رسمية للشرطة النيجيرية. هذه العملية المختلفة «نوعيا» لجماعة بوكوحرام، وما أسفرت عنه من تطورات يمكن قراءتها عبر ثلاثة محاور رئيسية..أولها: أن أبو بكر شيكاو زعيم بوكوحرام، والذى انتظر عاما كاملا لتنفيذ تهديده السابق بارتكاب عمليات خطف واسعة فى نيجيريا، يبدو أنه يسعى الآن لاستعراض مهاراته الشخصية فى ممارسة المراوغة والخداع، حيث بدأ شيكاو بالحديث عن بيع هؤلاء الفتيات كإماء فى سوق النخاسة، وعقب إعلان السلطات النيجيرية عن تحديد المنطقة التى تحتجز فيها الفتيات، عاد زعيم بوكوحرام ليبث شريطا مصورا يزعم فيه أن الفتيات المسيحيات وعددهن 130 فتاة اعتنقن الدين الإسلامى، وبدت بعض الفتيات فى الفيديو وهن مرتديات الحجاب بل ويؤدين الصلاة «قسرا» على الأغلب.. وفى نفس الشريط قدم شيكاو عرضا غريبا يتناقض مع كل ما سبق أبدى فيه استعداده لمبادلة هؤلاء الفتيات المختطفات مقابل إطلاق سراح كل سجناء بوكوحرام لدى الحكومة النيجيرية. المحور الآخر: يشير إلى الإدانات الشديدة التى تعرضت لها جماعة بوكوحرام الإسلامية المتشددة بعد ارتكابها هذه الجريمة، وصدرت هذه الإدانات من أبرز منظمات العالم الإسلامى، من بينها الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين ومجمع الفقه الإسلامى الدولى، معتبرين ما أقدمت عليه بوكوحرام سوء تفسير للإسلام وتشويهًا لصورته. ثالثا: رغم كل الهجمات المسلحة التى شنتها جماعة بوكوحرام المتشددة منذ تأسيسها قبل نحو خمس سنوات، والتى استهدفت مدارس وكنائس بل ومساجد، وأسفرت عن سقوط آلاف القتلى، إلا أن التفاعل الدولى مع هذه الأزمة تحديدا بدا أكثر فاعلية، وفور إعلان بوكوحرام عن مسئوليتها عن اختطاف هذا العدد الكبير من الفتيات، سارعت عدة دول كبرى وفى مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية باتخاذ خطوات عملية من أجل تحرير الرهائن. وبينما شاركت فى عملية البحث فرق وخبراء من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا، عرضت الصين والشرطة الدولية «الإنتربول» المساعدة.. كما دخلت إسرائيل على الخط فى اصطياد واضح فى المياه العكرة، وعرضت على نيجيريا المساعدة فى العثور على التلميذات المخطتفات. وأيا كان سيناريو الحل لأزمة الفتيات المختطفات فى نيجيريا، إلا أن هذه الجريمة ربما تكون بداية النهاية لهذه الجماعة المتشددة، وبخاصة إذا ما نظرنا إلى حالة الاستنفار الدولى التى تسببت فيها باختطاف الفتيات، وكذلك الإفراج عن تقرير استخباراتى أمريكى نشر بالعاصمة النيجيرية أبوجا يشير إلى أن جماعة بوكوحرام ومجموعات متشددة أخرى بشمال نيجيريا تلقت 3 ملايين دولار فى عام 2002 من زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن بزعم تطبيق الشريعة الإسلامية فى نيجيريا. وفى نفس السياق تحدث رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون، أمام برلمان بلاده قائلا إن خطر المتشددين الإسلاميين «المعادين للتعليم والتقدم والمساواة» هو خطر عالمى، وأنه ينبغى مواجهتهم «حيثما كانوا».