ربما لم يفاجىء القانون الذى وقعه الرئيس الأمريكى باراك أوباما مؤخرا، ونص على عدم منح تأشيرة دخول أمريكية للسفير الإيرانى المعين لدى الأمم المتحدة حميد أبو طالبى، الكثير من المتابعين للشأن الدولى، وبخاصة أزمة التأشيرة الأمريكية المستمرة منذ حوالى شهرين، ولكن قرار أوباما جاء ليحسم الأمر بشكل نهائى، ويثير عدة تساؤلات حول تأثير هذا القرار على العلاقات بين البلدين، ومصير المفاوضات الجارية بينهما حول البرنامج النووى الإيرانى. الأزمة بين البلدين، بدأت فصولها عندما طلبت إيران تأشيرة دخول الأراضى الأمريكية لسفيرها الجديد فى الأمم المتحدة، وقامت الولايات المتحدة بترك الطلب معلقا لفترة دون أن تعلن عن رفضها المباشر، ولكن فى النهاية تم رفض الطلب بشكل رسمى، ولم تكتف الولايات المتحدة بذلك، إذ وقع الرئيس الأمريكى القانون المثير للجدل – الذى تبناه الكونجرس فى 10 أبريل الماضى- وينص على عدم منح تأشيرة دخول أمريكية لسفراء فى الأمم المتحدة يُعتبرون بمثابة تهديد للولايات المتحدة أو شاركوا فى نشاطات إرهابية، وهو قانون يستهدف بصفة خاصة السفير الإيرانى الجديد لدى الأمم المتحدة. وقال الرئيس الأمريكى خلال توقيع القانون إن أعمالا تجسسية أو إرهابية تستهدف الولايات المتحدة أو حلفاءها هى بدون شك الأكثر خطورة، مضيفا أنه يشاطر الكونجرس القلق حيال أشخاص شاركوا فى مثل هذه النشاطات، ويستخدمون التغطية الدبلوماسية ليدخلوا إلى وطننا. وتقول واشنطن إن السفير الإيرانى لعب دورا فى أزمة خطف الرهائن فى السفارة الأمريكيةبطهران عام 1979، وكان أبو طالبى عضوا فى مجموعة الطلاب الإيرانيين الذين احتجزوا 52 أمريكيا، بعد الاستيلاء على السفارة الأمريكية فى طهران لمدة 444 يوما، ولكن أبو طالبى يدافع عن نفسه بالقول إن دوره اقتصر فى تلك الأحداث على الترجمة. وكما كان متوقعا، اتسم رد الفعل الإيرانى بالغضب الشديد، وهاجم المسئولون الإيرانيون الإدارة الأمريكية، حيث وصف وزير الخارجية الإيرانية القرار الأمريكى بأنه غير مقبول، كما طالب رئيس لجنة الأمن القومى والعلاقات الخارجية بالبرلمان الإيرانى وزير الخارجية بتوجيه خطاب احتجاجى للأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون، وفى نفس الوقت رفضت إيران تعيين شخص آخر بديلا عن طالبى. ولم يقتصر الغضب الإيرانى على المسئولين فقط، إذ هاجمت الصحف الإيرانية الولايات المتحدة، ومن بينها صحيفة « كيهان العربى» التى أوردت فى تقرير لها تحت عنوان ساخر «الأمم المتحدة لصاحبها أوباما» أنه فى الوقت الذى يجب أن تكون فيه منظمة الأمم المتحدة مستقلة وغير تابعة لأى دولة، نشاهد أن توجهات واشنطن هى الحاكمة، وأن التدخل السافر والمباشر للولايات المتحدة فى هذه المنظمة لا يحتاج إلى دليل، فرفض واشنطن قبول اقتراح الجمهورية الإسلامية بترشيح أبو طالبى بديلا للخزاعى كسفير لها فى الأمم المتحدة، والذى وصل فيه الأمر أن يوقع أوباما قرارا بعدم منح تأشيرة دخول لطالبى، يؤكد أن إدارة هذه المنظمة بيد أوباما وليس رئيسها. وإذا كانت الصحف الإيرانية هاجمت القرار الأمريكى، فإن الصحف العالمية الأخرى سواء الأمريكية أو الأوروبية رأت أن ما فعلته الإدارة الأمريكية لم يكن أمرا صائبا، خاصة فى هذا التوقيت الذى تجرى فيه البلدان مفاوضات حاسمة فيما يتعلق بالملف النووى الإيرانى، فمن جانبها علقت صحيفة «ذى آيريش تايمز» الإيرلندية على رفض الولايات المتحدة إصدار تأشيرة دخول للسفير الإيرانى الجديد إلى الأمم المتحدة لدوره المفترض فى عملية احتجاز الرهائن فى السفارة الأمريكيةبطهران عام 1979، قائلة إنه لو كان أبوطالبى يمثل حقاً تهديداً لأمن الولايات المتحدة، لأقامت الحجة على ذلك لتعليل عدم التزامها القانونى بمنح التأشيرات لدبلوماسيى الأمم المتحدة، مضيفة أن قرار الرئيس أوباما لا علاقة له بالأمن، ولكنه جاء نتيجة لاعتبارات تتعلق بالسياسة الداخلية، حيث يسعى أوباما للتجاوب مع قرار جمهورى مُرر عبر الكونجرس، ويشير إلى مشاركة طالبى فى أزمة الرهائن. وأشارت الصحيفة الإيرلندية إلى أن الولايات المتحدة، باعتبارها الدولة المضيفة لمقر الأمم المتحدة، تبنت فى 1947 تشريعاً يضمن عدم تدخلها فى اختيار المنظمة الدولية أو أعضائها لممثليهم أو إعاقة سفرهم، ما عدا فى حالة وجود تهديد أمنى، وعلى ذلك الأساس أنشئ المقر فى نيويورك. وبشكل عام، أوفت الولايات المتحدة بهذا التعهد، حيث سبق لها أن منحت تأشيرات لبعض الحكام المستبدين فى العالم، ولكن خلال العام الماضى، لم يتمكن الرئيس السودانى عمر البشير، المطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية، من السفر إلى نيويورك والمشاركة فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد أن تُرك طلب التأشيرة الخاص به معلقاً، وفى 2012 رفضت الولايات المتحدة منح التأشيرة لنحو 20 مسئولا حكومياً إيرانياً، من بينهم وزيران، كانا يرغبان أيضاً فى حضور اجتماعات الجمعية العامة، وختمت الصحيفة تقريرها بالقول إن رفض واشنطن إصدار التأشيرة للسفير الإيرانى الجديد ينم عن قصر نظر، وسيأتى على الأرجح بنتائج عكسية فى المفاوضات الحاسمة فى فيينا حول برنامج إيران النووى. وفى نفس السياق ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أن قرار واشنطن يعد بمثابة بداية لمواجهة جديدة مع طهران، بعدما بدأت العلاقات بينهما فى التحسن، وأشارت الصحيفة إلى إعراب الإدارة الأمريكية عن أملها فى سحب طهران لاسم طالبى، لتتجنب بذلك مواجهة كاملة، قد تؤدى لتعكير صفو المحادثات، التى وصفها الجانبان بالبناءة إزاء البرنامج النووى الإيرانى، حيث من المقرر أن تنعقد جولة قادمة من مفاوضات نووية، يُعتقد أن تكون حاسمة فى 14 مايو المقبل. على الجانب الآخر، تناولت صحيفة «بلومبرج» الأمريكية القضية من منظور آخر، فقالت إن الدور المفترض لطالبى فى أحداث السفارة الأمريكية عام 1979 يعيد للذاكرة الشعبية الأمريكية الكثير من تداعيات تلك الأزمة، ونقلت عن الرهينة السابق «بارى روزين» فى بيان قدمه آلان ماديسون، الناطق باسم الفريق القانونى الذى يمثل الرهائن السابقين فى مطالباتهم بالتعويض والعضو فى الفريق، قوله «إنها وصمة عار إذا وافقت الحكومة الأمريكية على تأشيرة طالبى كسفير إيرانى لدى الأمم المتحدة. قد تكون سابقة لكن ما لم يدن الرئيس والكونجرس هذا العمل من قبل الجمهورية الإيرانية فإن احتجازنا ومعاناتنا لمدة 444 يوما على أيدى إيران كان من أجل لا شىء... لا ينبغى أبدا أن تطأ قدمه التراب الأمريكى». يذكر أن حميد أبو طالبى- 57 عاما - يشغل فى الوقت الحاضر منصب المساعد السياسى لمكتب رئاسة الجمهورية، وكان قد تولى من قبل منصب السفير الإيرانى فى إيطاليا وبلجيكا وأستراليا والاتحاد الأوروبى، ومنصب المدير العام السياسى فى وزارة الخارجية، ومستشار وزير الخارجية، وعضو فى المجلس الاستراتيجى فى وزارة الخارجية.