على مدى أسابيع اجتهدنا فى أكتوبر لإطلاق مبادرة تجميع القبائل المصرية لمواجهة الفتنة والتطرف والإرهاب وشارك فريق عمل من الزملاء الأعزاء فى هذا المشروع الحيوى من حيث التوقيت والأهداف، فهو يأتى بعد فتنة أسوان التى لم تشهد لها مصر مثيلا على مدى تاريخها.. من حيث التمثيل بالجثث وعرضها على عربة كارو.. وتدخل «طرف ثالث» لا نعرفه حتى الآن ليشعل نار الفتنة.. كما قال د. سالم أبو غزالة نائب رئيس المجلس الأعلى للقبائل العربية. ومن الغريب أن هذا الطرف الثالث مازال لغزًا محيرًا.. لا ندرى من هو ولا من يقف وراءه.. ولكننا نعرف حقيقة واضحة ومؤكدة ألا وهى أن الإعلام قام ومازال - فى أغلبه للأسف الشديد - بدور هدّام لا يخدم سوى أعداء الأمة، وقد يتم هذا عن جهل أو عن قصد.. ولكنه فى كلتا الحالتين مسئول جزئيًا عن جانب كبير من المآسى التى تشهدها أرض الكنانة. وقد اشتكى شيوخ بعض القبائل الذين استضافهم «صالون أكتوبر» الأربعاء الماضى من هذه القضية وهم يرون أن أغلب وسائل الإعلام - للأسف الشديد - تساهم فى صناعة الفتن وتأجيج الأزمات ولا تقف على الحياد على أقل تقدير بل إنها لا تقوم غالبًا بأى دور إيجابى لمعالجة مشاكلنا وقضايانا الخطيرة. وهذا ما تحاول «أكتوبر» على مدى أكثر من عام ونصف العام القيام به.. ألا وهو الإسهام فى حل قضايا الوطن واستعراض همومه وقضاياه، وقد سبق لنا تأسيس «منتدى التنمية والسلام» الذى شارك فيه كثير من الساسة والمفكرين والإعلاميين.. ولكنه لم يحظ بذات القدر من الاهتمام وتراجعت قوة الدفع التى بدأ بها، ونأمل أن يعود إلى نشاطه وحيويته قريبًا بمشيئة الله. ونحن نلاحظ أن الإعلام غارق فى متابعة الأزمات والمشاكل.. وكما قلنا يساهم فى تضخيمها.. بل واختلاق الكثير من الأكاذيب وتأجيج الفتن، لذا فإن هذا الجهد المتواضع ل «أكتوبر» يمثل نموذجًا للإعلام الوطنى الواعى الذى يدرك حقيقة دوره ورسالته وأن هدفه ليس السبق أو الانفراد.. حتى ولو على أشلاء الوطن وجثث الأبرياء الذين سقطوا خلال الأحداث الأخيرة. الإعلام المُغيّب أو الغائب عن واقعنا ومشاكلنا لا يعكس هموم المواطن البسيط البائس.. ويهتم بقضايا هامشية ولا يقدم حلولًا حقيقية لهمومنا وغمومنا التى زادت وتصاعدت على مدى السنوات الأخيرة. وللأسف الشديد أيضًا فإن الأجهزة المسئولة عن الإعلام المصرى لم تهتم بالقضايا الحيوية لأرض الكنانة.. ولم تنجح فى معالجة المشاكل المالية والهيكلية والفنية والتشريعية التى تواجهها.. وراحت تغوص فى قضايا فرعية وفى فسيفساء الأحداث دون وضع خطة استراتيجية متكاملة لمعالجة مشاكل هذا القطاع الحيوى.. بل القطاع الأهم فى ظل المنظومة السياسية والقضائية والأمنية الحالية. لذا نحن نطالب بمؤتمر قومى عاجل تشارك فيه كل وسائل الإعلام دون استثناء.. وترعاه أجهزة الدولة كافة لبحث هذه القضية الخطيرة.. ويهدف إلى الخروج من إعلام الفتنة وصناعة الشر إلى إعلام البناء والتنمية وإشاعة الخير، وقد يبدو هذا أملًا طوباويًا أو خياليًا.. لكنه ضرورة حيوية ملحة.. بدلًا من التركيز على تغيير الأشخاص والأشكال دون إصلاح الأسس والهياكل والجذور التى نشأت عن تأميم الإعلام أو اختطافه من قبل بعض رجال الأعمال أو السيطرة عليه بواسطة تيار أو حزب أو حتى قوى سياسية معينة، هذا هو الخطر الحقيقى الذى تواجهه مصر.. وعندما استضافت أكتوبر زعماء القبائل الأسبوع الماضى برعاية مشتركة مع حزب المؤتمر الذى يترأسه الصديق العزيز د. محمد العرابى ومشاركة الأستاذ زين السادات مؤسس حركة توحيد الصف المصرى والعربى.. فإننا لم نتوقع هذا التجاوب الكبير ولا النجاح الرائع لهذا اللقاء النبيل.. ونحن نخطط بمشيئة الله لزيارة أماكن التجمعات القبلية خلال الفترة القادمة.. وسنبدأ بأسوان العزيزة علينا جميعًا لتضميد الجراح وتهدئة النفوس وتقريب القلوب بين الأشقاء الأحباء. وكم سعدنا فى صالون أكتوبر بهذه الرسالة الرقيقة التى وجهها الأخوة «الدابودية» لأشقائهم «الهلالية» وأكدوا خلالها مدى حبهم لهم.. وتوحدهم فى إطار الوطن الواحد.. بل إنهم أعربوا عن ثقتهم فى تجاوز الأزمة وطى تلك الصفحة الدامية الغريبة على تاريخنا وتقاليدنا وحضارتنا. كما سعدنا بما أكده أهل النوبة من رفض لكل مؤامرات التقسيم والانقسام.. بل إنهم أكدوا مواقفهم العاشقة لأرض الكنانة والواعية لكل مؤامرات الأعداء. *** وقد سعدنا فى أكتوبر باستضافة هذا الجمع من شيوخ وممثلى القبائل العربية هنا فى دار المعارف أكبر وأقدم دور النشر فى العالم العربى.. هنا حيث اجتمع قادة الفكر والرأى والثقافة بلغة الضاد، ومنهم طه حسين والعقاد والجارم والمازنى.. وكثير من الكوكبة المنيرة التى حملت حضارة العرب والإسلام إلى كل مكان فى العالم. وكما جمعت دار المعارف هؤلاء الأعلام والأفذاذ فإنها تجمع اليوم ممثلى القبائل العربية على قلب رجل واحد.. لتؤكد للعالم أجمع أن مصر عصية على الفتنة والتطرف والإرهاب. ونحن ندرك ثقل الكتلة التى تمثلها القبائل العربية (نحو 30 مليون مصرى أصيل).. فهم جزء أساسى من نسيج المجتمع المصرى.. ويستطيعون ترجيح كفة أية قوة سياسية.. كما أنهم يمثلون درعًا واقية على الحدود الطويلة الممتدة لآلاف الكيلومترات.. بل إنهم يتواصلون ويتصلون بذات القبائل الممتدة عبر البلاد والصحراوات.. حتى عمق أفريقيا والجزيرة العربية التى تمثل نقطة الانطلاق لهذه القبائل العريقة. وحتى نكون واقعيين يجب أن نحدد مشاكل هذه القبائل ونضع إطارًا عمليًا وعلميًا لمعالجتها.. والاعتراف بهذا الواقع هو المدخل الصحيح لمواجهة مشاكله.. ولعل أبرز تلك المشاكل كما طرحها زميلى وابنى أحمد شنب فى مبادرته قبل أسبوعين هو التهميش.. فكثير من هذه القبائل تشعر أنها تعيش على هامش الحياة المصرية.. وهى بالفعل تقع على أطرافها وفى أبعد نقاطها.. هذا المشكلة الجوهرية نشأت عنها مشاكل فرعية عديدة.. من بينها تراجع الخدمات.. وربما انعدامها فى بعض الأحيان فطول المسافات وتباعد المدن والمناطق الحضرية ساهم فى تراجع المستوى التنموى لهذه القبائل العزيزة الأصيلة. كما أن مركزية النظام المصرى عبر آلاف السنين جعل العاصمة ومراكز المدن تحظى بأغلب الخدمات.. بينما يتم حرمان الأطراف النائية حيث تحرم القبائل من الخدمات الأساسية الحيوية.. بل من موارد الرزق الضرورية لاستمرار الحياة والتمتع بالحد الأدنى من حقوق الإنسان. وربما استغل بعض الدخلاء هذا الواقع وحاولوا النفاذ من خلاله.. بل إن بعض القوى والدول التى تدعى أنها صديقة أو شقيقة تعمل على استغلال هذه الأطراف للتأثير على مصر وعلى قراراتها.. وهذا لم ولن يحدث.. رغم ما نشهده من أزمات ومشاكل متلاحقة. بل إننا نعتبر القبائل هى خط الدفاع الأول عن حدودنا لأنها ندرك خباياها وتعلم دروبها بمنتهى الدقة والمهارة.. وهى نستطيع - ونقوم بذلك فعلًا - مواجهة كل محاولات الاختراق والتسلل عبر الحدود المصرية فى كل الاتجاهات. وعندما نطالب بتوحيد القبائل العربية فى مصر تحت مظلة واحدة.. فنحن نرى أن هذه الدعوة ضرورية لعدم تشتيت الجهد وتفتيت هذا الكيان القوى.. نريد أن يكون هناك كيان واحد موحد لهذه القبائل يدافع عن مصر فى مواجهة كل قوى الشر والفتنة والإرهاب. وكما كانت أحداث أسوان قاسية وصادمة فإنها كشفت مدى أصالة هذه القبائل ووعيها بالمؤامرات التى تحاك ضد أرض الكنانة.. كما أكدت هذه التجربة المريرة مدى صلابة النسيج الوطنى الذى يتعرض لكثير من المؤامرات والمكائد.. من الداخل والخارج. ونحن نطالب حكومة المهندس إبراهيم محلب بعقد لقاء عاجل وموسع مع زعماء القبائل العربية وبحث مشاكلهم وتلبية مطالبهم من خلال برنامج شامل ومتكامل وبجدول زمنى واضح.. فيجب ألا نستهين بثقل هذه الكتلة المصرية الحيوية ولا بدورها الأساسى فى حماية أرض الكنانة.. كما أننا نطالب أبناء القبائل بأن يؤكدوا القيم الأصيلة للقبيلة.. قيم الشهامة والمروءة والنبل وإغاثة الملهوف.. والأهم من ذلك الوعى بمؤامرات الأعداء وإفسادها بالفعل والعمل.. قبل الكلام والأحاسيس الصادقة.. فنحن جميعًا نقف فى خندق واحد وفى مرحلة تاريخية فاصلة دفاعًا عن أرض الكنانة وعن مستقبلنا جميعًا.