فى أوروبا والدول المتحضرة يستمتعون بصيغ موسيقية كثيرة، أى قوالب للمعزوفات دون غناء مثل «السويت» و«الروندو» و«الصوناتة» و«الكونشيرتو» و«الفوجة» و«التنويعات» و«السيمفونية» و«القصيد السيمفونى»، أما الغناء هناك فموجود فى «الأوبرا» و«الأوبريت» و«الباليه»، غير الغناء الشعبى البسيط مثل «الآريا» و«الغنائية» و«الأوروتوريو». وبعد كل ذلك تأتى أغنياتهم العادية مباشرة فى الكلمة واللحن والأداء خالية من الموسيقى تقريبًا. أما الموسيقى الشرق عربية فلم تعرف قوالبها إلا فى الربع الثانى من القرن العشرين، وربما يرجع تأخر ظهورها إلى طبيعة العرب كشعوب شفهية أو على رأى بعض الحاقدين ظاهرة كلامية. بدأت القوالب العربية بنقل القوالب التركية الموسيقية «الدولاب» و«التحميلة» و«البشرف» و«السماعى» و«اللونجا» و«التقاسيم»، ثم أضفنا قالبى «المارش» وهو قالب عالمى، و«المقطوعة». وفى الربع الثانى من القرن العشرين أيضا، ظهر اتجاه موسيقى متأثر بالغرب لكن بدم مصرى خالص، فكتب نجوم هذا الاتجاه قوالب موسيقية كلاسيكية تعزفها آلات عالمية كما فعل الرواد يوسف جريس وحسن رشيد وأبو بكر خيرت. لحّن يوسف جريس أوبرا باللغتين العربية والفرنسية هى «القدر» 1943 وكتب قوالب القصيد السيمفونى والصور الموسيقية الأوركسترالية والسيمفونيات، أما حسن رشيد فلحّن أوبرا «مصرع أنطونيو»، كما كتب أبو بكر خيرت مؤلفات للبيانو وموسيقى الحجرة وسيمفونيات وكونشيرتو، كذلك فعل كل من عزيز الشوان وكامل الرمالى وعطية شرارة الذى كتب 2 كونشيرتو لآلة الكمان وثالث لآلة التشيللو ورابع للناى وخامس للعود. وظهرت أسماء عديدة اتخذت من القوالب العالمية شكلاً لموسيقى مصرية، من هذه الأسماء رفعت جرانة، د. طارق على حسن وغيرهما. واتجه كبار الملحنين والعازفين المصريين لكتابة مقطوعات موسيقية شعبية قصيرة، فكتب محمد القصبجى 11 مقطوعة منها «ذكرياتى» و«من وحى أفكارى» و«كابريس».. وكتب محمد عبد الوهاب حوالى 68 قطعة منها «ابن البلد» و«إليها» و«حياتى» و«أنا وحبيبى» و«حبيبى الأسمر» و«زينة» و«ليالى لبنان»، كما كتب رقصة قمر 14 لترقص عليها نجوى فؤاد، وكتب رياض السنباطى 38 قطعة منها «لونجا رياض» و«رقصة شنغهاى» و«ليلة بدر» و«القبلة الأولى»، وكتب محمد فوزى 6 قطع منها: «فتافيت السكر» وحبايب ورجاء، وكتب فريد الأطرش 5 قطع منها «كهرمانة وسوق الحديد» وكتب محمد الموجى «بنات بحرى»، وكتب بليغ حمدى «دندش»، وكتب كمال الطويل رقصات فيلم «نشالة هانم» وكتب منير مراد رقصات سينمائية كثيرة وكتب على إسماعيل «الملاية اللف» إلى جانب موسيقى تابلوهات فرقة رضا، وكتب عطية شراره «ليالى المنصورة» و«ليالى الإسكندرية» وغيرها وكتب عبد العظيم حليم «قطة». أما العازفون المهرة فمنهم محمد صادق وجورج ميشيل وعبد الفتاح صبرى وجمعة محمد على، وقد كتب كل منهم مقطوعات موسيقية، وكتب أحمد فؤاد حسن عدة مقطوعات منها: «بهية» و«مبروك» و«المولد» و«حول العالم» و«نجوى»، وكتب صلاح عرام مقطوعة كانت تعزفها فرقته الموسيقية فى كل جولاتها وكذلك فعل هانى مهنى. واتجه محمد عبد الوهاب لكتابة مقدمات موسيقية طويلة للأغنيات التى كان يلحنها لعبد الحليم حافظ وأم كلثوم ووردة، وتبعه فى ذلك بليغ حمدى فى ألحانه لنفس النجوم. وكانت الإذاعة المصرية تولى المقطوعات الموسيقية أهمية كبرى فتذيع بعضا منها فى برنامجها اليومى، ولما تولى الرائد الإذاعى فهمى عمر رئاسة الإذاعة أقام ثلاث حفلات متخصصة فى الموسيقى البحتة دون غناء تحت عنوان «الليلة الموسيقية». ثم ظهرت أسماء شابة فى مجال التأليف الموسيقى مثل عمر خيرت، الذى حققت موسيقاه نجاحًا جماهيريًا بين الكبار والشباب الذين أقبلوا على حفلاته فى دار الأوبرا بحماسة، ونجحت موسيقى الجاز ليحيى خليل وموسيقى فتحى سلامة وهانى شنودة. وفى ثمانينات القرن الماضى انتشرت الموسيقى البحتة على الكاسيتات فيها ما كان مؤلفا ومنها ما هو توزيع لأغنيات شهيرة. ثم توقف التأليف الموسيقى العربى، حتى مقدمات المسلسلات التليفزيونية والإذاعية أصبحت تعتمد على الغناء، واختصرت اللزمات الموسيقية فى ألحان أغانينا التى أصبحت ركيكة فى غالبها مسروقة أحيانا، فهل من الطبيعى أن يعيش شعب بلا موسيقى؟! إن الشعوب لا تبدع فى السياسة أو الاقتصاد أو النشاط الاجتماعى إن لم يكن فيها مبدعون فى الموسيقى، فإذا كان الغناء حياة الروح، فالموسيقى البحتة تطير بالإنسان إلى السماء بدون أجنحة. إن الغناء العربى بعافية، أما الموسيقى فهى فى خطر.