عالم غريب وعجيب ومثير.. إنه عالم الحشرات..ورغم أن كلمة حشرة تدل فى قواميسنا العربية على الاحتقار،إلا أن من يحاول اختراق هذا العالم سيجد العجب العجاب، وسيجد أن الله قد حبا عالم الحشرات بقدرات ربما ليست لدى بنى البشر، فى عالم الحشرات لا يوجد شىء اسمه آفة ضارة، فكل حشرة لها فائدة وخلقها الله لحكمة يعلمها هو،فهناك حشرة تعالج الجروح المتقيحة،وهناك حشرة تقضى على دودة القطن وهناك حشرة تقضى على الآفات التى تصيب أشجار الفاكهة والخضراوات. والحشرات لها( لغات) تتواصل بها مع بعضها ،وليست لغة واحدة بل عدة لغات، فلكل نوع من الحشرات لغة تميزه، وقد تكون هذه اللغة أصوات طنين أو صفارة أو أزيز، وداخل هذه الأصوات نغمات مختلفة كل نغمة تدل على شىء، وقد تكون اللغة إشارات ضوئية ،وقد تكون إفراز مواد لها روائح معينة تعرفها الحشرة،وقد تكون اللغة لمسات أو ضربات معينة،وقد تكون اللغة رقصات أيضا!! والعجيب أن الحشرات ليست لها لغة فقط بل لهجات أيضا!! فالحشرات تختلف اللهجات بينها من دولة إلى أخرى!! وإذا كان الإنسان لا يستطيع الاتصال بغيره الذى يبتعد عنه بمسافة معينة إلا عن طريق وسائل الاتصال مثل التليفون، فإن الحشرات أمدها الله بتليفونات من نوع آخر،فعن طريق لفتها الخاصة تستطيع حشرة أن تصل إلى أخرى على بعد حوالى سبعة كيلومترات. فى هذا العالم العجيب الذى يضم أكثر من مليون نوع من الحشرات (المعروفة حتى الآن) وقد يصل العدد الذى نستطيع التعرف عليه مستقبلا إلى خمسة ملايين نوع، الإبحار مع أحد العلماء المصريين البارزين فى مجال الحشرات وأحد العلماء القليلين جدا فى العالم الذين خبروا لغة الحشرات، د.عصمت محمد حجازى أستاذ ورئيس أسبق لقسم الحشرات الاقتصادية بكلية زراعة الإسكندرية. يقول د.عصمت حجازى فى عالم الحشرات لا يوجد شىء اسمه حشرة ضارة أو كما يقال (آفة) فمن النادر جدا أن تتواجد حشرة ضارة أو لا فائدة لها، فالحشرة الضارة هى التى تتداخل مع اهتمامات الإنسان ويتعامل الإنسان معها بطريقة خاطئة تحولها إلى آفة، فعلى سبيل المثال حشرة النمل الأبيض التى تسبب أضرارا بالغة لأثاث المنازل وتأكل أخشاب الأثاث، هى فى الأساس حشرة مفيدة جدا، فهى تعيش فى البيئة مع الأشجار وتتغذى على بقايا الأشجار الميتة، والمواد الإخراجية التى تخرج من بطن الحشرة هى مواد بسيطة ومفيدة جدا تمتصها النباتات النامية وتتغذى عليها وتنمو، وحينما أخذ الإنسان أخشاب الأشجار وصنع منها الأثاث بالمنازل انتقلت الحشرة إلى المنزل لتأكل هذه الأخشاب. وكذلك عندما تسبب حشرة ما ضررا فى مزرعة فمعنى هذا أن المزارع أدار المزرعة بطريقة خاطئة. ويضيف د.عصمت قائلا إن لكل نوع من الحشرات دور فى البيئة، فهناك حشرات نافعة، وهناك حشرات منتجة مثل دودة القز التى تصنع الحرير ومثل نحل العسل، وهناك حشرات مفيدة جدا فى العلاج مثل احد أنواع الذباب الذى يتغذى على الأنسجة الميتة، وهذا النوع استخدمته بعض الجيوش فى الحرب العالمية الثانية لعلاج و تنظيف جروح المصابين التى أصيبت بالعفن، فهذه الحشرة تتغذى على العفن وتفرز مادة مثل المضاد الحيوى تساعد على التئام الجروح، وفى الولاياتالمتحدة هناك مستشفيات تخصصت فى هذا المجال خاصة علاج الغرغرينا والجروح التى لم ينجح معها العلاج بأى عقاقير دوائية عن طريق هذا الذباب. ويقول أن هناك نوعًا من الحشرات تبحث عن الحشرات الضارة وتهاجمها، وهذه الحشرات تسمى (طفيليات البيض) أو الترايكو جراما، ويمكن أن نربى حوالى مليونانى من هذا الطفيل فى برطمان صغير، ويمكن بعد ذلك توزيعه على الأشجار لمكافحة معظم أنواع بيض الآفات التى تصيب أشجار الفاكهة والخضراوات وأهمها آفات شجر الزيتون،وقد استخدمنا هذا الطفيل لمكافحة الآفات فى مزرعة للزيتون فارتفع دخل المزرعة من 900 ألف جنيه فى السنة إلى 7 ملايين جنيه، كما أن هناك حشرة تسمى (ميكروبليتس) تهاجم يرقات دودة القطن وتقضى عليها تماما، والأنثى الواحدة من الحشرة تستطيع أن تقتل 300 يرقة من يرقات دودة القطن، أى مكافحة بيولوجية بدون أى مبيدات. وهناك أنواع هائلة من حشرات عبارة عن (مفترسات) وهى حشرات تلتهم العائل الخاص بالحشرات الضارة خاصة الآفات التى تصيب الصوب الزراعية، وهناك حشرات تعيش وتتغذى على روث الماشية، وهذه الحشرات تنشر الروث فتعمل على جفافه فتموت الحشرات الضارة الموجودة به. (لغة الحشرات) أما لغة الحشرات فهى عجيبة أخرى من عجائب عالم الحشرات، وعنها يقول د.عصمت حجازى إن اللغة يتواصل بها الإنسان مع غيره، أما فى الحشرات فهناك لغات لعالم الحشرات،وليس هذا فقط بل هناك أيضا لهجات تختلف من بلد لآخر وهذا أيضا من العجائب،ولغة الحشرات تختلف من نوع لآخر، فهناك أصوات مثل الصفارة والطنين والأزيز والنقيق ،وهناك لغة عبارة عن إشارات ضوئية، وهناك لغة عبارة عن رقصات،وهناك اللغة الكيماوية وهناك الأصوات غير المسموعة للإنسان. وأولى هذه اللغات هى ( الصوت )، فهناك نوع من الحشرات تسمى صرصار الغيط وهو معروف تماما فى الريف المصرى، هذه الحشرة تصدر صوت صفارة بعدة طرق فقد تحتك الأجنحة بعضها أو تحتك بالأرض لتصدر الصوت وقد يكون لديه فى بعض الأنواع أجهزة لإصدار الصوت، والنغمة التى يصدرها الصرصار تختلف من حالة لأخرى، فإذا جاء إلى حقل ممتلئ بالزرع الأخضر فهو يصدر صوت له نغمة معينة ليدعو زملاءه إلى الطعام، وإذا أرادت أنثى التزاوج فإنها تنادى الذكر بصوت معين، وإذا جاء مجموعة من الذكور لها وأعجبها واحد منهم فإنه يصدر صوتًا و الأبعاد الآخرين عنها بنغمة أخرى. وكشف د. عصمت حجازى أنه اشترك مع أستاذ ألمانى فى دراسة أصوات صرصار الغيط وتمكنا من تسجيل تلك الأصوات ودراسة استجابة الحشرات لكل نغمة بعد أن يستمعا إليها، واستطاعا إن يصنفا تلك النغمات وعرفا معنى كل نغمة من خلال استجابة الحشرة، ويضيف قائلا تصادف أن أستاذى قال لى أن نفس هذه الحشرة موجودة فى إسبانيا، فذهبنا إلى إسبانيا لمعرفة هل نفس الكلمات التى تسجلها تعطى نفس الاستجابة عن نفس الحشرة ولكن فى دولة أخرى أى لها نفس المعنى، فأحضرنا نفس الحشرة وأسمعناها أصوات الجذب ففوجئنا أنها لا تعطى نفس الاستجابة أى أن الحشرات لها لهجات مختلفة وليس لغات فقط !! وعن حشرة «السيكادا» قال هى: تستخدم الصوت أيضا لنفس الأغراض ،وقد تم استخدام الصوت لمكافحة الحشرة من خلال تسجيل الصوت الذى يستخدم للتزاوج على أسطوانة ووضعوا بجوار الأسطوانة شفاطًا ضخمًا لاصطياد الحشرة عند اقترابها من مصدر الصوت. أما الاشارات الضوئية فهى أيضا من ضمن اللغات التى تستخدمها أنواع من الحشرات ومن احد أنواع الخنافس التى تصدر ومضات ضوئية، وعدد الومضات التى تصدرها ومدة كل ومضة تعنى كلمة ما، والحشرة الأنثى قد تصدر إشارات لذكر من نفس نوعها لتعرفه بمكانها لتتزاوج ويزيد النسل، هذا النوع من الحشرات من المفترسات، وهذه الأنثى قد تصدر إشارات ضوئية مشابهة للإشارات التى تصدرها إناث نوع آخر وذلك لجذب ذكر من ذلك النوع لتلتهمه فى حالة الجوع، فعندما يعتقد الذكر أنها أنثى من نفس نوعه يذهب إليها ،خاصة انه لا ير فتلتهمه الأنثى. وهناك أيضا ومضات للدليل على الغذاء والتحذير والخداع ،وضوء الحشرات يختلف عن ضوء لمبات الكهرباء ،فهو ضوء حيوى نسبة الإضاءة فيه 98% ونسبة الحرارة بسيطة جدا على عكس أضواء اللمبات العادية. ويضيف د.عصمت قائلاً أن لغة( التلامس ) هى لغة أخرى من لغات الحشرات، فالنمل حينما يسير فى صف وراء بعضه يستخدم إققرون الاستشعار الخاصة به لتضرب احدى النمل على ظهر نملة أخرى وهذه الضربات تعنى كلمات معينة،كما تستخدم النملة قرون الاستشعار لحلب حشرة (المن) لتخرج له قطرة عسل. (والرقص) من لغات الحشرات أيضا خاصة عند النحل ،فالنحلة تخرج بعيدا عن الخلية للبحث عن الرحيق ،وحينما تجده تعود إلى الخلية وتحدث اهتزازات معينة ببطنها(الرقص الاهتزازى ) أو ترقص رقصا دائريا، وأثناء الرقص يكون اتجاه الرأس لأعلى أو لأسفل أو لليمين أو لليسار وكل اتجاه عبارة عن إشارات لها معنى معين داخل الخلية المظلمة، ويقوم الأفراد الموجودون حولها بنقل الرسالة للآخرين ،فإذا تلقوا رسالة مثلا بوجود الرحيق على بعد 2 كم بزاوية معينة من الشمس، فأى فرد من الخلية يستطيع الطيران فى نفس الاتجاه وإحضار نفس الرحيق من نفس الزهرة. الغزل والتزاوج ويضيف قائلا إن اللغة عند الحشرات لها عدة وظائف،خاصة أن الحشرات لا ترى،ومن يرى منها يرى أشياء غير التى يراها الإنسان أولها الاهتداء لمسكن أفراد النوع ،و ثانيها التزاوج فعن طريق اللغة تستطيع الأنثى أن تهتدى للذكر أو تناديه وكذلك الذكر والعجيب انه عن طريق لغة الحشرات يمكن أن تهتدى الذكور إلى الإناث والعكس على مسافة قد تصل إلى سبعة كيلومترات وهو الشىء المستحيل فى عالم البشر!! أما ثالث فوائد اللغة عن الحشرات فهى الغزل، فأثناء التزاوج تستطيع الأنثى جذب الذكر عن طريق اللغة. ومن وظائف لغة الحشرات أيضا الوصول إلى الغذاء،فلو وصلت حشرة إلى شجرة غير مصابة وصالحة للتغذية فهى تنادى على زملائها ،وعندما يتزايد عددهم فى نفس المكان تتواصل معهم باللغة لإبعادهم عن الشجرة حتى لا تموت الشجرة. وهناك وظيفة أخرى للغة عند الحشرات وهى عملية إعادة التوزيع والانتشار،فعن طريق اللغة تستطيع الحشرات توزيع أفرادها فى عدة أماكن حتى لا تدخل فى منافسة على الغذاء فى مكان واحد. وهناك أيضا التحذير وهو من فوائد اللغة ،فلو كانت حشرة تتغذى على نبات وجاء احد المفترسات ليأكلها تدعه يقترب منها ثم تفرز مواد لها رائحة معينة لتنبه زملائها لإبعادهم عن المكان أى أنها قد تضحى بنفسها لإنقاذ عشيرتها!! وهناك فائدة أخرى للغة أيضا وهى تنبيه الحشرة لزملائها لوجودها فى مكان ،وذلك يعنى أن المكان يصلح للإقامة والمعيشة . وهناك فائدة أخرى للغة وهى الدفاع عن النفس،فالحشرة تستطيع أن تدافع عن نفسها وزملائها عن طريق إصدار أصوات تحذيرية عند وجود خطر ولا يفهم تلك الأصوات إلا الحشرات. ومن فوائد اللغة عند الحشرات أيضا الخداع ،مثل الخنافس التى تخدع ذكور فصيلة أخرى لتلتهمها. ويقول د.عصمت حجازى إنه عن طريق معرفة لغة الحشرات نستطيع مكافحة الحشرات الضارة أو الاستفادة من الحشرات المفيدة فمثلا حشرة المن تتغذى على زهور الزينة وتتلفها، فيمكن استخدام الرائحة التحذيرية التى تطلقها حشرة المن لرش الزهور وإبعاد الحشرة عن الزهور،. وكذلك يمكن استخدام الفيرمونات الجنسية لاصطياد حشرة السيكادا مكافحتها وهو الاتجاه السائد فى أوروبا حاليا.