كم هى قاسية هذه الحياة التى نحياها.. على قدر ما يعيش الإنسان بها إلا أنه لا يعلم ما تخفى هذه الحياة وما تدخر له.. وهذه حكمة لا يعلمها إلا الله.. فلو علمنا الغيب لاخترنا الواقع.. نعم إنه واقع مرير عاشته ومازالت تعيشه.. تعيش أحلاما وردية منذ كانت بضفيرتين.. كانت تنظر حولها للبنات وتتمنى أن تكبر.. لتترك شعرها مرسلًا على كتفيها.. تحمل حقيبة مدرستها وتمشى طريقًا طويلًا من بيتها بالقرية الصغيرة إلى المركز، حيث المدرسة الإعدادية.. تتمنى أن تستكمل تعليمها كما وعدها الأب وأكدت لها الأم.. الأم التى كان يملأ قلبها الفرح وهى ترى بكريتها تكبر وتخطو خطوات سريعة إلى عالم الأنوثة، حيث إن خراط البنات بدأ يخرطها لتصبح عروسا.. كانت تشترى كل شىء تقع عليه عيناها من أجل الابنة الجميلة، فهى زهرة تتفتح ورقة ورقة.. ولكن ماهذا؟ لماذا أصابها الشحوب؟ لماذا بدأت أوراقها النضرة فى الذبول؟ الابنة لا تعرف.. ولكن سرعان ما بدأت تشكو الابنة من التعب والآلام.. قلب الأم يحدثها أن هناك شيئا ما أصاب «رشا».. خاصة أنها أصبحت عاجزة على الاستيقاظ فى الصباح.. وأصبحت الآلام تعاودها من حين لآخر.. آلام فى بطنها تمتد إلى ظهرها.. طلبت من الأب أن يصطحبها إلى المستشفى.. طلب الأب إجازة من عمله.. امسك بيد ابنته وتوجه بها إلى المستشفى.. تم فحصها والكشف عليها وعلاج لم يثمر ومازالت «رشا» تشكو.. فجأة تصاب بارتفاع فى درجة الحرارة، ثم أصيبت معه بإسهال وقىء شديد عاد بها إلى الطبيب الذى وصف لها الأدوية بعد أن شخّص مرضها بأنها مصابة بالتهاب بالقولون.. ولكن تظل حالتها كما هى.. بل تتدهور من سيئ إلى أسوأ والآلام تتزايد وتذبل.. ودموع عينيها تتحجر داخل مقلتيها.. تساندها الأم ويصطحبها الأب إلى طبيب وثان وثالث.. والابنة تبكى من شدة الآلام.. ويطلب الأطباء مجموعة من التحاليل، خاصة بعد إصابتها بنزيف شرجى وتتعرض الابنة لكافة الفحوص ويظهر المستور أنها مصابة بورم سرطانى بالمستقيم.. تلطم الأم على خديها.. «رشا» الشابة التى كانت تعد الأيام لتراها تجلس بجوار عريسها مصابة بمرض هو الهلاك بعينه.. وتنكسر نفس الشابة ودموع عينيها تنساب كالشلال.. وتتساءل: ماذا فعلت حتى تواجه هذا المصير المظلم؟ والأب يسلَّم أمره إلى الله فهذه ابنته وفلذة كبده تقع فريسة للوحش الفتاك.. ولكن لم يكن يخطر على باله أن الابنة سوف تحتاج إلى الانتقال للقاهرة للعلاج بالمعهد القومى للأورام وبالفعل تم تحويلها إلى المعهد ودخلت لإجراء جراحة تم فيها استئصال المستقيم وعمل تحويل لعملية الإخراج.. اضطرت الأم لاصطحاب ابنتها المسكينة إلى المعهد فى رحلة علاج، فالأسرة تعيش فى إحدى قرى محافظة بنى سويف.. بعد الجراحة كان على الابنة أن تخضع لجلسات الكيماوى والإشعاعى.. الابنة تعيش فى ذهول، فهى لم تحلم فى يوم من الأيام بهذه الحياة التعسة التى تعيشها الآن.. ولكن هذا قضاء الله ولا راد لقضائه.. رحلة عذاب طويلة لم تنته بعد تعيشها الأسرة.. الأب لا يجد المصاريف والاحتياجات الأساسية لهم، خاصة الابنة المسكينة.. فهل يجد من يقف بجوارهم؟ من يرغب يتصل بصفحة مواقف إنسانية.