يشهد العراق بعد عشرة أيام انتخابات تشريعية وسط أجواء من التوتر الأمنى والانقسامات السياسية والاجتماعية الحادة، وقد تجاوز الأمر التنافس الانتخابى إلى حرب بالكلمات، وشهدت الحملات الانتخابية تصعيدًا إلى أقصى الحدود بين المتنافسين، وأصبحت الانتخابات جزءًا من الاستقطاب الأوسع الذى يضرب المجتمع العراقى. وسط هذه الأجواء المشحونة قدمت لجنة الانتخابات استقالتها ولكن تم الضغط عليها للعدول عن الاستقالة، وفشل البرلمان فى إقرار الميزانية، ومحاولات اغتيال لكبار المسئولين الأولى لصالح المطلك نائب رئيس الوزراء، والثانية لرئيس البرلمان أسامة النجيفى الأحد الماضى، وفى نفس الوقت دعا إياد علاوى زعيم ائتلاف الوطنية الأممالمتحدة والجامعة العربية إلى التدخل لضمان حماية الانتخابات العامة من التلاعب. إجهاض الانتخابات وأكد إياد علاوى أن ائتلاف الوطنية يأمل أن تكون الانتخابات المقبلة نزيهة، مضيفًا أن هناك اغتصابًا للسلطة تم فى الانتخابات الماضية، وحذر من تكرار استهداف مرشحى ائتلاف الوطنية من قبل بعض الجهات، كما أبدى علاوى مخاوفه من تأثير ما يجرى فى حزام بغداد ومحافظة الأنبار فى الانتخابات خاصة مع حركة النزوح الواسعة لأهالى المنطقتين، وحذّر من وجود نوايا لإجهاض الانتخابات واختزال السلطة من خلال إطالة أمد المواجهات فى الأنبار وديالى. وكشف علاوى عن اعتزام ائتلافه التحالف مع التيار الصدرى والمجلس الأعلى ورئيس إقليم كردستان مسعود البرزانى بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة. الدولة الكردية امتلأت شوارع كركوك بصور ولوحات المرشحين المتنافسين لاختيار 12 عضوا فى البرلمان العراقى المقبل. وتختلف انتخابات العام الحالى عما شهدته كركوك عامى 2005 و2010، فالقوائم الرئيسية الكردية والعربية والتركمانية لم تعد موحدة وكل طرف سياسى قرر خوض المنافسة بمفرده. وجاءت تصريحات رئيس إقليم كردستان مسعود برزانى بأن «الدولة الكردية المستقلة قادمة» صادمة لكثير من القوى السياسية بالعراق. واعتبر برزانى أن «إعلان الاستقلال هو حق طبيعى للأكراد، ويجب عدم التعامل معها وكأنها تهمة تلاحقنا». طرح برزانى يصطدم بموقف الرأى العام العراقى المتشبث بوحدة أراضى العراق، ويخالف الدستور العراقى جملة وتفصيلًا. أحلام المالكى ومن جهة أخرى دعا رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى إلى اختيار الأشخاص المناسبين فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، مؤكدًا أن الحكومة لن تسمح بعودة الميليشيات المسلحة، وأن ائتلاف دولة القانون ماض فى تشكيل حكومة أغلبية خلال الدورة المقبلة. وأكد المالكى خلال إعلان البرنامج الانتخابى لائتلافه «إننا حاربنا الميلشيات وقضينا عليها بشكل تام، وسندحر الإرهاب لأننا نريد أن نعمل بكل ما لدينا لنصرة الشعب المظلوم». وجدد المالكى قوله بتشكيل حكومة أغلبية وقال «رسالتى الأخيرة هى أننا ماضون فى مشروعنا بتشكيل حكومة أغلبية سياسية لبناء عراق خال من الميليشيات». لقاءات الصدر ومن جهة أخرى واصل زعيم التيار الصدرى مقتدى الصدر لقاءاته مع المراجع الشيعية المطالبة بالتغيير، وأعلن الأسبوع الماضى أنه اتفق مع المرجع الشيعى الأعلى على السيستانى على «الأصلح والأكفأ» فى الانتخابات المقبلة. وكان الصدر قد قام بزيارة السيستانى فى منزله فى النجف، وأكد البيان الذى صدر عقب الزيارة أن الجانبين شددا على ضرورة توفير الأمن لأبناء الشعب العراقى ونبذ الطائفية والإرهاب والوقوف فى وجه الفساد. وأضاف: «بقدر ما نرفض تولى المالكى ولاية ثالثة، لأسباب أشار إليها مقتدى الصدر وهى منع الديكتاتورية فإن المرشح الذى نطرحه لرئاسة الحكومة مستقل وتكنوقراط ولا ينتمى إلى حزب أو جهة معروفة». تكريس النزاع ولا شك أن الأزمات التى تجتاح العراق، وما يحدث فى الأنبار والتنكيل بآلاف العائلات وتشريدها والتهجير لشرائح واسعة من المجتمع يفرغ الانتخابات من معناها. وبينما يتحدث المالكى عن مكافحة الإرهاب، يرفض على مدى عام كامل التفاوض مع المحتجين فى الرمادى ويرفض الاستجابة لمطالبهم. المالكى يخوض الانتخابات عبر عشرة كيانات سياسية لا تقتصر على تياره «ائتلاف دولة القانون» وبين الكيانات السياسية الحليفة له ميليشيات مسلحة معروفة، تقدمت باعتبارها كيانات سياسية وتمت المصادقة على تشريحها، ومنها «منظمة بدر». إن الانتخابات فى مثل هذه الأجواء ستكرس النزاع، إن عمليات التنكيل والثأر لا تنتهى، و«القاعدة» مازالت ناشطة فى العراق و«داعش» يفرض سياسة الأمر الواقع فى بعض المناطق، فكيف ستكون الانتخابات المقبلة والأمن مفقود، والنزاعات والانقسامات الطائفية تهدد بانفجار الموقف؟ وبعد مرور أحد عشر عامًا على الاحتلال مازال العراق يراوح بين موت وموت وبين اغتيال واغتيال وبين انفجار وانفجار حتى أصبح كله مفخخًا بطوائفه، فعن أى انتخابات يتحدثون..؟